كارما: خالد يوسف مكرّراً نفسه وسواه

21 يونيو 2018
تدثر بعباءة رمزيات قديمة وقضايا عامة بتناول آمن (فيسبوك)
+ الخط -
قبل ثورة يناير 2011، كان المزاج العام والوضع السياسي في مصر مختلفاً تماماً عما هو عليه الآن. وقتها، امتلك خالد يوسف جماهيرية وتأثيراً لافتاً في السينما، استطاع أن يصنع "خلطة" ناجحة للغاية، قائمة على عوالم المهمشين.. النقد السياسي باسم الفقراء.. المشاهد الجنسية الجريئة والصادمة.. مع مساحة لا بأس بها من الرمزية والنبوءات المستقبلية، وعلى الرغم من المستوى الفني المتواضع لأغلب أفلامه، إلا أنها استطاعت أن تحقق نجاحاً في شباك التذاكر ومساحة من الشعبية عند العرض التلفزيوني.

عادات المخرج
ولكن عندما قامت الثورة، تغير كل هذا، أصبح الناس أكثر جرأة في نقد حكامهم، لم تعد الرمزية تجدي، ولا نقد "الفساد" (الممثل غالباً في رجال الأعمال أو الحكومة) كافياً، ولذلك فشل فيلم خالد يوسف "كف القمر" الذي عرض بعد أسابيع من الثورة، وتوقف مخرجه عن صناعة الأفلام منذ ذلك الحين، حتى عاد بفيلم "كارما"، الذي يعرض حالياً في دور العرض، محاولاً استخدام نفس الخلطة القديمة التي كانت جاذبة قبل عشر سنوات، ولكنها –للمرة الثانية- تثبت فشلها التام في مواءمة اللحظة والمزاج العام الحالي.
كعادة خالد يوسف هناك أغنياء ومهمشون وقصة تحمل بعداً رمزياً؛ وهي هنا عن رجل أعمال فاسد وشديد الثراء يدعى "أدهم المصري"، يقوم بمبادلة شخصيته مع شبيه له في الشكل يدعى "وطني مينا" (لاحظ رمزية الأسماء ذاتها!) الذي يعاكسه في كل شيء آخر: فهو فقير.. مسيحي.. يعيش في العشوائيات، ومن خلال تلك المبادلة يجد يوسف مساحته في تناول "القضايا" السياسية التي يعتقد أنها مهمة، سواء التفاوت الطبقي، أو الاختلاف الديني، أو الفساد الذي يزيد الفجوة الاجتماعية بين المصريين.

حبكة مألوفة
حبكة الفيلم ليست جديدة بأي شكل، فالمبادلة بين شخصين متشابهين أحدهما غني والآخر فقير قدمت في السينما المصرية أكثر من مرة، وأقدمها "المليونير" (إخراج حلمي رفلة وبطولة إسماعيل ياسين/ 1950). لذلك، فالقصة ليست الأمر الهام، ولكن معالجة خالد يوسف لها. تلك المعالجة التي لم تشهد أي اختلاف أو تجديد في الرؤية، فكما في أفلامه القديمة مثل "حين ميسرة" و"دكان شحاتة"، هناك مساحة لا بأس بها لـ"الزعيق السياسي" والحوارات الأقرب للمقالات التي يعبر فيها عن أفكاره، مع انعدام لأي منطق درامي أو جماليات سينمائية أو تطورات للقصة، فكل شيء مُنفلت، والعمل بالكامل أقرب إلى الـ "اسكتشات" المنفصلة وغير المترابطة التي تخدم فقط ما يشعر صانع الفيلم أنه يريد تقديم "رأي" فيه، ليظهر واضحاً أن خالد يوسف، ورغم سبع سنوات على آخر أفلامه، لم يتطور بأي شكل؛ بل لا يزال مخرجاً متواضعاً يتعامل مع نفسه باعتباره منظراً ومؤرخاً وزعيماً سياسياً.



من طائرة عسكرية
لكن الأسوأ في هذا الفيلم أنه لا يستطيع حتى أن يكون "جريئاً" أو ذا حس سياسي لافت، ففي الوقت الذي شهد الشارع حراكاً شعبياً عنيفاً لم يسبق له مثيل في 2011، وأصبح "رئيس الجمهورية" –أياً كان اسمه- هو واجهة الانتقادات، ولم يعد المصريون حتى يعرفون اسم رئيس الحكومة من فرط شكلانية الأمر، فإن خالد يوسف لا يزال يصنع أفلامه تحت لافتة هجاء "الحكومة" و"الفاسدين"، وتحميلهم مسؤولية الفقر أو التفاوت الطبقي، والمخرج الذي انحاز للنظام الحاكم خلال السنوات الماضية، بل وقام بتصوير مظاهرات 30 يونيو 2013 من طائرة عسكرية، لم يستطع في ظل هذا المناخ الداخلي المناهض للحريات أن يقدم عملاً ذا حد أدنى من المصداقية –ولو على المستوى السياسي- يستطيع الناس التواصل معه والشعور بأنه يعبر عنهم أو يجذبه تماسه مع مشاكلهم، وبدلاً من ذلك تدثر بعباءة رمزيات قديمة وقضايا عامة بتناول آمن لا يجعله يصطدم مع النظام الذي صار جزءاً منه.
ومع هذا القدر من الخطابية والزعيق الكاذب وانعدام التواصل مع اللحظة لم تعد خلطة خالد يوسف مجدية حتى على المستوى التجاري، فقد بوصلته الجماهيرية وكما كان متوقعاً فشل الفيلم في شباك التذاكر، وحل أخيراً في موسم عيد الفطر، وأمام أفلام جلبت أضعاف إيراداته.


إجمالاً، يعتمد العمل على البطولة الجماعية، حيث يشارك فيه كل من الفنانين خالد الصاوي، وعمرو سعد، وحسن الرداد، وزينة، وغادة عبد الرازق، ودلال عبد العزيز، وغيرهم. وتدور قصة العمل الذي كتبه محمد رافع حول عالم الفوارق الطبقية، من خلال استعراض لنماذج تعيش حياة الرفاهية والثراء وأخرى بسيطة كادحة. ولعلّ حشد كل هؤلاء الممثلين في الفيلم، لم يكن كافياً لجعله عملاً مميزاً؛ فكل هؤلاء محشوون في الفيلم، لكن ضمن نص وحكاية ضعيفين للغاية، فلم يستطيعوا أن يشكّلوا رافعةً لهذا النص، وذلك الضعف السينمائي عموماً.

كل نقاط الضعف هذه تم أيضاً تسليط الضوء عليها على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر الجميع أن الفيلم حصل على إعلان مجاني لا يستحقّه من خلال منع عرضه ثمّ إصدار قرار يسمح بالعرض. واعتبر عدد كبير ممّن شاهد العمل، أن يوسف بات بعيداً تماماً عن الواقع، وأن ما كان يعتر طرحاً جريئاً قبل العام 2011، وتحديداً قبل تنحية الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك، لم يعد كذلك اليوم.
المساهمون