"اضحك من قلبك مع كوميديا الموسم". هكذا تمّ تحديد أفق "الحنش" (2017) لإدريس المريني. سنرى إلى أي حدّ نجح مطلقو الوصف في التحدّي الذي رفعوه.
القاعة الرئيسية ممتلئة في "المركب السينمائي" (كورنيش الدار البيضاء). يُعرض الفيلم 8 مرات يوميًا. صفوف شراء التذاكر متراصة (ثمن التذكرة 6.50 دولارات). استخلاص أولي: الشعب يحبّ الكوميديا. الدليل؟ بيعت 150 ألف تذكرة في شهر واحد، بينما لم يتجاوز عدد التذاكر المباعة لأي فيلم مغربي، كوميدي أو غير كوميدي، 100 ألف تذكرة، في العامين السابقين.
الحنش اسم ساخر، يُطْلَق على الشرطي الذي يشبه الثعبان. لاسم الفيلم تجذّر كبير في الثقافة الشعبية. للشرطي مكانة "مُعْتَبَرة" في المجتمع. هو يد الدولة التي تقمع بها. لذلك، فإن تقديمه في فيلم كوميدي يُحيي أحزاناً عتيقة، لكنه يمتّع المشاهدين في جعلهم يسخرون ممن يخافونهم.
"الحنش" (سيناريو عبد الإله الحمدوشي) كوميديا بوليسية بيضاء: شرطي طيّب يطارد الديك بمسدس. محاكاة ساخرة لوضع المهنة. يضحك المتفرّج، على الرغم من فقر الشريط الصوتي المرافق في نصف الساعة الأولى، وعلى الرغم من أن ضوء الشمس هزم مدير التصوير في المشاهد الخارجية، وعلى الرغم من أن شرطية تسير بكعبٍ عالٍ جداً.
حين يرتجل عزيز دادس (الشرطي) يكون أقدر على الإضحاك. الممثل الذي أدّى دور الضابط الكبير باهت، وقد صوّره المريني في فضاءات ضيقة مظلمة، لا تناسب بهاء السلطة. أداء مجدولين الإدريسي (حبيبة الشرطي) أكثر إقناعاً. فضيلة بنموسى (والدة الشرطي) مؤثّرة في دور الأم الحنون، العاجزة عن مساعدة ابنها عملياً. لذا، تُكثر من الدعاء له. في الفيلم، محاكاة ساخرة للدعاء الشعبي: أمٌّ مقهورة تبالغ في الدعاء لابنها، مع تحريف الدعاء في آخر جملة. تطلب له "خبيزة"، تصغير خبزة، وهي استعارة للدعاء بالسعد والرزق الكثير المفاجئ. هذا الدعاء من أثر ثقافة الفقر والتسوّل الصوفية.
يقدم الفيلم نموذجاً للأم المغربية المشبعة بثقافة زيارة الأولياء. هي لا تتوقف عن الدعاء الصالح. تشكّل دعوات الأم ـ المقهورة اقتصادياً، والمحرومة عاطفياً ـ البيئة النفسية لشخصية الشرطي. الأم أرملة منذ وقت طويل. يوبّخها البقال، ويسخر الجيران منها. تحمّل الفرد لهذا التحقير طويلا يدمّر الروح. في النصف الثاني من الفيلم، صار الإضحاك صعبا، خاصة بالنسبة إلى سلوكيات الأم البائسة.
الفيلم كوميديا محتشمة تتجنّب الترميز، وخفيفة وواضحة وعفيفة، لأن الذوق الشعبي يرفض الفحش والغموض. كوميديا تقدِّم بطلاً متصلاً جداً بالتقاليد. ليست له مسافة مع عيشه، وسخريته لا عميقة ولا نقدية ولا لاذعة. هناك سخرية من اليتيم الفقير الفاشل. يصفّق الجمهور. كما أن أحداً لم يخرج من القاعة. سخرية خفيفة، تنتج تعاطفاً، لأن هذا الشاب الفاشل طيّب القلب للغاية. لذا، يحصل على مكافأة نادرة: علاقة ودية بين أمه وحبيبته. هذه صورة المتفرّج عن نفسه، وأمنيته أيضاً.
اقــرأ أيضاً
إنه موسم الكوميديا في السينما المغربية. عرضت القاعات السينمائية المغربية ثلاثة أفلام مُصنّفة "كوميدية"، بغرض إرجاع الجمهور إلى القاعات، وكسب شرعية شباك التذاكر. تصمد الأفلام الكوميدية طويلاً، خاصة عندما يُسمح للمتفرّج بتحسين صورته عن نفسه. لذا، لم يتحمّل الجمهور السخرية الرمزية لـ "ضربة في الرأس" لهشام العسري، ولا الوجع القاسي لـ "عرق الشتا" لحكيم بلعباس، فلم يصمد عرض الفيلمين أكثر من أسبوع، على الرغم من حصولهما على "جوائز المهرجانات".
صوّر "الحنش" الشرطيَّ في وضع أقلّ مما هو عليه، لذلك تعاطف الجمهور معه. يمكن تقديم قراءة سياسية لنجاح الفيلم، بينما ينتقد "ضربة في الرأس" الشرطة والسلطة في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، ففشل جماهيرياً، على نقيض كوميديا "الحنش"، التي تُخَزِّن تقديراً للشرطة الوطنية، على الرغم من السخرية الخفيفة. كما أن جاذبية الدلالة الشعبية للعنوان (الحنش) ساهمت في شهرة الفيلم سريعاً، لأن الجمهور يحب عملاً يُحيل إلى شخصية محورية في الحقل السياسي. على الرغم من النجاح الجماهيري لـ "الحنش"، وُصِف بالتفاهة والتهريج والسطحية، لأسبابٍ عديدة: لم يعتمد المخرج تعقيداً وتفلسفاً، وهذا ما يُرضي النقاد. ثم هناك احتقار لا شعوري للكوميديا. يبدو أن النقاد يتّفقون، ضمنياً، مع الفقهاء، في أن الضحك يميت القلب، بينما هو يحييه. كلّ منتوج شعبي يُنظر إليه مسبقاً على أنه قليل القيمة. لذا، هذه مرافعة لمصلحة كوميديا شعبية في وجه مخرجين مغاربة يطالبون بسينما المؤلف، فيخجلون من أنفسهم حين يرون القاعات فارغة.
أياً يكن، فبقبول تحدّي شباك التذاكر، يحصل تحوّلٌ في ذهنية المخرج المغربي. سيتعلّم الاعتراف بسلطة قانون السوق، وفيه تتحدّد قيمة هذه السوق للفنانين. في "المركب السينمائي"، لا تتحمّل الإدارة قاعات فارغة. يهمّها الجمهور، لا "تفلسف" السيناريست والمخرج.
الجمهور يتوجّه إلى الصالات دائماً. إذاً، من يدفع النقود يبحث عن المتعة والضحك، لا عن الخواء والكآبة.
الحنش اسم ساخر، يُطْلَق على الشرطي الذي يشبه الثعبان. لاسم الفيلم تجذّر كبير في الثقافة الشعبية. للشرطي مكانة "مُعْتَبَرة" في المجتمع. هو يد الدولة التي تقمع بها. لذلك، فإن تقديمه في فيلم كوميدي يُحيي أحزاناً عتيقة، لكنه يمتّع المشاهدين في جعلهم يسخرون ممن يخافونهم.
"الحنش" (سيناريو عبد الإله الحمدوشي) كوميديا بوليسية بيضاء: شرطي طيّب يطارد الديك بمسدس. محاكاة ساخرة لوضع المهنة. يضحك المتفرّج، على الرغم من فقر الشريط الصوتي المرافق في نصف الساعة الأولى، وعلى الرغم من أن ضوء الشمس هزم مدير التصوير في المشاهد الخارجية، وعلى الرغم من أن شرطية تسير بكعبٍ عالٍ جداً.
حين يرتجل عزيز دادس (الشرطي) يكون أقدر على الإضحاك. الممثل الذي أدّى دور الضابط الكبير باهت، وقد صوّره المريني في فضاءات ضيقة مظلمة، لا تناسب بهاء السلطة. أداء مجدولين الإدريسي (حبيبة الشرطي) أكثر إقناعاً. فضيلة بنموسى (والدة الشرطي) مؤثّرة في دور الأم الحنون، العاجزة عن مساعدة ابنها عملياً. لذا، تُكثر من الدعاء له. في الفيلم، محاكاة ساخرة للدعاء الشعبي: أمٌّ مقهورة تبالغ في الدعاء لابنها، مع تحريف الدعاء في آخر جملة. تطلب له "خبيزة"، تصغير خبزة، وهي استعارة للدعاء بالسعد والرزق الكثير المفاجئ. هذا الدعاء من أثر ثقافة الفقر والتسوّل الصوفية.
يقدم الفيلم نموذجاً للأم المغربية المشبعة بثقافة زيارة الأولياء. هي لا تتوقف عن الدعاء الصالح. تشكّل دعوات الأم ـ المقهورة اقتصادياً، والمحرومة عاطفياً ـ البيئة النفسية لشخصية الشرطي. الأم أرملة منذ وقت طويل. يوبّخها البقال، ويسخر الجيران منها. تحمّل الفرد لهذا التحقير طويلا يدمّر الروح. في النصف الثاني من الفيلم، صار الإضحاك صعبا، خاصة بالنسبة إلى سلوكيات الأم البائسة.
الفيلم كوميديا محتشمة تتجنّب الترميز، وخفيفة وواضحة وعفيفة، لأن الذوق الشعبي يرفض الفحش والغموض. كوميديا تقدِّم بطلاً متصلاً جداً بالتقاليد. ليست له مسافة مع عيشه، وسخريته لا عميقة ولا نقدية ولا لاذعة. هناك سخرية من اليتيم الفقير الفاشل. يصفّق الجمهور. كما أن أحداً لم يخرج من القاعة. سخرية خفيفة، تنتج تعاطفاً، لأن هذا الشاب الفاشل طيّب القلب للغاية. لذا، يحصل على مكافأة نادرة: علاقة ودية بين أمه وحبيبته. هذه صورة المتفرّج عن نفسه، وأمنيته أيضاً.
صوّر "الحنش" الشرطيَّ في وضع أقلّ مما هو عليه، لذلك تعاطف الجمهور معه. يمكن تقديم قراءة سياسية لنجاح الفيلم، بينما ينتقد "ضربة في الرأس" الشرطة والسلطة في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، ففشل جماهيرياً، على نقيض كوميديا "الحنش"، التي تُخَزِّن تقديراً للشرطة الوطنية، على الرغم من السخرية الخفيفة. كما أن جاذبية الدلالة الشعبية للعنوان (الحنش) ساهمت في شهرة الفيلم سريعاً، لأن الجمهور يحب عملاً يُحيل إلى شخصية محورية في الحقل السياسي. على الرغم من النجاح الجماهيري لـ "الحنش"، وُصِف بالتفاهة والتهريج والسطحية، لأسبابٍ عديدة: لم يعتمد المخرج تعقيداً وتفلسفاً، وهذا ما يُرضي النقاد. ثم هناك احتقار لا شعوري للكوميديا. يبدو أن النقاد يتّفقون، ضمنياً، مع الفقهاء، في أن الضحك يميت القلب، بينما هو يحييه. كلّ منتوج شعبي يُنظر إليه مسبقاً على أنه قليل القيمة. لذا، هذه مرافعة لمصلحة كوميديا شعبية في وجه مخرجين مغاربة يطالبون بسينما المؤلف، فيخجلون من أنفسهم حين يرون القاعات فارغة.
أياً يكن، فبقبول تحدّي شباك التذاكر، يحصل تحوّلٌ في ذهنية المخرج المغربي. سيتعلّم الاعتراف بسلطة قانون السوق، وفيه تتحدّد قيمة هذه السوق للفنانين. في "المركب السينمائي"، لا تتحمّل الإدارة قاعات فارغة. يهمّها الجمهور، لا "تفلسف" السيناريست والمخرج.
الجمهور يتوجّه إلى الصالات دائماً. إذاً، من يدفع النقود يبحث عن المتعة والضحك، لا عن الخواء والكآبة.