نيتفليكس... مستقبل دور السينما في خطر

16 يناير 2018
استهجن بيدرو ألمودوفار فكرة عدم إتاحة الأفلام للعرض (Getty)
+ الخط -
كانت أبرز أحداث الدورة الأخيرة من مهرجان "كان"، والتي حملت رقم 70 وأقيمت في مايو/ أيار 2017، عرض فيلم Okja؛ الإنتاج الكوري الأميركي المشترك، ومن إخراج جون-نو بونغ الذي يُعتبَر من صفوة مخرجي آسيا خلال العقدين الأخيرين. وكان مكمن الجدل، ليس حول مستوى الفيلم، ولا شكل التجربة، والإنتاج المشترك فيه، ولا في وصوله لمكانة رفيعة مثل المنافسة في المسابقة الرسمية للمهرجان السينمائي الأعرق في أوروبا والعالم، ولكن الجدل جاء من قرار شبكة "نيتفليكس" التلفزيونيّة المُنتجة للعمل، والتي دفعت 50 مليون دولار كلفة صناعته، كشرط لعدم توزيعه في دور العرض السينمائية، بل اعتبار دور السينما "إرثاً من الماضي"، بحيثُ تكونُ "نيتفليكس" وسيلة المشاهدة الوحيدة للفيلم. 

أفلام سينمائيَّة لا تعرض في السينما


قرارُ الشركة أثارَ العديد من ردود الفعل الغاضبة، أهمُّها من رئيس لجنة تحكيم المسابقة الرسمية، المخرج الإسباني الكبير بيدرو ألمودوفار، والذي استهجنَ قرار عدم الإتاحة في دور عرض، واعتبر أن ذلك شيء ضدّ فكرة السينما من الأساس. وطلب حينها من إدارة المهرجان تعديل لوائحها، ومنع أي فيلم من التنافس في مسابقاتها الرسمية، إذا لم تكن شركته الإنتاجية تنوي توزيعه في دور السينما بفرنسا، وذلك لمواجهة مستجدات العصر الحديث الذي وصل فيه الخيال، بحسب تعبير ألمودوفار، أن "تنتج أفلاماً سينمائية لا تعرض في السينما"، متسائلاً: "إذا لم تكن تنوي الشركة توزيع أفلامها.. فما الذي تستفيده من إنتاجها؟". وبعيداً عن الجدل المستمرّ، حتى الآن، حول المشروعيَّة التي ستمنحها المهرجانات والمخرجون الكبار في قبول إنتاج أفلام، وعدم عرضها داخل دور سينما، فإن سؤال دوافع "نيتفليكس"، وأسباب الأموال الطائلة التي تدفعُها من أجل شراء الأفلام، والمحتوى الأصلي مقابل استبعادها من دور العرض السينمائيَّة التقليديَّة، هو ما نحاول اكتشافه في هذا التقرير.



حدة المنافسة

شبكات العرض التلفزيوني والمشاهدة الإلكترونية هي المستقبل في هذه اللحظة. وداخل هذا السوق، فإن "نيتفليكس" ليست وحدها، هناك "ستريم تي-في" التابعة لشركة "أمازون"، وكذلك شبكة "هولو" التي تملكها شركات "والت ديزني" و"فوكس" و"يونيفرسال". ومُؤخَّراً، بعد استحواذ شركة "ديزني" على نسبةٍ كبيرةٍ من أسهم "فوكس"، فإنّ التوقُّعات تشير لاستثمار ضخم في شبكة "هولو"، وإتاحة الأفلام المُنتجة لشركة "ديزني" (بتاريخ يقارب المائة عام في الصناعة) عليها فقط.
في ظلّ هذه المنافسة الحادّة جداً، وتوحُّش سوق العرض التلفزيوني نحو استقطاب المشاهدين بأكبر قدر من المادّة الجاذبة، فإن شركة ناشئة حديثاً (منذ 20 عاماً فقط) مثل "نيتفليكس"، بحاجة لمحتوى خاص فيها فقط، يكون قادراً على منافسة "التاريخ" الذي تستحوذ عليه الشبكات الأخرى. وكلما كان هذا المحتوى جيداً وقيّماً، فإنّ احتمالية الحصول على اشتراك جديدٍ يُضاف إلى الـ110 ملايين مستخدم ستزداد. 

ولا يوجد شيءٌ أدلُّ على ذلك، وعلى الرهان الناجح جداً للشركة، مثلَ الارتفاع الضخم في أعداد المستخدمين، بعد صدور أشهر إنتاجاتها الأصليّة House of Cards، أو الانتشار الكبير الذي نالته في عام 2017، بعد إنتاج أكثر من 20 فيلماً، ومن ضمنها أفلام مُقدّرة جداً مثل Okja أو The Meyerowitz Stories أو Gerald's Game.



محتوى بحق انتفاع دائم
أيّ محتوى آخر متاح على "نيتفليكس" تتعاقد عليه الشبكة مع شركات الإنتاج والتوزيع، بحيثُ يحق لها الانتفاع لعدد محدّد من السنوات. وهذا الأمر خطير لسببين؛ أوَّلاً، لأنه، وعلى مدى زمني طويل جداً، وحين ينتهي حق الاستخدام هذا، فإن الشركة ستكون في ورطة. وثانياً، لأن وجود شركات منافسة أخرى على الساحة، بمتغيُّرات كبيرة في الصناعة (مثل شبكة "هولو" وعلاقة ذلك بشراء "ديزني" لـ"فوكس")، يغيُّر في ما تمتلكه "نيتفليكس"، أو المقابل المادي الذي يمكن أن تملكه به. 

لذلك، فإنّ إنتاج فيلم سينمائي بميزانية مليون دولار (مثل Hush الذي طرحته الشركة عام 2016)، أو 5 ملايين (مثل Gerald’s Game) في 2017، أو حتى استثمار ضخم جداً مثل الـ50 مليون دولار التي وضعتها الشركة لإنتاج Okja، كلّ هذا، سيكونُ استثماراً منطقياً، ليس فقط لجذب انتباه مستخدمي اليوم، ولكن لأنّه محتوى أصلي سيظلُّ موجوداً ومملوكاً للشركة إلى الأبد، وسيجذبُ مستخدمي المستقبل.

خوف الشركات الأخرى من "نيتفليكس" 
يوماً ما، ستنتهي القنوات التلفزيونية التقليدية في العالم، وستكون شبكات الـ"ستريم تي-في" والتي يختار المشاهد فيها ما يريده في الوقت المناسب له، هي الوحيدة على الساحة. ولذلك، فإن قنوات مثل "إتش بي أو" مثلاً، لا تريد التعجيل بتلك اللحظة. وبناء عليه، ترفض وتتشدد في تسهيل عرض محتواها على شبكات، ستتسبَّب مستقبلاً في فناءها.
 الأمر نفسه بالنسبة لعائدات "الديفيدي" الخاصة بالأفلام. لو أتيح فيلم ما على شبكة مثل "نيتفليكس"، فلماذا يذهب المشاهد لشرائه من السوق؟ وبالتالي، فإنَّ الشركات تخاف من كل هذا. 

وأمام هذا الخوف ورفض الإتاحة، فإن إنتاج محتوى "أصلي" يخص الشبكة فقط وغير متاح إلا من خلالها، هو السبيل للتوسُّع والازدهار، وأن تكون الشركة الأولى على الساحة، في انتظار المستقبل الذي تندثر فيه بعض وسائل المشاهدة القديمة والتقليدية، وحينها تكون "نيتفليكس" (بكل ما تفعله من استثمار وتضخم الآن) هي المرشح الأبرز للاستفادة من كل هذا المحتوى الفني.







دلالات
المساهمون