فوتوغرافيات "كانّ" تصوير الحياة

11 يونيو 2017
رومي شنايدر وآلان دولون في "كانّ" 1962 (فيسبوك)
+ الخط -
الفرنسي كلود آزولاي (مواليد تونس، 1934)، مُصوّر فوتوغرافي، رافق مهرجان "كانّ" ونجومه أعواماً طويلة. فرغم انهماكه في أعمالٍ صحافية مختلفة، يبقى آزولاي أحد أبرز وأبرع "مُطاردي الصُوَر" في المهرجان، بحفلاته وسهراته و"سجادته الحمراء"، متابعاً يومياته، وملاحقاً نجوماً، يُرافقهم في سهرات وحفلات ولقاءات خاصّة، لتحقيق بعض أجمل الصُوَر الفوتوغرافية، بالألوان، كما بالأسود والأبيض.

"لا يُمكن القول إن المرء يصنع مساراً مهنياً له في (باري ماتش)، بل يُقال إنه يعيشها". هكذا يوصف حضور كلود آزولاي في تلك المجلة، الحاملة شعاراً، سيبقى المحرِّك الفعلي لسياستها المهنية: "ثقل الكلمات، وصدمة الصُور". علماً أن شعاراً آخر سيكون فاعلاً ومؤثّراً في آليات اشتغالها أيضاً، يُعتَمد بدءاً من عام 2008: "الحياة قصّة حقيقية".
يُشكِّل كلود آزولاي انعكاساً حيوياً للشعارين معاً. اعتماده على "صدمة الصُوَر" نابعٌ من حرصه على أن تسرد الصورة تلك "القصّة الحقيقية"، التي تُدعى "الحياة". فصُوَره الخاصّة بنجوم السينما ومشاهيرها (تحديداً) تؤكّد المعنى الجمالي للمهنة، وتمنح "أبطالها" (أبطال الصُور) قدرة على تحويل الجماد إلى حياة. فهو وجد في شعار المجلة ما يُلائم رغباته وطموحاته وأحلامه: أن تروي المجلةُ الكونَ، وأن تُصبح مرجعاً في صحافة الأخبار والصُوَر الفوتوغرافية.

الحديث عن كلود آزولاي متأتٍ من استعادة لبعض نتاجاته الخاصّة بـ"كانّ"، المنشور في "باري ماتش"، بمناسبة الدورة الـ70 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2017) للمهرجان السينمائيّ الدوليّ، هو الذي تابع دوراتٍ عديدة له خلال 20 عاماً.
انتساب آزولاي إلى المجلة ترافق ومرحلة خروج فرنسا من الحرب العالمية الثانية، منتصرة على الاحتلال النازي، وبداية ورشة إعمار متكامل، في ظلّ رؤية تقول إن كلَّ شيء قابلٌ للتحقّق: "بنى آزولاي نفسه بنفسه داخل المجلة، التي كان يديرها أناسٌ قادمون إليها من آفاق مختلفة، ولديهم أكثر من مشترك واحد: أناقة المظهر، وعيش الحياة، وشغف ذاتي بأن يشهد كل واحد منهم أحداث زمنه، وطريقة ما لتذوّق لا يُضاهى لروح العصر".
بدءاً من وظيفة متواضعة، كمُساعد للمُصوِّر الإيطالي الفرنسي ويلّي ريزّو (1928 ـ 2013)، المتورِّط، هو أيضاً، في عالم السينما والنجوم، تمكّن آزولاي من استخدام المعدات المختلفة الخاصّة بهذا "المعلّم"، لتدريب نفسه على كيفية استخدامها: "على المُصوِّر الفوتوغرافي أن يرى. هذا يتيح للناس أن يشعروا، ثم أن يفهموا. أن تنظر، لا يعني أن ترى أو تُبصر". هذه جُملٌ ستُصبح ركيزة وعي معرفي وجمالي وإبداعي لمهنة التصوير الفوتوغرافي، وسيعتمدها آزولاي في مساره المهنيّ والحياتي، "مُغذّياً شغفه بلقاءات عديدة، لكن أيضاً بأخطائه"، كما قيل عنه.
بممارسته أنواعاً عديدة من التصوير، سينتبه باكراً إلى مفاتيح المهنة: السحر، المُضيء بمهارة؛ واللقطة، المأخوذة بسرعة لا تتعدّى جزءاً من الثانية؛ والبورتريه. "إنه يمارس الأنواع كلّها لفنٍ يبقى موضوعه فريداً من نوعه". أما هو، فيقول: "ما أصوِّره فوتوغرافياً، هو الإنسان الفرد. حالات سعادة وحبّ وأفراح وأعياد وحروب وكوارث طبيعية: كل ما يتعلّق به ليس غريباً عليّ. الناس يحبّون الاحتفاظ بصُوَر السعادة، لكن هذا يعني الكذب على الشرط الإنساني".
يعيش جوهر الصُوَر وتفاصيلها، تاركاً نفسه تُسحَر بمن يُصوِّر: "لا يُمكن تصوير أحد بشكل جيّد للغاية، إنْ لم نكن نحبّه"، يقول آزولاي، مستعيداً صُوراً التقطها لبريجيت باردو، وكاترين دونوف، والآنسة مورو، وليز تايلور، وفاي داناواي، وباربارا سترايسند، وجان ـ بول بلموندو، وكيرك دوغلاس، وفرنسيس بايكون، وبيتر أوتول، وجون واين، وجوني هاليداي، وغيرهم: "هو لم يسرق صُوَرهم، بل أعاد إليهم أرواحهم، عبر مرايا متنبّهة وراعية. إنه صانع بورتريهات زمننا"، كما يصفه عديدون من مجايليه.
بعد 3 أعوام على انتسابه إلى "باري ماتش" (1954)، كُلِّف بتغطية مهرجان "كانّ"، الذي تابع 12 دورة من دوراته، في 20 عاماً: "ما من أحدّ يُمكنه الفرار منّا. كنا ـ مُصوِّرون عديدون وأنا ـ نقيم في فندق كارلتون. علاقتنا جيدة بأحد العاملين فيه، الذي كان يرفدنا بمعلومات عن تحركات النجوم. على كلّ واحد منا أن يُحقِّق 3 أو 4 ريبورتاجات مُصوَّرة، يومياً. عليك أن تبتكر أفكاراً كثيرة. أن تُجدِّد ذاتك. أن تكون الأفضل".

يُضيف آزولاي أنّ الملحقين الصحافيين كانوا في متناول أيديهم: "كلّ مُصوِّر يتابع وقائع المهرجان يومياً. نرافق نجوماً إلى سهراتهم، أو نلعب التنس مع آخرين. ذات عام، التقيتُ جون لينون ويوكو أونو (1971). تبادلنا أحاديث جمّة. حدث استلطاف بيننا. بطريقة ما، أنقذتهما من ضغوط إعلاميين وصحافيين ومطارداتهم لهما. في سوق (كانّ)، أنجزت معهما، في ساعتين، سلسلة صُوَر فوتوغرافية. كانا مستعدَّين تماماً وكلّياً. كانا يتسلّيان كثيراً. هذا أحد مفاتيح النجاح: ألا يكون أي شيء ثقيلاً أو ضاغطاً أو مزعجاً. المفتاح الآخر: أن تختار ملابسك بحسب أسلوب ارتداء من تُريد تصويرهم".
لكلود آزولاي طريقة عمل أساسية: التقاط الانفعال الظاهر على وجهي ثنائيّ سينمائيّ في علاقة حبّ (آلان دولون ورومي شنايدر ـ "كانّ"، 1962). هذا يتطلّب من المُصوِّر نيل ثقتهما، وجعلهما ينسيان حضوره كلّياً. بالنسبة إليه، فإن مهنة "مُطارِد الصوَر الفوتوغرافية" تكمن في مرافقة الحياة، والتقاطها بأقلّ من جزءٍ من الثانية.


المساهمون