"اليشير"... مملكة الشّواء في الجزائر

28 نوفمبر 2017
تتخصّص المطاعم في شواء اللحم (العربي الجديد)
+ الخط -
مثلما هناك كلمات مفتاحية لكلّ موضوع في مواقع البحث على الإنترنت، تعدّ بلدة اليشير، 200 كيلومتر إلى الشّرق من الجزائر العاصمة، كلمةً مفتاحيةً لثقافة الشّواء في الجزائر. إذ يُسيل ذكرُها لعاب محبّي لحم الخروف المشويّ على الجمر، ويسود بين الجزائريين أنّ المحروم هو من لم تقده أقداره إليها، أو يعبرها من غير أن يتوقّف فيها.

لم يؤدِّ إنشاء طريق شرق ـ غرب الرّابط بين الحدود التونسية والمغربية بطول 1720 كيلومتراً، إلى عزل بلدة اليشير، مثلما فعل مع كثير من البلدات والمدن التي لا يعبرها، بما فيها عاصمة المحافظة نفسها برج بوعريريج، التي تبعد عنها بـ12 كيلومتراً. ذلك أن مستعمليه لم يستغنوا عنها، فهم يسلكون الطريق الاجتنابي المؤدّي إليها، بمجرّد أن يصلوا إليه.

يقول السّائق شكري ع. مازحاً: "هل تعرف نظرية بافلوف القائمة على سلطة التعوّد؟ إنني أخضع لها كلّما اقتربت من بلدة اليشير، إذ أجتنب الطريق السّريع إليها عفوياً كأنها مقرّ سكناي". من النّادر أن تجد بيتاً للسّكنى في الضّاحية الغربية للبلدة، فمعظم مبانيها هي مطاعم متخصّصة في شواء لحم الخروف تحديداً، بينما تتخصّص المحالّ الواقعة في الشّارع الرّئيسي في ضاحيتها الشّرقية في بيع اللّحم الطّازج، إذ يبدع الجزّارون في عرض خرافهم المسلوخة ملفوفةً في شحومها، ويتعمّدون ترك رؤوسها ذات القرون لصيقة بها للتّدليل على أنها خراف وليست نعاجاً أو ماعزاً.


يقول القصّاب عماد لـ"العربي الجديد": "تخصّصُنا في لحم الخروف، الذي لا يتجاوز عمره عامين، واحد من أسباب تحويل بلدتنا إلى مملكة الشّواء في الجزائر". يُسمّي الجزائريون بائع اللحوم جزّاراً لا قصّاباً أو لحّاماً، كما هو معمول في الدّولتين الجارتين تونس والمغرب، وحين يقترن هذا الاسم بكلمة دالّة على قيمة جميلة يحقّق الأمر مفارقة باعثة على الضّحك، مثل "جزّار الرّحمة" و"جزّار الإحسان" و"جزّار اللذّة" و"جزّار العائلة" و"جزّار الفرح". ولأن محالّ بيع اللحم كثيرة في بلدة اليشير حتى أنّها تنافس عدد البيوت المخصّصة للسّكن، فإن معظم المفردات الجميلة معرّضة للمجزرة فيها.

تزامنت زيارة "العربي الجديد" للبلدة مع ظهور نتائج الانتخابات البلدية، حيث وقع هجوم عليها من طرف المنتخبين الفائزين وعائلاتهم والوجوه التي ساندتهم، من مدن يبعد بعضها 200 كيلومتر، مثل قسنطنية، و100 كيلومتر، مثل البويرة وبجاية والمسيلة. أمّا المنتخبون التّابعون للبلدة نفسها، فقد وجدنا بعضم يجدّدون وعودهم لباعة اللحم ومطاعم الشّواء بتحسين ظروف العمل في المسلخ البلدي الذي يُنافس مسالخ الجزائر العاصمة في عدد الرّؤوس التي تذبح وتسلخ فيه. يقول العمّ بشير بن محمّد لـ"العربي الجديد"، إن تخصّص المنطقة في تربية الأغنام، بحكم توسّطها لمنطقة الهضاب العليا حيث تتوفّر المحصودات والأعلاف، وقربها من مناطق شبيهة مثل بوسعادة والمسيلة وسطيف والجلفة، كان الخلفية الرئيسية لصناعة أسطورة اليشير في عالم الشّواء. يضيف: "هنا، يكبر الشّاب حاملاً حلمَ أن يفتح محلّاً لبيع اللّحم أو مطعم شواء، ذلك أنّه يرث هذه النّزعة عن عائلته". يسأل: "ألم تلاحظوا أن معظم مطاعم الشّواء في البلدة تنسب إلى شيوخ العائلات؟ مطعم الشّيخ عمّار. مطعم الشّيخ النّذير".

ينتابك إحساس، عند معاينتك لحركات الشّباب الشّواة وهم يتعاملون مع مشوياتهم على الجمر، بأنهم يحاورون كائناتٍ خفيّة، إذ لا يقتصر التّفاعل على أيديهم فقط، بل يشمل ملامحهم أيضاً. يقول الشّاب مهدي إنّ لحم الخروف موجود في كلّ مكان، غير أن الشّغف والمحبّة اللذين يُشوى بهما هو ما يضاعف لذّته. يشرح: "كلّما وضعتُ كمّية من اللحم فوق الجمر تخيّلت أنني أشويها لإنسان عزيز علي، فأبالغ في العناية بها. لماذا لا يعتني المطعم الجزائري بزبونه رغم أنّه سيغلق بابه لولاه؟".



دلالات
المساهمون