محمد الميقاتي... عاشِق الخط العربي ومُعلمه في قطاع غزة

15 نوفمبر 2017
يعتبر الخطوط العربية جميعهاً أبناءه (عبد الحكيم أبورياش)
+ الخط -
سَلّم القدر، الفلسطيني محمد الميقاتي أثناء رحلة عودته من مدرسة "صرفند الابتدائية" إلى بيت العائلة في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، إذ كان مأخوذا بالنظر إلى لافتة إعلانية كُتبت بخط النسخ العربي الذي يعشقه من دون أن ينتبه لسلك معدني مثبت على عمود كهرباء عام، كان سيسقطه أرضاً.
ذلك المشهد لم يثنِ الخطاط الميقاتي عن متابعة لوحات الخطوط العربية التي تزين واجهات المحال التجارية وجدران المدينة منذ الصِغر، حيث كانت أنامل الخطاط وحروفه العربية أساساً من أساسيات تجهيز الإعلانات وتزيين الجدران، قبل ثورة المطابع التكنولوجية والإعلانات المطبوعة.

دَرَس الميقاتي مرحلته الابتدائية والثانوية في مدينة خان يونس، إلى أن التحق بتخصص التربية الفنية، وأصبح واحداً من أبرز الخطاطين في قطاع غزة، يتقن مختلف الخطوط العربية، ويحول الحروف إلى لوحات فنية، صنعها من الألف حتى الياء.

ويقول الخطاط الميقاتي لـ"العربي الجديد" التي حلت ضيفة على محترفه الذي يضج باللوحات والأحبار داخل بيته في مدينة غزة أن متابعته للخطوط العربية، أشعلت عنده الفضول مذ كان صغيراً للتعرف عليها عن قرب، وإتقانها، ما دفعه للبدء بالكتابة باستخدام الأقلام الجافة الملونة، وأقلام الرصاص.

ويضيف: "بدأت أتردد على غرفة أخي الكبير غالب، حيث كان يرسم لوحات مكتوبة بخط اليد لأصدقائه، من أجل تعلم تفاصيل الكتابة وحركة اليد، وزوايا الحروف، وبالفعل، بدأت بتقليد الرسم والخطوط عبر تجارب صغيرة"، مبيناً أنه كان يستمتع في حصة التربية الفنية.
ويوضح الميقاتي أنه تعرف على مجموعة فتية داخل فصله في المرحلة الثانوية، لمواصلة متابعة مختلف الأساليب في الرسم والخط العربي، إلى جانب تجميع الكتب الخاصة بتعليم الخط العربي، مضيفاً: "خلال الانتفاضة الأولى، كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي تفرض منع التجول في غزة، لكنني كنت أستغل لحظات فك المنع لتوفير الكتب، ومواصلة تعلم طرق كتابة الخطوط".

عشق الميقاتي للخط العربي، وشغفه المتواصل بمعرفة كل تفاصيله وخباياه، إلى جانب رغبته بنشر ثقافة الخط العربي، دفعته للالتحاق بتخصص التربية الفنية في جامعة الأقصى بمدينة غزة، لعدم وجود تخصصات مختصة بالخط العربي، ويقول: "تعرفت خلال دراستي الجامعية على القوانين، والجوانب العملية والأكاديمية، إلى جانب أساليب استخدام الألوان والأدوات"، مبيناً أنه عُين مدرساً للتربية الفنية في "مدرسة حمادة" بمدينة غزة.

وفي إجابته عن سؤال "إلى أي الخطوط العربية تميل أكثر"، يقول الميقاتي أنه يعتبر الخطوط جميعاً "أبناءه"، ومنها الخط الكوفي، الثلث، النسخ، الرقعة، الديواني، جلي ديواني، وخط الإجازة، لا يفرق بين أيٍ منها، إذ إن لكل نوع جمالياته، وخصوصياته، موضحاً أنه شارك في عدد من المعارض الخاصة في الخط العربي والتي تظهر مختلف الخطوط "هناك شريحة من الخطاطين وعشاق الخط العربي، لكن الاهتمام المؤسساتي والرسمي ضئيل".

ويستخدم الميقاتي في عمله أقلام القصب، والأوراق المقعرة ذات الملمس الناعم، ويقول: "أقوم بصناعة الأحبار من مواد طبيعية، كذلك أقوم بشراء الورق العادي، وتحويله إلى ورق مقعر يناسب الخط، عبر خلطة طبيعية تتم إضافتها للورق على عدة مراحل، قد تستغرق أسبوعاً، وذلك لعدم توفر أوراق طبيعية في قطاع غزة، نتيجة غلاء ثمنها، وصعوبة الأوضاع الاقتصادية، وبعد تجهيز الأدوات أقوم بالتخطيط على طاولة مضيئة، قمت أيضاً بصناعتها يدوياً".

وعن رحلة تجهيز اللوحة يقول الميقاتي الذي يتمنى كتابة القرآن الكريم خلال حياته: "يتم تحضير الأدوات، واختيار نص معين، والتدرب عليه على ظهر أوراق عادية، إلى جانب وضع الحروف ضمن تصميم وإطار وشكل هندسي، وبعد ضبط الحروف يتم نقلها على القالب النهائي، ومن ثم نقلها إلى اللوحة النهائية".

أما فيما يتعلق بخصوصية تعليم الخط والرسم، للطلاب على يد أستاذ عاشق للخطوط العربية، فيبين أن ذلك يعزز من قدرته على تحبيب الطلاب بالفن، والخط، والأدوات المستخدمة، عبر تنظيم الدورات والأنشطة، والمسابقات، وتقديم الهدايا.

ويؤكد الخطاط الميقاتي على أن مسؤولية الاهتمام بالخط العربي ونشر ثقافته تقع على كاهل جميع فئات المجتمع، مضيفاً: "نتمنى على الجامعات والمعاهد أن تقر مسابقات خاصة بتعليم الخط العربي في مختلف تخصصات التربية، كذلك أن تشكل المؤسسات حاضنة للخط العربي، من خلال الأنشطة والفعاليات والمسابقات الداخلية والخارجية".



المساهمون