مُصارعون على الشاشة الكبيرة

19 يناير 2017
جون سينا (Getty)
+ الخط -
منذ سنين عديدة، تستقطب صناعة السينما الأميركية "نجوماً"، ينتمون إلى نوع فني مختلف عن فنّ التمثيل، وإنْ تكن له روابط معيّنة معه.

فالمتصارعون على الحلبات يُمارسون "لعبتهم" الرياضية تلك، استناداً إلى قواعد تلتقي والتمثيل في نقاطٍ مختلفة، يكمن أبرزها في أن "التسلية الرياضية"، كما توصف المصارعة المنضوية في إطار "المصارعة الدولية للترفيه" (WWE) أو خارجها، تبقى "استعراضاً بصرياً"، يقترب من الفن السابع. إذْ تُجرى المباريات على أسس محدّدة، سلفاً، في خطوط عريضة للمسار المطلوب اعتماده أثناءها ("ستوري لاين"، كتعريف تقني دقيق)، تماماً كما يحصل في الـ "ستوري بورد" السينمائي.

وشركات الإنتاج الهوليوودية تتعامل مع هؤلاء كأبطال يملكون قدرات قتالية فائقة، تحتاج إليها أفلام التشويق والحركة والمطاردات، وإنْ يكشف بعضهم، لاحقاً، عن امتلاكه حساسيّة تمثيليّة في مجال الكوميديا، المتضمنة مشاهد مشوّقة أيضاً.
لهذا، يرى متابعون لأحوال صناعة الترفيه، في السينما ورياضة المُصارعة معاً، أن انتقال مصارعين معروفين من حلبات المباريات الجماهيرية إلى بلاتوهات التصوير "أمرٌ طبيعيٌّ"، وهو يحصل دائماً، مع مُشاركة مصارعين عديدين في أفلامٍ سينمائية ومسلسلات تلفزيونية، بعضها ناجحٌ تجارياً، ما يؤدّي بهؤلاء إلى نجومية سينمائية تُضَاف إلى شعبيّتهم الرياضية.
لكن فنسنت ماكماهون سينيور (1914 ـ 1984)، مؤسِّس "جمعية المُصارعة الدولية للترفيه" ومديرها بين عامي 1963 و1982، لم يكن مؤيّداً لانخراط المُصارعين في عالم السينما وصناعتها، مُعتبراً أنْ لا مكان لهم فيها. وهذا على نقيض ابنه فنسنت كينيدي ماكماهون (1945)، الذي يتولّى منصبه ويُصبح أبرز المُساهمين في الجمعية، مُحقِّقاً مئات ملايين الدولارات الأميركية، التي تُحدِّدها مجلة "فوربس"، عام 2014، بمليار و200 مليون. فالابن يرى في التمثيل الهوليوودي امتداداً للتمثيل على الحلبة، وإنْ بتقنيات وأدوات وقواعد أخرى.

يعتبِر كثيرون أن أشهر المُصارعين في ثمانينيات القرن الـ 20 وتسعينياته، الذي أصبح نجماً سينمائياً معروفاً، هو هالك هوغان (1953)، بينما يحتلّ دْوَاين جونسن (1972)، المُلقَّب بـ "الصخرة"، مكانةً بارزة في صناعة السينما، حالياً، وذلك "بفضل قِيَمه كرجل استعراضيّ ناجح على حلبة المُصارعة"، والتي تركها أعواماً مديدة لانشغاله في التمثيل (منذ نهاية التسعينيات الفائتة تحديداً)، قبل عودته إليها بين فبراير/ شباط 2011 وأبريل/ نيسان 2013، مستعيداً نجوميته فيها، التي (النجومية) لن تمنعه من الاستمرار في التمثيل في أفلامٍ ذات ميزانيات ضخمة، علماً أنه في العام الجاري سيظهر في 3 أفلام جديدة له، بعضها منضوٍ في الإطار نفسه، كـ "سريع وغاضب 8" (Fast And Furious 8) للأميركي أف. غاري غراي، بالإضافة إلى "باي واتش" لسَثْ غوردن (المستلّ من المسلسل التلفزيوني الشهير، بالعنوان نفسه)، و"جومانجي" لجايك كاسدن.

وإذْ يأتي جونسن إلى التمثيل من مسارٍ طويلٍ له في عالم المُصارعة والرياضة؛ فإن هالك هوغان (واسمه الحقيقي تيرينس جين بولّيا) الذي يأتي السينما من الحلبة أيضاً، يمتلك حلماً فنياً آخر منذ مراهقته، يتمثّل بالموسيقى، قبل أن يعمل في مصرف، ويلتقي مصارعين اثنين، هما جيري وجاك بريسكو، اللذين يُشكّلان أول مدخل له إلى عالم الترفيه الرياضي على حلبة المُصارعة، علماً أن سيلفستر ستالوني يطلب منه، عام 1981، مُشاركته في "روكي 3"، فيُوافق فوراً، معتبراً أن دوره هذا "ربما يجعله أشهر".

أما جونسن، فينتقل بين الحلبة وملاعب كرة القدم الأميركية، قبل أن يبدأ التمثيل عام 1998، في أدوارٍ سينمائية وتلفزيونية عابرة، تؤهّله لاحقاً لتقديم أدوارٍ أكبر مساحةً درامية، إنْ لم تكن أساسية. عام 2001، يُشارك في "عودة المومياء" (The Mummy Returns) لستيفن سومرز، الذي يُعتبر الانطلاقة السينمائية الفعلية له، الموزّعة على التشويق والحركة والمطاردات، من دون تناسي أدوارٍ كوميدية ينجح فيها غالباً، كبعض ممثلي العضلات المفتولة، أمثال فن ديزل، والذي يلتقيه في "سريع وغاضب 5" (2011) لجاستن لي، مُكملاً معه في حلقتين لاحقتين: أولى مع لين أيضاً (2013)، وثانية مع جيمس وان (2015).

أما السويدي هانس "دولف" لاندغرين (1957)، فيختلف عنهما في سيرته الحياتية، وإنْ يتابع تدريبات متعلّقة بالفنون القتالية (جودو، كاراتيه، إلخ.)، منذ بلوغه 16 عاماً. فهو متخصّص بمادة الكيمياء، بعد حصوله على منح مختلفة، تسمح له بمتابعة دراسة جامعية في واشنطن، والانتقال إلى "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا". يدرس المسرح أيضاً، ويبدأ مساراً سينمائياً عبر "نظرة للقتل" (A View To Kill)، الجزء الـ 14 من سلسلة جيمس بوند، الذي يُخرجه جون غلين عام 1985. وهو العام نفسه الذي يشهد لقاءه ستالوني أيضاً، في "روكي 4"، قبل لقائهما لاحقاً في "المرتزقة" (The Expendables)، أول حلقة من سلسلة سينمائية يبتكرها ستالوني بدءاً من عام 2010.

المُصارعون الممثلون عديدون، يبرز بينهم أيضاً الثنائي ستيف أوستن (1964)، المعروف أكثر بلقب "ستون كولد ستيف أوستن"، وجون سينا (1977). وإذْ يبدأ الأول مساره التمثيلي في فيلمين اثنين، يؤدّي فيهما شخصيته الحقيقية؛ فإن الثاني ـ الحاصل على ديبلوم في "فيزيولوجيا التمارين" (دراسة العواقب والمخاطر) ـ يُشارك ككومبارس في "الاستعداد للرعد" (2000)، فيلم كوميدي لبراين روبنز، قبل أن يؤدّي دور البطولة في "البحّار" (The Marine، 2006) لجون ترينتن، ويُصبح أحد الممثلين الجدد ذوي العضلات المفتولة. والبطولة ستكون له بعد عام واحد، في "12 جولة" (12 Rounds) لريني هارلن. وبينهما، يظهر سينا في فيلمين وثائقيين يتناولان سيرته الحياتية: "جون سينا: الحياة كلمة" (2004) و"جون سينا: حياتي" (2007).

لأوستن، أيضاً، أفلام يظهر فيها بشخصيته الحقيقية، قبل أن يُشارك كممثل في تنويعات مختلفة، بدءاً من "أطول ساحة" (The Longest Yard، 2005) لبيتر سيغال. وإذْ يُمثّل، هو أيضاً، في "المرتزقة 1" لستالوني، فإنه لن يتردّد في العمل في فيلم كوميدي بعنوان Grown Ups 2 (2013) لدونيس دوغان، بعد أدوارٍ عديدة، تتطلّب منه لياقة جسدية تحتاجها شخصياته السينمائية، المنخرطة في أعمالٍ إجرامية، أو الباحثة عن خلاصٍ من مآزق الحياة.


المساهمون