Cafe Society لوودي آلن... الإخراج هرباً من الانتحار

30 أكتوبر 2016
لا يشاهد وودي أفلامه (أندريو توث/ Getty)
+ الخط -
هناك إحصائيّة تقول، إنه طوال الأربعين عاماً الماضية لم تمر إلا سنة واحدة (1981) من دون فيلم من إخراج وودي آلن. خلاف ذلك، فالرجل الذي وصل إلى عامه الحادي والثمانين لا يتوقف، ولا ينظر وراءه، لا وقت لديه للحفلات أو الجوائز أو حتى لمشاكل الحياة الشخصية.
ففور أن ينتهي من تصوير فيلم، يقفز إلى آلته الكاتبة ليؤلِّف فيلماً آخر، وهكذا حملت مسيرته ما يقارب الـ50 عملاً سينمائياً وتلفزيونياً، كواحد من أكثر صناع الأفلام في هوليوود نشاطاً. وإن كان من المفهوم أن يفعل آلن ذلك في سنواته الأولى، لأنّ الأفلام كانت تأتي بأفكارٍ طازجة جداً، وعالم كلّ فيلم يختلف عن الآخر، لكن من غير المفهوم، أن يفعل حالياً ذلك، بينما كل أفلامه منذ أواخر التسعينيات (وباستثناءات قليلة جداً) تبدو كإعادة لأفكاره وحواراته وعوالمه القديمة.
فيلمه الجديد Cafe Society الذي يعرض حالياً في دار سينما "زاوية" في القاهرة، لا يختلف تماماً عن هذه الديباجة. مرة أخرى، هناك كاتب (بصفات وودي آلن كما كلّ مرة، ويؤدي دوره هنا جيسي آيزنبيرغ) يأتي إلى هوليوود في الثلاثينيات بحثاً عن فرصة، فيقع في حب سكرتيرة خاله الغني (كريستن ستيوارت وستيف كاريل) قبل أن يفاجأ بأن الخال يحبها أيضاً، وبأنها تختار البقاء معه، فيعود إلى نيويورك للعمل في إدارة ملهى ليلي، ولكن السكرتيرة لا تتركه.
كل شيء في هذا الفيلم، تشعر أنك قد شاهدته في أفلام آلن من قبل. على سبيل المثال، العودة إلى حقبة مبكرة في القرن العشرين كما في أفلام سابقة له Midnight in Paris وBullets Over Broadway والهجاء والسخرية المبطنة من عالم هوليوود، وقد جسدها في فيلمي Hollywood Ending وThe Purple Rose of Cairo، إلى جانب مثلث الحب الموجود في العشرات من أعماله والمنعطفات التي تأخذها الحكاية، وتبدو متوقعة جداً بالنسبة لأي مشاهد مخلص لأفلام آلن.

الرجل لم يعد يبذل أي مجهود ولا يمنح نفسه فرصة لأخذ نفس بين الفيلم والآخر، بحيث يجعل الشخصيات حقيقية والتفاعلات بينها منطقية، أو يجعل الحكايةَ تتحرَّك وفقاً لعالمها الداخلي، وليس كخيوط مرسومة مسبقاً. ولكن ما يحدث، هو أنه يعرف جيداً كل ما فعله مسبقاً. فيأخذ كل المسارات التي مشى فيها مراراً وتكراراً، ويكتب السيناريو وكأنه شخص يقلد آلن.
ليصبح السؤال الأهم: لماذا يستمر آلن في صناعة الأفلام بتلك الكثافة؟ ولماذا لا يمنح نفسه المساحة، كرجل في الثمانين، على الأقل ثلاث أو أربع سنوات بين كل فيلم وآخر، للبحث عن تجربة جديدة وحقيقية بدلاً من استنساخ نجاحاته السابقة؟
الإجابة الوحيدة في تقديري، لها علاقة بأن الأفلام والعمل المستمر، هي وسيلة آلن للبقاء على قيد الحياة. الرجل العجوز ذو المزاج الاكتئابي الذي كثيراً ما عبر عن رغبته في الانتحار داخل أفلامه، لا يجد شيئاً يلهيه عن تلك الفكرة إلا صناعة الأفلام نفسها. لذلك، فهو لا يقرأ تقييمها النقدي، ولا إيراداتها في شباك التذاكر، لا يلتفت للجوائز التي أخذها، ولا يشاهد أي فيلم قام بصناعته، فكل عمل جديد ينتهي عنده، بآخر لقطة تم تصويرها أو بتتر النهاية في مرحلة المونتاج، وتلك الصورة يمكن أن تفسر أو تمنح إجابة محتملة للسؤال. آلن يصنع الأفلام بتلك الكثافة كي لا ينتحر.


دلالات
المساهمون