فساد الجمارك في سورية... شركاء بأمتعة المغتربين وهداياهم

21 مايو 2024
مطار دمشق الدولي (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- المغتربون العائدون إلى سوريا، مثل إبراهيم حرب، يواجهون تفتيشًا مستفزًا وابتزازًا في مطار دمشق الدولي، مما يعكس الصعوبات الكبيرة عند العودة إلى الوطن.
- الابتزاز في المطارات والمنافذ الحدودية السورية يعد سلوكًا متأصلاً، حيث يتطور شكل الرشوة المطلوبة من علب سجائر إلى مطالب أكبر كالعطور والأجهزة الإلكترونية.
- تجارب العابرين للمنافذ الحدودية تكشف عن الفساد والابتزاز الذي يمارسه عناصر النقاط الحدودية، مما يجبر السوريين على دفع رشاوى باهظة لتجنب التأخير أو المضايقات.

"شو جايب للحبايب... هذه هي عبارة الترحيب التي استقبلني بها ضابط الجمارك في مطار دمشق الدولي. نبشوا حقائبي بطريقة مستفزة، لكني لم أحاول الجدال أو الاعتراض خوفاً من أي عرقلة تؤخرني عن رؤية ابنتي التي ولدت بعد سفري الأخير إلى الإمارات بشهر أي قبل ثلاثة عشر عاماً، والتي أتوق لرؤيتها كثيراً".

هذا ما قاله إبراهيم حرب أحد أبناء السويداء المغتربين في حديث لـ"العربي الجديد" عما يتعرض له القادمون إلى وطنهم عن طريق المطارات أو المنافذ الحدودية المتاحة. 

ابتزاز المغتربين 

ابتزاز المغتربين القادمين إلى البلاد ليس ظاهرة جديدة في (سورية الأسد)، لكنه أغنية أدمن جهاز الجمارك ترديدها، مع توزيع جديد للحنها ومفرداتها بين الحين والآخر، مع عزف محترف على القانون كي لا يشعر المواطن أنه يسرق.

يقول حرب: سابقاً كانت أكبر "رشوة" يتقاضاها عناصر الجمارك في المطار (علبة سجائر Marlboro)، لكن هذه المرة اختلف الوضع، فلم يرضهم القليل، كانوا يبحثون في أمتعتي ويخرجون الهدايا التي جلبتها لأسرتي، يتمعنون بها، وتارة يقولون هذا الغرض ممنوع، تهريب، وهذه الحاجيات مرفوضة. لوهلة شعرت أنني أخطر مهرب في العالم".

ويستطرد بنبرة ساخرة؛ أنه "لم يخرج من ركن التفتيش حتى أخذ العناصر ما يريدون من الهدايا بطريقة مستفزة (زجاجتي عطر، علبتي سجائر، وآيباد بحجة أنه بحاجة لجمركة والذي تبين أن ثمن جمركته ضعفا الثمن الذي اشتريته به)".
"هذا القانون"، هي كلمة المرور التي يستطيع الفاسدون من ضباط الجمارك استخدامها لفتح حقائب المغتربين القادمين وسلبهم ما يطمعون به من أمتعة وأمانات دون أي اعتراض من المواطن الذي تخدره تلك الكلمة السحرية. وفيما لو اعترض المواطن، فإنه سينال قسطاً من الانتظار الطويل الذي قد يستمر لساعات في الطابور أو على المعابر الحدودية.

أحد سائقي النقل بين لبنان وسورية، قال لـ"العربي الجديد": "باب المصنع مسكر، وكل مواطن حابب يفوت عالبلد لازم يكون مفتاحو بإيدو"، ويقصد السائق بالمصنع المعبر الحدودي بين لبنان وسورية، فيما يقصد بالمفتاح (الرشوة) أو الإتاوة.

ويشير أبو حسن (وهو اسم مستعار لسائق فان بين سورية ولبنان)، إلى أن عناصر النقطة المشتركة بين حاجز تابع للفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد شقيق رأس النظام السوري، وعناصر مفرزة الجمارك، لا يمكن أن يسمحوا لأي مواطن قادم إلى البلاد بالدخول قبل (دفع المعلوم)، والمعلوم في هذه النقطة تحديداً قد يتجاوز المئة ألف ليرة سورية. 

لصوص الأوطان 

"ويقول أبو حسن: "أول مرة عملت بها على السيارة؛ قضيت ساعة ونصف الساعة منتظراً على الحدود دون أي سبب يذكر، فقط لأنني رفضت دفع إتاوة باعتقادي أن أولادي أولى بها، ليس ذلك بخلاً ولكني مقتنع بأن من يخدم أمن الوطن يجب ألا يكون لصاً، ومن يدفع له كي يحصل على حقه الطبيعي يسهم في تشجيعه على امتهان السرقة".

ويردف أبو حسن؛ أن مبدأه لم يحمه من (سلطة عناصر النقطة)، في النهاية هناك ركاب في الحافلة ينتظرون لقاء أسرهم، مشيراً إلى أن انتظاره بحسب ما همس له أحد عناصر النقطة سيطول إن لم يدفع الإتاوة، وبالتالي إما أن الحافلة التي يستقلها ستتأخر بركابها بسببه، أو سترحل ويضطر للتنقل بشكل متقطع، وفي نهاية المطاف رضخ تحت ضغط التهديد المبطن بتأخير تسييره.

فيما كان الضحك والسخرية في حديث المسن أبو كنان العائد بعد شهرين من إجازة نهاية الخدمة التي رتبها له أبناؤه المغتربون في الإمارات، حيث قضى هناك أجمل أيام حياته، وعاد ليقف على حاجز يطلق عليه السائقين حاجز أسماء كناية عن "زوجة بشار الأسد رئيس النظام السوري". المضحك في الأمر كما قال: (كل حاجز يستولي عليه شخص، ولا حاجز بيدخل ليرة سورية واحدة للخزينة العامة، قمة المهزلة).

وكان موقع "أثر برس" الموالي للنظام تحدث قبل أيام عن عمليات السرقة والابتزاز التي ينتهجها عناصر هذه الحواجز والنقاط بحق المواطنين القادمين للبلاد، والتي تشمل مصادرات أمتعة وهدايا يحملها المسافرون أو تتعهد نقلها شركات مختصة بنقل الأمانات، مشيرة إلى أن إحدى الجهات المعنية بررت لها تلك التصرفات على أنها "مكافحة لتجاوزات، ومحاربة للفساد ومنع التهريب والمتاجرة غير المشروعة".

وتعفي المادة 178 من قانون الجمارك السوري الهدايا والأمتعة الشخصية والأدوات الخاصة بالمسافرين والمعدة للاستعمال الشخصي، من الرسوم والضرائب أو المصادرة، لكن القانون يحوي العديد من الثغرات المفصلة على قياس بعض المتنفذين والجهات الأمنية، حسب مراقبين.

المساهمون