زراعة التبغ تزدهر في فلسطين

18 نوفمبر 2014
الفلسطينيون يزرعون 200 ألف دونم تبغاً بالضفة الغربية(فرانس برس)
+ الخط -
ينقل المزارع توفيق عبادي من بلدة "يعبد" شمال الضفة الغربية، على متن شاحنة كبيرة، إنتاج 200 دونم مزروعة بالتبغ، إلى أحد مصانع تجفيف التبغ في البلدة، تمهيداً لتسويقها في الضفة الغربية وأراضي فلسطين المحتلة عام 1948.

ويعمل عبادي في زراعة التبغ منذ نحو عشر سنوات، منذ أن فقد عمله، داخل الأراضي المحتلة إبان الانتفاضة الثانية، ليلجأ هو ونحو عشرة آلاف عامل آخر فقدوا أعمالهم إلى الأرض واستغلالها بزراعة التبغ.

وبلدة "يعبد"، واحدة من أكثر البلدات زراعة للتبغ بالضفة الغربية منذ عقد تقريباً، حيث ينتشر التبغ الأخضر في سهول البلدة وجبالها، وحتى في حدائق بيوتها، فهي زراعة تدر الملايين سنوياً على سكان البلدة والعاملين فيها.

ويقول رئيس بلدية "يعبد"، سامر أبو بكر، "معدل البطالة في البلدة والقرى المجاورة يبلغ صفراً، لأن الأب والأم وأبناءهما طلبة الجامعات والمدارس يعملون. الجميع يساهم في زراعة التبغ وعمليات تجفيفه وتعبئته وتسويقه".

وأضاف أبو بكر، خلال لقاء مع "العربي الجديد"، "أن زراعة التبغ تدر الملايين على سكان البلدة سنوياً، بل إن المشاريع الكبيرة في مدن شمال الضفة الغربية تعود لرجال أعمال معظمهم من سكان البلدة، بفضل الثروات التي كوّنوها من زراعة وتجارة الدخان".

وخلال الموسم الحالي، بلغت مساحة الأراضي المزروعة بالتبغ في بلدة يعبد والقرى المجاورة، وصولاً إلى مزارع التبغ في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، نحو 200 ألف دونم، بحسب رئيس البلدية.

تضييق حكومي

وأبدى عشرات المزارعين، الذين التقتهم "العربي الجديد"، انزعاجهم من المحاولات الحكومية لتضييق مساحة الأراضي المزروعة بالتبغ، لأسباب اقتصادية ومالية، في المقام الأول، وأسباب أخرى مرتبطة بعدم قدرة الأرض

على الإنتاج بعد سنوات من زراعة التبغ.

وقال أبو بكر إن الحكومة ممثلة بوزارات الاقتصاد والمالية والزراعة، حاولت خلال العامين الماضيين، تحديد مساحة الأراضي المزروعة بالتبغ، وتحديد عدد المزارعين الذي يسمح لهم بزراعة هذ المنتج في السوق المحلية.

ويعود سبب ذلك إلى أن تسويق التبغ المحلي في السوق الفلسطينية أثر على مبيعات التبغ المستورد، كما قلّصت شركة التبغ المحلية الرسمية (شركة سجائر القدس)، إنتاجها بنحو 60%، واستغنت عن عشرات العاملين لديها.

ويتم تسويق التبغ المحلي، بشكل غير رسمي، بعيداً عن عيون جباة الضرائب والجمارك في وزارة المالية الفلسطينية، ما يفقد الحكومة بحسب مصادر في وزارة المالية نحو 350 مليون شيكل سنوياً (97 مليون دولار).

وتعد أسعار السجائر المستوردة في الأراضي الفلسطينية، مرتفعة مقارنة مع دول الطوق (لبنان، سورية، الأردن ومصر) حيث يبلغ متوسط سعر العلبة نحو 5.6 دولار، بنسبة ضريبة تتجاوز 700% من سعرها الأصلي.

ويرى مدير السياسات الإحصائية في وزارة الاقتصاد الوطني، عزمي عبد الرحمن، إن الهدف من تحديد مساحات الأراضي مرتبط بضبط سوق السجائر في الأراضي الفلسطينية، مشيراً إلى أن سعر علبة السجائر التي تنتج في بلدة يعبد لا يتجاوز ثلاثة شيكلات (80 سنتاً).

وقال إن هذا السعر المنخفض يعود إلى عدم تحمل مزارعي التبغ ومسوقيه أية ضرائب لصالح الخزينة العامة، "وتدني هذا السعر يؤثر على مستوردي السجائر وعلى شركة السجائر المحلية الرسمية والمرخصة، وعلى الأرض المزروعة بالتبغ".

ضرائب

وبحسب أحدث الأرقام الصادرة عن وزارة المالية في حكومة التوافق، فإن إيرادات الخزينة من مكوس وضرائب السجائر بلغت خلال الشهور التسعة الأولى من العام الجاري، نحو 173.6 مليون شيكل (50 مليون دولار).

بينما بلغ صافي إيرادات ضرائب السجائر خلال العام الماضي 2013، قرابة 378 مليون شيكل (102 مليون دولار)، وسط امتعاض شعبي من ارتفاع أسعار السجائر. وخلال لقاء سابق مع مدير الجمارك والمكوس في وزارة المالية، لؤي حنش، فقد أكد لمراسل "العربي الجديد"، أن الخزينة تحصل على مبلغ 17 شيكلاً (4.6 دولار)، من كل علبة سجائر يبلغ ثمنها 21 شيكلاً (5.6 دولار).

وبحسب أحدث الأرقام المتوفرة عن وزارة الصحة عن العام 2012، فإن نسبة المدخنين في الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة) تبلغ 43.2%. وقدر حنش نسبة السجائر المهربة في السوق الفلسطينية، بنحو 40%، مؤكداً أن غالبية السجائر المهربة، يتم زراعتها وتعبئتها محلياً في بلدات الضفة الغربية وخاصة "يعبد"، ونسبة قليلة يتم تهريبها على الحدود بين الأردن وفلسطين.

الأراضي تتضرر

وقال وكيل وزارة الزراعة في حكومة التوافق، عبد الله لحلوح، إن الأراضي التي تُزرع لعدة سنوات بمحصول التبع، تفقد الأرض أبرز عناصر خصوبتها، وتجعلها غير صالحة للزراعة مستقبلاً. وأضاف أن محصول التبغ، من أكثر المحاصيل استنزافاً للعناصر الطبيعية في الأرض، وأشارت الدراسات المحلية إلى أن الأرض تفقد 40% من خصوبتها إن تمت زراعتها لمدة أربع سنوات متتالية بمحصول التبغ.

إلا أن مزارعي يعبد يرون أن وجهة النظر الحكومية، هي أداة للضغط على المزارع للتقليل من زراعة التبغ، مؤكدين أن الأراضي التي تزرع بالتبغ لأعوام، بإمكانها إنتاج محاصيل القمح والخضراوات خلال سنوات لاحقة.

الأسر المنتجة

وداخل أحد البيوت في يعبد، تجلس الحاجة نبيهة العبادي (75 عاماً) وفي يدها ماكينة تعبئة التبغ داخل السجائر لأحد المسوقين المحليين، وتنتج يومياً نحو 100 علبة (كل علبة تحتوي على 20 سيجارة).

ويتحلق حول الحاجة نبيهة أحفادها وزوجة ابنها، الذين يشاركون أيضاً في تعبئة التبغ داخل السجائر، وينتجون يومياً قرابة 300 علبة سجائر، يتقاضون مقابلها نحو 170 شيكلاً (50 دولاراً).

وبفضل تجارة التبغ، نجح أحد الأحفاد، ويدعى أحمد (23 عاماً) في الإنفاق على تعليمه الجامعي، وبناء منزل في البلدة.

(الدونم يساوي 0.247 فدان)

المساهمون