استمع إلى الملخص
- تعتمد السوق العراقية بشكل متزايد على استيراد الأسماك بسبب التلوث والإفراط في الصيد، مما يؤثر على استدامة القطاع. الحكومة تعمل على تحسين جودة المياه وتطوير ممارسات صيد مستدامة، لكن هناك حاجة لمزيد من الدعم.
- يؤثر تدهور إنتاج الثروة السمكية سلبًا على الاقتصاد العراقي بزيادة الاعتماد على النفط وارتفاع البطالة. الخبراء يشددون على أهمية استراتيجيات وطنية للتكيف مع التغيرات المناخية وتحسين الإنتاج السمكي والتعاون مع دول الجوار.
يُحذر خبراء اقتصاد من خطورة استمرار تدهور قطاع الثروة السمكية في البلاد والمتواصل منذ نحو أربع سنوات بفعل شح المياه وتراجع مستويات نهري دجلة والفرات إثر تقليل حصة العراق من بلدي المصب إيران وتركيا، ما دفع السلطات إلى إعلان حالة طوارئ مائية أفضت إلى ردم أكثر من 10 آلاف بحيرة صناعية على ضفاف الأنهر والمخصصة لتربية الأسماك المحلية.
ونشرت بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) مطلع الشهر الحالي تقريرا قالت فيه إن "العراق يخسر نحو 400 مليون دولار سنويًا بسبب تدهور الثروة السمكية"، مردفة أن الوقت قد حان "لاتخاذ إجراءات فورية بشأن المناخ".
وشددت على ضرورة اتخاذ إجراءات فورية بشأن المناخ، والحد من التدهور الحاصل في الثروة السمكية، داعيةً الحكومة العراقية لاتخاذ إجراءاتها بهدف الحد من هذه الخسائر.
وتشير الإحصائيات الرسمية، إلى أن العراق كان ينتج في العام 2021، نحو 84 ألف طن، لينخفض في 2023 إلى 56 ألف طن، بنسبة تراجع بلغت نحو 35%، ولا توجد إحصائية رسمية عن العام الجاري 2024، إلا أن التوقعات تشير إلى انخفاضها بنسبة تتجاوز 50%.
استيراد الأسماك
وتوفر السوق العراقية حاليا الأسماك التي يتم استيرادها من دول مختلفة، أغلبها آسيوية، بينما تساهم البصرة المطلة على مياه الخليج العربي بتوفير أنواع مختلفة من الأسماك، لكن تبقى أقل جودة من الأسماك النهرية المعروفة في دجلة والفرات.
وتستمر هذه التحديات نتيجةً لتراكم المشاكل البيئية مثل التلوث، الإفراط في الصيد، والتغيرات المناخية التي تؤثر على بيئة الأنهار والبحيرات العراقية. هذه العوامل تسهم في تدهور إنتاج الأسماك، مما يزيد من الاعتماد على الواردات ويؤثر سلبًا على استدامة القطاع.
وللحد من هذه الخسائر، فقد اتخذت الحكومة العراقية عدة خطوات لتحسين الوضع، بما في ذلك إطلاق مشاريع تهدف إلى تحسين جودة المياه وتطوير ممارسات صيد أكثر استدامة.
ومنذ نهاية العام 2022، تم ردم وإزالة البحيرات المتجاوزة في بغداد والمحافظات والبالغ عددها نحو 10 آلاف بحيرة، في ظل وجود مخالفات قانونية وبيئية، اتخذت الحكومة بحقها الإجراءات قانونية تتعلق بالردم ومحاسبة المخالفين.
وفي السياق، قال مدير عام الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة العراقية، وليد الزرفي، إن إجراءات ردم بحيرات تربية الأسماك المخالفة للقوانين والضوابط المتجاوزة على الحصص المائية تسببت في تقليص حجم المعروض من الأسماك في السوق العراقية وانعكس ذلك التأثير على خسائر العراق الاقتصادية.
وتحدث الزرفي لـ"العربي الجديد"، عن أن وزارته تعمل على إدخال الأنظمة الحديثة والمتطورة في تربية الأسماك من خلال الأنظمة المغلقة التي لا تتسبب في هدر المياه، وهناك مربو أسماك لا يريدون التوجه الى الأنظمة الحديثة خشية تحمل تكاليف مالية إضافية.
وطالب، بضرورة محاسبة ومحاكمة المخالفين لتعليمات وضوابط وزارتي الزراعة والموارد المائية، لأنهم تسببوا بهدر المياه من خلال حفر آبار تربية أسماك غير مُرخصة ولم يحصلوا على إجازات من الجهات المعنية.
وبين، أن العراق يعاني من الجفاف والتصحر بسبب تأثيرات التغير المناخي، مما يتطلب العمل الجاد والمتواصل من أجل الحد من عمليات هدر المياه وحفر الآبار بالطرق العشوائية.
وأضاف الزرفي، أن الوزارة مستمرة في دعم القطاع الزراعي وخاصة الثروة الحيوانية لما لها من أهمية كبيرة في توفير المنتجات، مبينا، أن الوزارة قدمت لمربي الأسماك الذرة الصفراء العلفية بأسعار مدعومة، فضلا عن تشجيعها المربين على تبني طريقة النظام المغلق في تربية الأسماك لأهميته الكبيرة.
قوانين الدعم
من جانبها، قالت نائب رئيس لجنة الزراعة والمياه والأهوار في البرلمان العراقي، زوزان كوجر، إن البرلمان العراقي أقر عددا من القوانين التي تدعم تحسين واقع الزراعة وتربية الثروة الحيوانية في العراق، ومن بينها الثروة السمكية التي تعتبر من القطاعات المهمة للاقتصاد الوطني العراقي.
وأضافت كوجر، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن تدهور واقع الثروة السمكية الذي يشهده العراق انعكس على الوضع الاقتصادي والمعيشي للكثير من العائلات التي تعمل وتتخذ من صيد وتربية الأسماك وسيلة للعيش والحياة.
وأشارت إلى أن تراجع مستوى إنتاج الأسماك وشحة المياه من العوامل التي أدت إلى قلة المعروض منها في الأسواق، وبالتالي ارتفاع أسعار الأسماك لأرقام قياسية قياساً عما كانت عليه في السنوات الماضية، مؤكدة أن هناك تحديات اجتماعية واقتصادية رافقت تدهور واقع الثروة السمكية في عموم البلاد، في ظل عدم وجود دعم حكومي كاف لمواجهة هذه الأزمة.
وأفادت كوجر، بأن التحديات الاقتصادية الكبيرة أدت إلى تراجع فرص العمل وتزايد معدلات البطالة، مبينةً أن لجنتها عملت بالتعاون مع الحكومة العراقية على توفير القروض الميسرة والمناسبة لمشاريع استشارات تربية الثروة السمكية، وتوفير الأعلاف بأسعار مدعومة وتقليص التعقيدات البيروقراطية واستخدام الطرق الحديثة في تربية الأسماك التي تقلل من هدر وتبخر المياه والحث على الاستفادة من خبرات دول المنطقة.
تأثيرات اقتصادية على العراق
حول تأثير انخفاض إنتاج العراق من الثروة السمكية على الاقتصاد العراقي، أكد المختص بالاقتصاد الزراعي، خطاب الضامن، أن الثروة السمكية تعد أحد الفروع الحيوية في القطاع الزراعي، ويؤدي تدهور إنتاجها لأقل من 50%، وفقاً للتقديرات إلى تأثيرات اقتصادية سلبية متعددة.
وبين الضامن، أن من أهم التأثيرات هي تقليل مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي، مما يفاقم أزمة احادية الاقتصاد العراقي وزيادة الاعتماد على النفط بما هو مصدر أساسي للدخل، فضلاً عن زيادة الواردات الغذائية، ما يشكل ضغطاً إضافياً على العملة الصعبة وميزان المدفوعات العراقي.
وبين الضامن لـ"العربي الجديد"، أن تراجع إنتاج الثروة السمكية، يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة وغلاء الأسماك، لأن انخفاض العرض المحلي من الأسماك يؤدي إلى ارتفاع أسعارها في الأسواق المحلية، مما يضر بالقدرة الشرائية للمستهلكين.
وشدد الضامن على أهمية التكيف مع التغيرات المناخية من خلال تبني استراتيجيات وطنية للتكيف مع التغيرات المناخية وتقليل تأثيرها على الموارد المائية، وتعزيز إدارة المياه وحماية الأنهار من الجفاف والتلوث، وتحسين وسائل الإنتاج السمكي من خلال الاستثمار في إنشاء مزارع سمكية حديثة بتقنيات حديثة تستهلك كميات اقل من المياه.
كما شدد على ضرورة تقديم الدعم الفني والمالي للصيادين والمزارعين لتحسين الإنتاجية، وحماية الموارد الطبيعية وتطبيق قوانين صارمة للحد التجاوزات على الأنهار، والتعاون مع دول الجوار لإدارة الأنهار المشتركة بشكل عادل.