لم يكد الاقتصاد العالمي يتنفس الصعداء، من أزمة تذبذب سلاسل الإمدادات حول العالم خلال عامي 2021 و2022، حتى جاءت أزمات متزامنة لتعيد حالة الطوارئ إلى التجارة العالمية.
وشهدت بحار "الأحمر، والأسود، والصين الجنوبي" إلى جانب مضيق بنما، تطورات خلال العام الجاري أربكت حركة التجارة العالمية للسلع والطاقة.
البحر الأحمر
منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، يشهد البحر الأحمر توترات مصدرها جماعة الحوثي، التي أعلنت دعم الفلسطينيين، بمهاجمة أية سفن تعبر مضيق باب المندب ترتبط بإسرائيل أو ترسو بموانئها.
وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت جماعة الحوثي اليمنية، الاستيلاء على سفينة الشحن "غالاكسي ليدر"، المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي، في البحر الأحمر، واقتيادها إلى الساحل اليمني.
تبعت ذلك هجمات بالمسيّرات طاولت سفنا تقول الجماعة إن لها علاقة بإسرائيل، الأمر الذي دفع شركات شحن عملاقة مثل "MSC" أكبر شركة شحن عالمية، إلى تعليق الملاحة في البحر الأحمر حتى إشعار آخر.
أمام هذه الهجمات، أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، في 18 ديسمبر/كانون الأول الجاري، مبادرة لتشكيل قوات متعددة الجنسيات من 10 دول باسم "حارس الازدهار"، بهدف ردع الهجمات بالبحر الأحمر.
وبسبب التوترات هناك، ارتفعت أسعار النفط الخام بأكثر من 3% إلى متوسط 79 دولارا لبرميل برنت، كما صعدت عقود الذهب الفورية بنسبة 3% إلى 2084 دولارا.
وأوردت وكالة "بلومبيرغ"، الأسبوع الماضي، تحويل أكثر من 120 سفينة مسارها إلى رأس الرجاء الصالح جنوبي دولة جنوب أفريقيا، ما يعني تأثر مداخيل قناة السويس من رسوم عبور السفن بالقناة.
والخميس، أعلن الأردن حظر تصدير وإعادة تصدير سلع غذائية أساسية، وسط ارتفاع شهدته كلفة الشحن الوارد للسوق الأردنية، بفعل أزمة البحر الأحمر.
وذكر بيان صادر عن وزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني يوسف الشمالي، قوله، إن بلاده منعت تصدير وإعادة تصدير مجموعة من السلع، بعد توصية من مجلس الأمن الغذائي، بسبب ارتفاع تكاليف الشحن الناتج عن التوترات في البحر الأحمر.
وبحسب القرار الحكومي، يشمل المنع كلا من سلع الأرز والسكر والزيوت النباتية (زيت الذرة، زيت عباد الشمس، وزيت النخيل، وزيت الصويا)، دون تحديد موعد لوقف العمل بالقرار.
مضيق بنما
وتراجعت حركة الملاحة في مضيق بنما بين الأميركيتين بأكثر من 15% خلال العام الجاري، بسبب ما تعرف بظاهرة إل نينيو، والتي تسببت بتراجع منسوب المياه في القناة المائية، والجفاف في المناطق البرية.
وظاهرة إل نينيو تحدث عندما يكون هناك انخفاض في كمية المياه الباردة التي ترتفع إلى سطح البحر بالقرب من أميركا الجنوبية؛ يؤدي ذلك إلى زيادة درجات حرارة سطح البحر عبر المحيط الهادئ، مما يؤدي بعد ذلك إلى ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي فوقه، وتؤثر على درجات الحرارة فوق تلك المنطقة، ووجهة الرياح.
وأدى الجفاف في بنما إلى ارتفاع الرسوم وحركة المرور في القناة بعد انخفاض المنسوب، مما أجبر ناقلات الوقود وشاحنات الحبوب على اتخاذ طرق أطول لتجنب الازدحام.
وهناك طريق بديلة تأخذ السفن عبر ساحل المحيط الأطلسي بأكمله في أميركا الجنوبية، ويعبر مضيق ماجلان عند الطرف الجنوبي الجليدي للقارة ويتجه عائداً إلى مسارات ساحل المحيط الهادئ.
وبحسب بيانات منظمة التجارة العالمية، تشكل قناة بنما ما نسبته 5% من حركة التجارة المنقولة بحراً، وترتفع في شهور الذروة (الصيف) إلى 7% من إجمالي التجارة العالمية.
وبحسب تقرير لمعهد التصدير والتجارة الدولية، فإنه وبدون عمل قناة بنما بسلاسة، إلى جانب التطورات الأمنية والعسكرية على مضيق باب المندب، فإن تأثير الدومينو للأضرار وتعطيل سلاسل التوريد الناجم عن تأخر السفن وفي الأماكن الخاطئة، سيكون كبيرا.
ومنذ الصيف الماضي حتى اليوم، ارتفعت أسعار شحن البضائع بين الصين والولايات المتحدة بنسبة 36% كنتيجة مباشرة؛ دون احتساب الخسائر الناتجة عن تأخير نقل البضائع.
وفي نهاية أغسطس/آب الماضي، كانت 135 سفينة مصطفة في الطابور، أي أكثر بنسبة 50% من المعتاد لهذا الوقت من العام.
بحر الصين الجنوبي
أدت مطالبات الصين الإقليمية والتوسع البحري في بحر الصين الجنوبي إلى إشعال التوترات مع جيرانها، بما في ذلك الفيليبين وفيتنام وتايوان وماليزيا وبروناي.
وبحر الصين الجنوبي متفرع من المحيط الهادئ، وتنبع أهميته الاستراتيجية من عبور ثلث الشحنات البحرية العالمية من مياهه.
وتدعي بكين أن 80% من بحر الصين الجنوبي يقع ضمن مياهها الإقليمية، فيما تتهمها الولايات المتحدة بـ "عسكرة المنطقة"، وهو ما أثر منذ 2022 على حركة التجارة جزئيا في تلك المنطقة.
وحظي بحر الصين الجنوبي باهتمام كبير؛ وقد أثار التركيز العالي للسلع التجارية التي تتدفق عبر مضيق ملقا الضيق نسبيا المخاوف بشأن ضعفه باعتباره نقطة تفتيش استراتيجية.
وفق تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد"، فإن ما قيمته 5.3 تريليونات دولار من البضائع تمر عبر بحر الصين الجنوبي سنويا، مع 1.2 تريليون دولار من هذا المبلغ الإجمالي للتجارة مع الولايات المتحدة.
البحر الأسود
أصبح البحر الأسود بعد الحرب الروسية الأوكرانية، أحد أهم ممرات الحبوب سواء لأوكرانيا أو روسيا، باعتبار البلدين من أكبر منتجي الحبوب عالميا، ويشكلان معا أكثر من 25% من إنتاج الحبوب.
من جهتها، تخلت بعض شركات الشحن الكبرى عن تجارة الحبوب في البحر الأسود، بعدما فرضت روسيا قيودا على حركة الملاحة في يوليو/تموز الماضي.
وتأثرت الصادرات الأوكرانية منذ انسحاب روسيا في يوليو من اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود الذي دعمته الأمم المتحدة بجهود تركية.
وبحسب بيانات أوكرانية رسمية، قفزت تكلفة أقساط التأمين على السفن ضد مخاطر الحروب في البحر الأسود، بأكثر من ضعفين، وفق نوع السفينة، فيما يتعين تجديد أقساط التأمين كل 7 أيام.
واقتصاديا، يشكل البحر الأسود أهمية كبيرة لروسيا حيث تصدر من موانئه جُل ما تنتجه من حبوب وأسمدة وسلع أخرى، فيما تزايدت أهميته منذ الحرب كطريق تجاري، يتيح للسفن التجارية الروسية الوصول إلى بلدان لم تنضم إلى العقوبات الغربية ضد روسيا.
(الأناضول)