4 عوامل تدعم ارتفاع أسعار النفط

26 يونيو 2024
محطة وقود في تكساس، 29 مايو 2024 (براندون بيل/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- مؤسسات مالية وبنوك استثمار تتوقع زيادة أسعار النفط بسبب عوامل مثل ارتفاع درجات الحرارة، زيادة حركة السفر، وتراجع الإمدادات النفطية، مما يفيد الدول العربية المنتجة للنفط ويضغط على المستوردين.
- الطلب المتزايد والعجز في العرض يدفعان الأسعار للارتفاع، مع توقعات بزيادة الطلب بمقدار 1.1 مليون برميل يومياً، والتوترات الجيوسياسية تعزز من ارتفاع الأسعار.
- التحولات في سوق الاستثمار وتردد المستثمرين في تمويل النفط الصخري بسبب المخاوف من التحول الأخضر والبحث عن عائدات مضمونة يؤثران على العرض ويساهمان في ارتفاع أسعار النفط.

توقعت مؤسسات مالية وبنوك استثمار عالمية زيادة أسعار النفط خلال الأشهر المقبلة، وهو ما ينعكس إيجاباً على ميزانيات وإيرادات الدول العربية المنتجة ومنها دول الخليج والعراق والجزائر، ويزيد الضغوط على الدول المستوردة للطاقة. وبحسب خبراء، فإنّ من المتوقع أن تسهم مجموعة من العوامل في ارتفاع أسعار النفط.

وهذه العوامل هي ارتفاع درجة الحرارة والصيف الحار في كل من أوروبا وأميركا، وارتفاع حركة السفر في موسم الإجازات، وتراجع الإمدادات النفطية مقارنة بالطلب، واحتمال تراجع سعر صرف الدولار الذي عادة يدفع عملية الطلب الاستهلاكي في آسيا، وهبوط المخزونات الأميركية، يضاف إلى ذلك الاضطراب الجيوسياسي الذي يتفاقم وسط تهديدات إسرائيل بغزو لبنان، والقصف المتواصل لمعسكرات اللاجئين في مدينة رفح وقطاع غزة. وهنالك عامل آخر وهو تردد المستثمرين في حي المال الأميركي "وول ستريت" من تمويل صناعة النفط الصخري وسط البدائل المربحة في أسهم التقنية ومخاوف تداعيات التحول الأخضر على أسعار النفط. 

وقال تاماس فارجا من "بي.في.إم للوساطة في عقود النفط" يوم الاثنين، إنّ السبب الرئيس وراء ارتفاع أسعار النفط هو الثقة المتزايدة في أن مخزونات النفط العالمية ستنخفض حتماً خلال الصيف في نصف الكرة الشمالي. وتدعم توقعات ارتفاع الطلب على الوقود خلال هذا الصيف وزيادة المخاطر الجيوسياسية في الشرق الأوسط وتصاعد الهجمات الأوكرانية بالطائرات المسيّرة على مصافي التكرير الروسية أسعار النفط. 

ووفق بيانات قناة "سي إن بي سي" الأميركية أمس الثلاثاء، ارتفعت العقود الآجلة للنفط الخام أمس وسط رهان التجار على تقليص الإمدادات في وقت لاحق من العام. لكن إشارة مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) أدت إلى خفض سعر الفائدة مرة واحدة فقط هذا العام وبيانات المخزونات الأميركية إلى الحد من المكاسب.

وتشير بيانات ركاب المطارات في أميركا إلى أن من المتوقع أن يكون موسم الصيف الحالي الأكثر ازدحاماً على الإطلاق في الولايات المتحدة، وكذلك في أوروبا. وإلى جانب تشجيع الحرارة المرتفعة للسفر إلى الشواطئ، فإنها ترفع كذلك من الحاجة للتكييف وزيادة الطلب على مشتقات الطاقة. وعلى صعيد الطلب على النفط، تتوقع إدارة معلومات الطاقة ارتفاع الطلب العالمي على الخامات البترولية هذا العام بمقدار 1.1 مليون برميل يومياً، ارتفاعاً من التوقعات السابقة البالغة 900 ألف برميل يومياً.

ويشير الطلب المتزايد إلى عجز في العرض، حيث من المتوقع أن يرتفع الإنتاج العالمي بمقدار 800 ألف برميل يومياً في العام الجاري 2024. وهذا يعني أن توقعات الطلب تفوق الخامات المعروضة بنحو 100 ألف برميل يومياً. وتشير وكالة بلومبيرغ، إلى أن خام برنت جرى تداوله أمس الثلاثاء قرب 86 دولارا للبرميل بعدما استقر يوم الاثنين عند أقوى مستوى منذ أواخر إبريل/نيسان، بسبب المخاوف من توسع الحرب الإسرائيلية بعد تهديد تل أبيب للبنان. وقد كثف المسلحون الحوثيون هجماتهم على السفن قبالة سواحل اليمن في الآونة الأخيرة، وهو ما يعني تهديد وصول المعروض النفطي ومنه الخام الخليجي والعراقي والإيراني إلى مناطق الاستهلاك.

فيما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن روسيا ألقت باللوم على الولايات المتحدة في هجوم صاروخي على شبه جزيرة القرم وحذرت من "العواقب". ووفقاً لبيانات "سي أن بي سي"، الأميركية ارتفعت أسعار النفط بنسبة 2% تقريبًا في وقت سابق من يوم أمس الثلاثاء، لكنها تراجعت بعدما أعلنت الولايات المتحدة عن زيادة قدرها 3.7 ملايين برميل في مخزونات النفط الخام للأسبوع الماضي، مقارنة بتوقعات المحللين بسحب مليون برميل.

وارتفعت مخزونات البنزين بمقدار 2.6 مليون برميل، مقارنة بـ 891 ألفا التي توقعها المحللون. وزاد الطلب على الوقود 94 ألف برميل يومياً إلى نحو تسعة ملايين برميل يومياً. لكن هذه البيانات قد تتغير في حال تواصل الطلب المحموم على السفر البري في الولايات المتحدة. يذكر أنّ أسعار النفط قد تأثرت سلباً في الأسبوع الماضي بعدما أشار بنك الاحتياط الفيدرالي إلى أنه لا يوجد سوى خفض واحد لأسعار الفائدة هذا العام، على عكس التوقعات السابقة بثلاثة تخفيضات في شهر مارس/آذار، مشيرًا إلى تقدم "متواضع" في الحد من التضخم. 

وعلى صعيد توقعات العرض والطلب على الخامات البترولية، قال مارتين راتس، استراتيجي السلع الأساسية في مصرف مورغان ستانلي، للعملاء في مذكرة: "على المدى القصير، من المرجح أن تعاني سوق النفط من تراجع المعروض مقارنة بالطلب". ويتوقع البنك الاستثماري عجزاً قدره 1.2 مليون برميل يومياً في الربع الثالث من العام الجاري، مما قد يدفع أسعار خام برنت إلى الارتفاع أكثر من مستوياته الحالية التي تحوم حول 86 دولاراً للبرميل.

يضاف إلى هذه العوامل تمسك منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" بتوقعاتها لنمو الطلب عند 2.2 مليون برميل يومياً، بسبب النمو الاقتصادي العالمي القوي بنسبة 2.8% هذا العام.

كما أن هناك عاملاً صعودياً آخر للعقود الآجلة وهو قلة العرض في الأشهر المقبلة. وقالت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها عن سوق النفط لشهر يونيو/حزيران، في وقت سابق من هذا الشهر، إنّ الأسواق العالمية مهيأة لعجز في الإمدادات في الربع المقبل. أما العامل غير المرئي بالنسبة للكثيرين من خبراء النفط، فهو الارتفاع الجنوني في أسهم شركات التقنية التي تجذب المستثمرين بعيداً عن الأصول التي تحمل مخاطر مثل النفط الصخري والشكوك حول مستقبل ربحية الخامات الصخرية. وهذا العامل ربما يمنع الكثير من مؤسسات المال من المغامرة في صناعة النفط الصخري. 

يذكر أنّ جزءاً كبيراً من الطفرة النفطية السابقة التي حولت القرى والمزارع الأميركية إلى آبار نفطية يعود إلى تمويلات "وول ستريت"، حيث شجعت سنوات من تكاليف الاقتراض الرخيصة شركات الطاقة على تغذية نموها السريع من خلال الاقتراض من أسواق رأس المال. وكان المستثمرون المتحمسون يسلمون بسهولة مزيجاً من السندات والقروض والأسهم إلى شركات الطاقة توقعاً للنمو والأرباح في المستقبل، لكن استعدادهم للمراهنة على التوسع في مجال الطاقة تقلص عندما انهار سعر النفط.

والآن مع ارتفاع تكلفة النفط الخام إلى أكثر من 85 دولاراً للمرة الأولى منذ سبع سنوات، فإن السؤال هو ما إذا كان هؤلاء المستثمرون سيتدخلون مرة أخرى لتمويل جولة جديدة من الحفر والإنتاج الجديد من النفط الصخري. أما بالنسبة لأولئك الذين يشعرون بالقلق إزاء ارتفاع أسعار النفط والتضخم، فإن الخوف هو أنهم لن يفعلوا ذلك. 

ولا يحتاج المستثمرون لوضع أموال في النفط الصخري فقط إلى الموازنة بين المخاوف البيئية والتحول نحو الطاقة المتجددة التي أدت إلى تعقيد التوقعات بالنسبة للوقود الأحفوري، لكنهم أيضًا أصبحوا أكثر حذرًا بعد تأثرهم بالركود السابق للنفط الذي كلفهم مليارات الدولارات. فبدلاً من العودة إلى نموذج "النمو بأي ثمن" الذي ميز الطفرات النفطية السابقة، أصبح المستثمرون الآن يريدون العائدات فقط ولكنهم يريدون ضمان استثماراتهم، وفق تحليل بوكالة بلومبيرغ.

المساهمون