4 أزمات تقلق أسواق المال ... الدولار القوي وحرب أوكرانيا ومخاطر التضخم والركود

31 مايو 2022
حيرة في وول ستريت من التضخم ومخاطر سوق الإسكان (getty)
+ الخط -

منذ بداية العام تحاصر أسواق المال العالمية أربع أزمات رئيسية وتزرع الحيرة وسط مديري صناديق الاستثمار وبنوك إدارة الثروات في العالم. وهذه الأزمات كما يلخصها خبراء، هي الحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها الخطيرة، ومخاطر التضخم على العائد الاستثماري، وارتفاع سعر صرف الدولار وتداعياته على الاقتصادات الناشئة، وأخطار ركود الاقتصادات الكبرى وفي مقدمتها الاقتصاد الأميركي.

وحتى الآن ارتفع سعر صرف الدولار إلى أعلى مستوياته مقابل سلة من العملات وبات يشكل تهديدا للأسواق الناشئة وعملاتها وانكماش النمو الاقتصادي في الصين.
ومنذ بداية العام ارتفعت العملة الاميركية بنسبة 10% حسب مؤشر "دي أكس واي" العالمي لقياس قيمة العملات الرئيسية، كما ارتفع بنسبة 16% خلال الـ12 شهراً المنصرمة، وهو ما يعني أعلى معدل ارتفاع منذ 20 عاماً.

على صعيد الأخطار الاستثمارية، قالت خبيرة الاستثمار بشركة "آلاي فاينانشيال" الأميركية، ليندسي بيل، في تعليقات نقلتها صحيفة "وول ستريت جورنال"، إن أربعة من بين 5 مؤشرات تتابعها لقياس أداء سوق المال الأميركي أقل من المعدلات عالية المخاطر.

كما أن مؤشر قياس المخاطر الذي يعرف اختصارا بـ" فيكس" يشير إلى أن أسواق الأسهم ربما ستتراجع بمعدلات أكبر من المعدلات التي شهدتها خلال الشهور المقبلة.

لكن رغم هذه النظرة المتشائمة لمستقبل الاستثمار في البورصات العالمية، تشير بيانات نشرها مصرف "بنك أوف أميركا" يوم الجمعة، إلى أن المستثمرين وضعوا استثمارات صافية في أسواق المال العالمية بلغت أكثر من 20 مليار دولار في الأسبوع الماضي المنتهي يوم الجمعة 27 مايو/أيار الجاري.

وهذا الرقم أكبر معدل من الاستثمارات الصافية التي شهدتها أسواق المال العالمية خلال 10 أسابيع. والاستثمارات الصافية تعني القيمة الحقيقية بعد خصم مبيعات الأسهم من حجم المشتريات.
ولاحظ المصرف الأميركي في تقريره أن مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" المؤشر الرئيسي الذي يقيس أداء الأسهم الأميركية ارتفع بمعدل 6.6%خلال الأسبوع الماضي، على الرغم من أنه ظل منخفضاً عن مستواه في بداية العام الجاري بنسبة 13.3%.
لكن رغم ذلك يشير معظم رؤساء الشركات في استفتاء نشره موقع "ياهو فاينانس"، إلى أن السوق الأميركي سيتراجع أكثر بنهاية الربع الثاني من العام الجاري، كما تتزايد التوقعات بدخول الاقتصاد الأوروبي في دائرة الركود خلال العام الجاري.
في شأن مخاطر النمو الاقتصادي العالمي، يرى الاقتصادي بمعهد التمويل الدولي في واشنطن، روبن بروك، أن منطقة اليورو تتجه نحو الركود الاقتصادي بسبب الحرب الأوكرانية وتداعياتها على أسعار الطاقة وضعف عملة اليورو.
وقال بروك في تغريدة على حسابه على تويتر يوم الأحد، إن الصين تعيش مرحلة من الانكماش الاقتصادي بسبب جائحة كورونا وما تلاها من إغلاقات في النشاط الاقتصادي، كما أن ارتفاع كلفة القروض العقارية في الولايات المتحدة يهدد السوق العقارية وينذر بانهيار سوق الإسكان.

ولاحظ اقتصاديون أن الحرب الأوكرانية جعلت من القارة العجوز منطقة خطرة للمستثمرين، حيث تسيطر حالة من عدم اليقين بين المستثمرين حول المدة التي ستأخذها الحرب، وكيف يمكن لساسة القارة معالجة آثارها المدمرة بعد توقفها.
كما من غير المعروف حتى إذا توقفت الحرب، هل ستكتب نهاية لأطماع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في السيطرة على شرقي أوروبا. وبالتالي فإن دول شرق أوروبا، وهي دول تابعة للاتحاد السوفييتي سابقاً وتتبع حالياً الاتحاد الأوروبي، باتت منطقة عالية المخاطر وطاردة للمستثمرين.
ومع استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا، ربما سيرتفع حجم الاستثمارات الهاربة من شرقي أوروبا. ولا يستبعد محللون أن يفرخ هذا الهروب الاستثماري مجموعة من التحديات في أوروبا تمتد من نقص التمويل الإنفاقي وتصل إلى البطالة وارتفاع التيارات اليمنية المتطرفة.
وتواجه عمليات تمويل الإنفاق في الميزانيات العامة بشرق أوروبا أزمة حقيقية حالياً، حيث يعتمد تمويل الإنفاق في هذه الدول على بيع السندات السيادية في أسواق المال العالمية في وقت يتسم فيه سعر اليورو بالضعف، أي أنه غير جاذب للمستثمرين مع معدل المخاطر الجيوسياسية المرتفعة.

على صعيد أخطار الأسواق الناشئة، لاحظ مراقبون ارتفاع حجم الاستثمارات الهاربة من الأسواق الناشئة خلال العام الجاري، حيث هربت نحو 26 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية من السوق الهندية منذ أكتوبر/ تشرين الثاني، حسب تغريدة للدكتورة شاما محمد على حسابها على تويتر يوم الأحد.

وقالت شاما إن هذا المعدل من الهروب الاستثماري لم تشهده الهند منذ أزمة المال العالمية في العام 2008، التي بلغت كمية الأموال الأجنبية التي هربت منها 15 مليار دولار.

ويبدو أن الهند أحسن حالاً مقارنة بأسواق ناشئة أخرى، حيث إنها تستفيد من المشتقات النفطية الرخيصة التي تحصل عليها من الشركات الروسية، مقارنة بأسواق ناشئة مثل تركيا تعتمد على الطاقة الروسية/ وتواجه ضغوطاً مصرفية غربية لتسديد ديونها الخارجية قصيرة الأجل.

وشهدت السوق المصرية هروبا للاستثمارات الساخنة بلغت قيمتها 20 مليار دولار في الربع الأول من العام الجاري وفق تصريحات سابقة لرئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي.
ويتزامن مع هذه الأزمات تحدي الدولار القوي الذي من المتوقع أن يزيد سعر صرفه خلال العام الجاري ويضاعف من ضحايا أزمة الحرب في أوكرانيا ومن تداعياته على الاقتصادات الناشئة والفقيرة.

وبالتالي فإن العديد من الدول ربما ستواجه إفلاسات أو عدم قدرة على سداد أقساط الديون خلال العام الحالي أو المقبل في حال استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا.
وحتى الآن رفعت الحرب الروسية على أوكرانيا أسعار الغذاء والمشتقات البترولية من أزمات المال والاقتصاد في عدة دول يصنفها صندوق النقد الدولي بأنها ضعيفة اقتصادياً وتقع في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
وتشهد سريلانكا اضطرابات سياسية منذ شهور بسبب الإفلاس، وكانت أولى ضحايا أزمات العام الجاري، إلا أن محللين يرون أن قائمة ضحايا هذه الأزمات ستطول.

وحسب تقييم صندوق النقد الدولي، فإن هنالك العديد من الدول التي تواجه أزمات مالية وغذائية ونقصاً في الطاقة.

ويجري صندوق النقد منذ شهور محادثات لمساعدة اقتصادات كل من مصر وتونس وباكستان وغانا ودول في أميركا اللاتينية على أمل مساعدتها على تخطي أخطار تفاعلات غلاء أسعار الطاقة التي باتت تهدد مستقبل الاستقرار السياسي. وتعاني باكستان مثلاُ من انقطاع متكرر في التيار الكهربائي وغلاء في أسعار السلع الغذائية. كما تعاني غانا من انهيار العملة الوطنية.

ويقول الاقتصادي الأميركي المتخصص في العملات المضطربة، ستيف هانك، إن التضخم السنوي في غانا بلغ 45.63% ورفع البنك المركزي الغاني الفائدة لنحو 17% على أمل دعم سعر العملة المحلية في مقابل الدولار. ويقول هانك إن أزمة ديون تتفاعل في غانا وربما تشتعل في أية لحظة.

على صعيد تداعيات ارتفاع الدولار على أسواق المال العالمية، وتهديده للاقتصادات الناشئة، يلاحظ أن الدولار هو العملة الرئيسية في تسوية الصفقات المالية وإصدارات سندات الديون السيادية وفواتير التسويات التجارية العالمية.
كما أن الدولار لايزال يأخذ حصة الأسد من الرصيد الأجنبي في المصارف المركزية العالمية، حيث تقارب حصته 60% من إجمالي الاحتياطات العالمية، وبالتالي على الرغم من محاولة معسكر موسكو- بكين للتخلص من "دولرة الاقتصاد العالمي" عبر تسويق اليوان الصيني كبديل، يبقى الدولار هو عملة الأمان الاستثماري في لحظات الاضطرابات والحرب مثلما يحدث الآن في الحرب الروسية في أوكرانيا.
وبالتالي فإن المصارف التجارية تتفادى المخاطر الجيوسياسية وتعمل على مراكمة الدولارات واستثمارها في الأصول الأميركية وعدم إقراضها للاقتصادات الناشئة.

وهذا العامل يثير قلق المستثمرين من خسارة استثماراتهم في ديون الاقتصادات الناشئة من جهة، كما من جهة أخرى، يضرب التضخم المرتفع العائد الحقيقي على استثماراتهم في السوق الأميركي.

المساهمون