يستعد أكثر من 30 تنظيماً سياسياً ونقابياً وحقوقياً ومدنياً في المغرب للخروج في مسيرة احتجاجية يوم الأحد المقبل في العاصمة الرباط، دعت إليها "الجبهة الاجتماعية المغربية"، رفضاً لـ"الغلاء والقمع والقهر".
وقبل أيام من موعد المسيرة، أعلنت العديد من الهيئات السياسية والنقابية والحقوقية المغربية التعبئة من أجل إنجاح المسيرة، إذ دعا الحزب الاشتراكي الموحد (معارض) إلى المشاركة المكثفة في المسيرة في ظل ما تعيشه البلاد من "أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، يكتوي بنارها المواطن البسيط الذي وجد نفسه بين مطرقة السياسات اللاديمقراطية وجشع الباطرونا (رجال الأعمال)، والاستغلال الرأسمالي والغلاء الفاحش والارتفاع غير المسبوق في الأسعار، وسوط الضرائب وارتفاعها على الطبقة المتوسطة"، على حد تعبير بيان صادر عن المكتب السياسي للحزب.
كما دعا المكتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم (نقابة تعليمية) نساء ورجال التعليم إلى المشاركة الوازنة في المسيرة، مسجلا "رفضه القاطع للسياسات اللاشعبية التي تتخبط فيها البلاد". في حين، أكد الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان (20 جمعية غير حكومية) مشاركته في المسيرة الاحتجاجية، محذرا من "خطورة تجاهل المسؤولين المطالب العادلة والمشروعة للشعب المغربي، والتي لن تزيد الأوضاع بالبلاد إلا المزيد من التوتر والاحتقان، اللذين يصعب توقع نتائجهما وآثارهما".
خفض الغلاء والفقر
وقالت الجبهة الاجتماعية المغربية، في بيان لها، إن المسيرة تروم بالأساس دعوة الحكومة إلى ضرورة "سن إجراءات بديلة تخفف من وطأة الغلاء والفقر"، وأيضا إلى "خفض أسعار المحروقات وتأميم شركة لاسامير (لتكرير البترول) للمساهمة في الأمن الطاقي لبلادنا".
واعتبرت أن المسيرة تدق ناقوس الخطر من أجل "إرجاع الأموال المنهوبة التي التهمها لوبي المحروقات"، فضلا عن دعوة الحكومة إلى "خفض أسعار المواد الغذائية الأساسية وضمان الأمن الغذائي"، علاوة على المطالبة بـ"ضمان الحق في الشغل والتعويض عن البطالة"، مع "وضع حدّ للعمل بالعقدة وإدماج الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد".
وقال رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام (عضو مؤسس في الجبهة الاجتماعية المغربية) محمد الغلوسي لـ"العربي الجديد": "قرار تنظيم المسيرة يعتبر جوابا على السياسات المتبعة، التي تهدد القدرة الشرائية للمواطنين من خلال الزيادة المهولة في الأسعار، وإثقال كاهل الطبقات المتوسطة والضعيفة بالضرائب مقابل منح امتيازات للشركات والتغاضي عن فرض الضريبة على الثروة".
ولفت الغلوسي إلى "الأرباح الخيالية التي تجنيها شركات المحروقات، التي استغلت الأوضاع الدولية والوطنية للرفع من نسبة أرباحها بشكل غير معقول. هذا دون أن ننسى التراجعات الحقوقية وانتهاك الحريات العامة في عهد هذه الحكومة".
وأضاف رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام: "يحدث كل ذلك والحكومة تتعامل مع الوضع بطرق كلاسيكية، من خلال مشروع قانون المالية الذي يستند في مجمله إلى الضرائب والاستدانة دون التفكير في حلول وبدائل لتجاوز الاحتقان الاجتماعي"، لافتا إلى أن "الحكومة لا تستطيع التواصل مع الرأي العام ووضعه في صورة وحقيقة ما يجري، والبحث عن مخارج للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتأزمة، بل إن بعض وزرائها خلقوا للدولة متاعب إضافية بسلوكهم وخطابهم، وساهموا في الرفع من منسوب الغضب الاجتماعي".
ارتفاع كلفة الفساد
واتهم الغلوسي الحكومة بـ"التطبيع مع الريع والفساد والإفلات من العقاب، والتنكر لكل التزامات المغرب في مجال مكافحة الفساد والرشوة"، لافتا إلى أن "تكلفة الفساد أصبحت عبئا ثقيلا على الاقتصاد الوطني، وأن الشرائح الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة تؤدي تكلفة ذلك".
واعتبر المتحدث ذاته أن الحكومة "لا تمتلك الجرأة السياسية لإيقاف نزيف الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة، التي تقدر بمليارات الدراهم، بل إنها، أكثر من ذلك، سارعت إلى التراجع عن تجريم الإثراء غير المشروع ومشروع قانون الاحتلال المؤقت للملك العمومي، وخرج وزيرها في العدل لتهديد جمعيات المجتمع المدني النشيطة في مجال مكافحة الفساد ونهب المال العام، وطالب بمعاقبة نشطاء حماية المال العام"، بحسب قوله.
وشهد المغرب، خلال الأشهر الماضية، ارتفاعات كبيرة في أسعار الوقود والمواد الغذائية والخدمات بسبب تداعيات جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية على أوكرانيا، فضلا عن جفاف استثنائي ضرب المملكة هذا العام، وأدى إلى تراجع توقعات النمو لهذه السنة إلى 0,8 بالمئة فقط، وفق بنك المغرب (البنك المركزي).
وكشفت بيانات المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة حكومية تعنى بالتخطيط) ارتفاع معدل التضخم إلى 8.3% في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي على أساس سنوي، وأضافت أن هذه الزيادة جاءت مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 14.7%، وتكلفة النقل 12.9%. في حين انخفض مؤشر ثقة الأسر، خلال الربع الثالث من سنة 2022، مسجلاً أدنى مستوى له منذ انطلاق البحث سنة 2008.
في المقابل، تؤكد حكومة عزيز أخنوش أن تدابيرها في مواجهة الأزمات المتزامنة، التي شهدتها البلاد هذا العام، مكّنت من التحكم في ارتفاع الأسعار، والحد من تداعياته على القدرة الشرائية للمواطنين، والحفاظ على التوازنات المالية للبلاد وتحقيق صمود الاقتصاد الوطني.