يتواصل رهان كبار المستثمرين على قوة الدولار خلال النصف الثاني من العام الجاري وسط المخاوف من تداعيات المتحور "دلتا" من فيروس كورونا على النمو الاقتصادي العالمي وهروب المستثمرين من مخاطر الأسواق الناشئة إلى "الملاذات الآمنة" وعلى رأسها سندات الخزانة الأميركية.
وبحسب مسح لمصرف "بنك أوف أميركا" نشرته صحيفة "وول ستريت" يوم الأحد، فإنّ معدل تفاؤل المستثمرين حول مستقبل السوق الأميركي ما زال مرتفعاً وسط قوة الدولار والبحث عن العائد مدفوعين في ذلك بالأرباح الكبرى التي تحققت من سوق "وول ستريت" المالي خلال العام الماضي مقارنة بتلك التي تحققت في أسواق المال الأوروبية والآسيوية.
ويؤشر تراجع العائد على سندات الخزانة الأميركية، أجل 10 سنوات، من مستوياته فوق 1.6% في مايو/ أيار الماضي إلى أقل من 1.2% خلال الأسبوع الماضي، إلى جاذبية أدوات الدين الأميركية، إذ إنّ العائد على السندات الأميركية عادة ينخفض حينما يتزايد الإقبال على الأصول الأميركية.
كما يرى خبراء أنّ المستثمرين الأجانب في السوق الأميركي باتوا ينظرون إلى أنّ مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) يحبذ ارتفاع الدولار في الوقت الراهن.
وكان تقرير شركة "ريفينيتف ليبر" البريطانية قد أشار أول من أمس الأحد، إلى أنّ حجم التدفقات الأجنبية على السوق الأميركي بلغ أعلى مستوياته منذ عام 1992، إذ بلغ 900 مليار دولار، وهو ما يمنح صوت ثقة في الانتعاش الأميركي ومستقبل النمو الاقتصادي.
ووفق محللين بمصرف "آي إن جي" الهولندي، فإنّ أيّ إشارة من مجلس الاحتياط الأميركي في اجتماعه المقبل يوم غد الأربعاء سيدعم سعر صرف الدولار، خاصة مقابل اليورو والين الياباني، حيث تعاني السندات الأوروبية واليابانية من العائد السلبي مقارنة بالعائد على السندات الأميركية.
ويبدو حتى الآن أنّ الدولار القوي مفيد للاقتصاد الأميركي الذي يعاني منذ شهور من دورة ارتفاع التضخم. ومن المتوقع أن تساهم قوة العملة الأميركية في خفض معدل الأسعار التي يعاني منها المواطن، إذ إنّه يخفض أسعار المواد المستوردة وأسعار الأغذية والمشتقات البترولية.
وعادة ما تتحرك أسعار السلع الأولية في اتجاه معاكس لسعر صرف الدولار، إذ إنّ معظمها مقوم بالعملة الأميركية. في هذا الصدد، يتوقع مصرف "غولدمان ساكس" الاستثماري الأميركي أن يرفع الأجانب من حجم استثماراتهم في سوق الأسهم الأميركي خلال العام الجاري بنحو 200 مليار دولار مقارنة بمستوياتها في العام الماضي البالغة 712 مليار دولار.
وفي ذات الصدد يدلل "غولدمان ساكس" على جاذبية السوق الأميركي بارتفاع حيازة الأجانب في سندات الخزانة الأميركية في مايو/ أيار إلى أعلى مستوياتها منذ فبراير/ شباط 2020.
ووفق آراء خبراء عملات ومحللين ماليين فإنّ هنالك ثلاثة عوامل رئيسية ستدعم قوة الدولار خلال النصف الثاني من العام الجاري. أول هذه العوامل مخاوف المستثمرين من تداعيات "متحور دلتا" من فيروس كورونا على النمو الاقتصادي العالمي، خصوصاً بالنسبة للاقتصادات الآسيوية وأوروبا.
والعامل الثاني يكمن في قوة نمو الاقتصاد الأميركي ومواصلة البنك المركزي الأميركي دعم النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة. وحاجة الولايات المتحدة لدولار قوي ومعدل سعر فائدة منخفض على السندات لتمويل الانفاق الفيدرالي.
أما العامل الثالث فهو الفارق في هامش العائد على السندات بين أميركا وكلّ من أوروبا واليابان.
ووسط القيود المشددة التي تتجه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون إلى فرضها على شركات التقنية الصينية واستثمار المصارف الغربية فيها، فإنّ سوق "وول ستريت" سيواصل كسب مزيد من المستثمرين لأسهم التقنية خلال النصف الثاني من العام. ويلاحظ أنّ سوق المال الأميركي عاد بسرعة لتعويض خسائره في الأسبوع الماضي.
وبعد تراجع مؤشر "داوجونز" إلى أكثر من 700 نقطة يوم الإثنين قبل الماضي عاد في اليوم الثاني للارتفاع وبمعدل كبير بسبب تدفق الادخارات الأميركية على البورصة وشراء ما يطلق عليه صفقات "الدب" أي شراء الأسهم الرخيصة جداً من قبل المستثمرين على أمل جني أرباح كبيرة وسريعة.
وكان الدولار قد حقق انقلاباً في سوق الصرف منذ بداية مارس/ آذار الماضي، إذ فاجأ المستثمرين بالارتفاع مقابل العملات الرئيسية بينما كانت التوقعات تشير إلى تراجعه. وارتفع الدولار في مارس الماضي إلى أعلى مستوياته في 7 سنوات مقابل الين الياباني، كما ارتفع مقابل كلّ من الفرنك السويسري ومعظم العملات الحاملة للتجارة في سوق العملات العالمية. كما كسب مؤشر الدولار مقابل سلة من العملات الرئيسية نحو 1.2% منذ بداية العام.
وحسب "رويترز" تراجع مؤشر الدولار بنسبة ضئيلة خلال تعاملات أمس الإثنين، وسط تركيز الأسواق المالية على اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوح لمجلس الاحتياط الفيدرالي هذا الأسبوع، لبحث التوقيت المناسب لتقليص برنامج التحفيز. ويشتري مصرف الاحتياط الفيدرالي سندات شهرية بقيمة 120 مليار دولار لدعم السوق الأميركي.
وارتفع الدولار خلال الأسبوع الماضي، محققًا مكاسب 0.2% باعتباره ملاذاً آمناً للمستثمرين مع ارتفاع الرغبة في المخاطرة، ووسط مخاوف من أن تؤدي زيادة الإصابات بمتغير "دلتا" إلى عرقلة الانتعاش العالمي.