ربما ستكون سرعة التطعيم باللقاحات المضادة لوباء كورونا، من بين العوامل الحاسمة في النمو الاقتصادي خلال العام الجاري. وحتى الآن، يلاحظ أن الدول التي تمكنت من محاصرة الجائحة أو السيطرة عليها تحقق معدلات أكبر من تلك التي لا تزال تعاني من تقييد الحركة والتنقل وإغلاق النشاط الاقتصادي.
ويرصد خبراء ثلاث عقبات رئيسية تواجه الاقتصادات الغربية في فترة ما بعد كورونا، على الرغم من التوقعات المتفائلة بالنمو السريع.
وهذه العقبات هي أزمة الشرائح وتداعياتها على التصنيع، وارتفاع معدل التضخم، وقدرة المصارف الأوروبية على تمويل دورة الانتعاش. ويدعم توقعات النمو الاقتصادي ارتفاعُ حجم الادخارات العالمية حتى نهاية الربع الأول من العام الجاري والتي قدرتها وكالة موديز للخدمات المالية بنحو 5.4 تريليونات دولار.
في ذات الصدد، توقع صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر هذا الشهر، أن تتمكن الاقتصادات الغربية من النمو بمعدلات أعلى وأسرع خلال العام الجاري مقارنة بالتوقعات السابقة التي وضعت لها من قبل خبراء الاقتصاد. وبعد انكماش بنسبة 3.3% خلال العام الماضي 2020، توقع الصندوق نمو الاقتصادات الغربية خلال العام الجاري بنسبة 6%، تقودها الولايات المتحدة وبريطانيا.
فالولايات المتحدة ومنذ تسلم الرئيس جوزيف بايدن دفة الحكم نجحت في محاصرة جائحة كورونا عبر الإنفاق بسخاء على شراء اللقاحات وحملات التطعيم. وتمكنت السلطات الصحية الأميركية من تسريع عمليات التطعيم بين البالغين بمعدل 2.9 مليون جرعة يومياً خلال الأسبوع الماضي، حسب بيانات جامعة "جون هوبكنز". وهذا المعدل المرتفع يساهم في فتح الأعمال التجارية، وبالتالي زيادة عدد الوظائف المعروضة. وتشير بيانات الوظائف الأميركية إلى أن عدد طلبات إعانات البطالة تراجع بنحو 50 ألفاً حتى 17 إبريل/نيسان المقبل.
ويتوقع اقتصاديون أن يكون الاقتصاد الأميركي قد تمكن من خلق مليون وظيفة خلال الشهر الجاري، حينما تظهر البيانات الرسمية لمصلحة العمل يوم الخميس المقبل.
في هذا الصدد، قال كبير الاقتصاديين بشركة "نات ويست ماركتس" البريطانية، كيفن كومنس: "أعتقد أن رقم مليون وظيفة رقم معقول".
لكن رغم هذا التفاؤل بالنمو السريع، يرى خبراء أن الانتعاش الاقتصادي الأميركي يواجه تحديين كبيرين في الوقت الراهن، وهما احتمال ارتفاع معدل التضخم والنقص الحاد في الرقائق التي يعتمد عليها العديد من الصناعات مثل السيارات والثلاجات والمعدات الإلكترونية المستخدمة بكثافة في المساكن.
في هذا الشأن، يقول اقتصاديون بمصرف "غولدمان ساكس" الأميركي، إن النقص في الرقائق لا يعرقل فقط سرعة وصول الأجهزة إلى الشركات والمصانع، ولكنه يرفع كذلك من أسعارها.
وحسب ما نقلته قناة "سي أن بي سي"، من توقعات عن خبراء بالمصرف الاستثماري بشأن التداعيات السالبة لنقص الشرائح على الاقتصاد الأميركي، فإنهم يتوقعون أن يؤدي نقص الشرائح إلى ارتفاع أسعار الأجهزة التي تدخل في تصنيعها بنسبة 3% خلال العام الجاري، وأن يرفع ذلك تلقائياً التضخم بنسبة 0.4% خلال العام الجاري.
على الصعيد الأوروبي، تواجه دول الاتحاد الأوروبي، مجموعة من التحديات على رأسها البيروقراطية في سرعة اتخاذ القرار بسبب ترهل الهيئات التنفيذية، وتباين معدلات النمو الاقتصادي بين شمال أوروبا وجنوبها. وربما تواجه شركاتها صعوبات في السوق الصيني خلال الفترة المقبلة بسبب تضارب السياسات الخاصة بالحريات وحقوق الإنسان واحترام الملكية الفكرية بين بروكسل وبكين. ويلاحظ اقتصاديون أن أوروبا خلال السنوات المقبلة ستكون أكثر توافقاً في سياساتها مع الولايات المتحدة بسبب المصالح المشتركة وربما سيقود ذلك تدريجياً إلى تباعد بينها وبين الصين.
على صعيد محاصرة الفيروس التاجي، تستهدف الكتلة الأوروبية تطعيم 70% من سكانها بحلول يوليو/ تموز المقبل. وبعد عرقلة عمليات التطعيم خلال شهر مارس/ آذار الماضي، بدت دول الاتحاد أكثر حزماً في التعامل مع الموجة الثالثة لجائحة كورونا.
وهنالك أربعة تحديات تواجهها دول الاتحاد الأوروبي في فترة ما بعد كورونا وفق محللين، أولها نسبة الفائدة السالبة التي لا تحقق العائد على الاستثمار الذي يطمح له كبار المستثمرين من المصارف التجارية والصناديق. وثانياً، هروب المستثمرين من سندات دول الاتحاد الضعيفة إلى السوقين الأميركي والآسيوي. وثالثا، معاناة دول الجنوب في أوروبا من ارتفاع الدين السيادي، إذ تعاني اليونان والبرتغال وإسبانيا وفرنسا من ارتفاع معدل الدين العام كنسبة من إجمالي الناتج المحلي. وهذا العامل يرفع من مخاوف المستثمرين في السوق الأوروبي.
أما العامل الرابع والأخير، فهو أن البنوك التجارية الأوروبية لا تتوفر لها السيولة الكافية لدعم النمو الاقتصادي عبر منح التمويلات المطلوبة للتوسع الاقتصادي والانتعاش مثلما هو الحال بالنسبة للأعمال التجارية في أميركا التي تتوفر فيها سيولة مصرفية تقدر بأكثر من 3.4 تريليونات دولار.
على الصعيد البريطاني، فإن اقتصاد المملكة المتحدة لا يزال يواجه تحديات بناء الفضاء التجاري الجديد بعد "بريكست" والتي أهمها ترتيب الشراكة مع الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن المحادثات الخاصة باتفاقية الشراكة التجارية قطعت شوطاً كبيراً بين لندن وواشنطن، إلا أن الدفء في العلاقات بات مفقوداً بعد خسارة دونالد ترامب وفوز الحزب الديمقراطي. ولكن رغم ذلك، توقع مسح نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" تمكن بريطانيا من تحقيق نمو اقتصادي أعلى من دول الاتحاد الأوروبي.