تعد مدينة خانتي مانسيسك التي لا يتعدى عدد سكانها 100 ألف نسمة في سيبيريا العاصمة الفعلية لصناعة النفط والغاز في روسيا. إذ توجد بهذه المدينة الواقعة في غربي سيبيريا مئات الآبار النفطية من بين 200000 بئر بترولية بروسيا، حسب بيانات "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي. وتغذي هذه الآبار بما توفره من فرص توظيف وإنعاش للعقارات والمطاعم وخدمات الترفيه مدينة خانتي مانسيسك بنحو 80% من ميزانيتها. ولكن هذه المدينة ربما تعاني في المستقبل بسبب الصعوبات التي تواجه صناعة النفط الروسية.
وعلى الرغم من أن روسيا تعد من الدول العظمى في العالم من حيث ثقلها الجيوسياسي والعسكري، إلا أنها لاتزال دولة متواضعة من حيث حجمها الاقتصادي، إذ لا يتجاوز إجمالي الناتج المحلي الروسي 1.7 ترليون دولار، كما أنها غير متقدمة على صعيد الصناعات المدنية مثلما هو الحال في الصين أو الولايات المتحدة والدول الأوروبية، إذ تعتمد روسيا في مكونات الاقتصاد بدرجة رئيسية على دخل الهايدروكربونات، ويشكل النفط والغاز الطبيعي نحو 39% من الميزانية الفدرالية الروسية ونحو 60% من الصادرات.
ويشكك خبراء بقدرة الصناعة النفطية الروسية على الاحتفاظ بقدرتها الإنتاجية الحالية خلال العام المقبل بسبب المتاعب التي تعاني منها الشركات المنتجة للنفط والتداعيات السلبية للسياسة الروسية على قدرتها في التمويل والحصول على التقنيات المتقدمة.
وحسب نشرة "آرغوس" الأميركية المتخصصة في الطاقة، شكك الرئيس التنفيذي لشركة " لوك أويل"، ليونيد فيدون في قدرة روسيا على الحفاظ على مستوى الإنتاج الحالي خلال أبريل/ نيسان المقبل الذي يفوق 11 مليون برميل يومياً. وكان نائب رئيس الوزراء الروسي ووزير الطاقة ألكسندر نوفاك، قد قال إن اتفاق "أوبك +" الذي يزيد الإنتاج شهرياً بنحو 100 ألف برميل يومياً سيعيد البلاد إلى مستوى إنتاجها قبل الجائحة.
وكانت روسيا قد تمكنت من إنتاج 11.7 مليون برميل يومياً في المتوسط في العام 2019. ولكن إنتاج روسيا في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي لم يتجاوز 10 ملايين برميل يومياً إلا بقليل، لدرجة أنها لم تتمكن من إنتاج كمية الزيادة التي منحتها لها "أوبك+" البالغة 100 ألف برميل يومياً وفقاً للاتفاق الجاري تنفيذه بين دول التحالف النفطي. وحسب بيانات نشرة "ستاندرد آند بوورز غلوبال" في 17 ديسمبر/ كانون الثاني الجاري لم تتمكن روسيا إلا من إنتاج 40 ألف برميل يومياً من الحصة الإضافية البالغة 100 ألف برميل.
ولكن رغم التصريحات المتفائلة الصادرة من وزارة النفط الروسية، فإن موسكو تواجه ثلاث عقبات في تطوير صناعتها النفطية خلال العام المقبل، أولى هذه العقبات هي عدم وجود الاستثمارات الكافية محلياً وعدم قدرتها على جمع استثمارات من أسواق المال الغربية بسبب التوتر السياسي الجاري مع الدول الغربية وحشودها العسكرية على حدود أوكرانيا. وثانيا، لا تملك روسيا التقنيات المتقدمة التي تملكها الشركات الغربية لزيادة الإنتاج في مناطق الثلوج الكثيفة في سيبيريا، وهي المناطق التي توجد بها معظم احتياطاتها من النفط والغاز الطبيعي. وثالثها الكلفة العالية لإنتاج البرميل وارتفاع الضرائب الفدرالية على شركات النفط التي تصل إلى 10 دولارات على البرميل.
وعلى الصعيد السياسي تتخوف روسيا من نجاح الاتفاق النووي الإيراني على أسواقها الرئيسية في آسيا، لأن إيران في حال نجاح هذا الاتفاق فإن الحظر على صادرات الطاقة الإيرانية سيٌرفع، وبالتأكيد فإن طهران ستأخذ جزءاً من صادراتها للسوق الصينية وربما الهندية.
وتصدر روسيا حالياً نحو 1.7 مليون برميل يومياً للسوق الصيني كما بحثت شركة روسنفت خلال زيارة الرئيس فلاديمير بوتين الأخيرة للهند زيادة حجم الصادرات للمصافي الهندية. يضاف إلى ذلك تخوف الشركات الروسية من تسريع مشاريع الطاقة النظيفة في أوروبا التي تعد من أهم الأسواق لمشتقاتها البترولية، حيث تملك الشركات الروسية مجموعة من المصافي البترولية.
وحسب بيانات أوروبية، تملك الشركات الروسية مصفاة "إيساب" في جزيرة صقلية التي تبلغ طاقتها التشغيلية 320 ألف برميل من المشتقات يومياً ومصفاة في رومانيا تبلغ طاقتها 50 ألف برميل يومياً ومصفاة ببلغاريا تبلغ طاقتها 140 ألف برميل يومياً، كما تملك حصة 45% في مصفاة" فلشينغ" الهولندية التي تبلغ طاقتها 140 ألف برميل يومياً. وذلك حسب بيانات نشرة " أس آند بي غلوبال إنتيليجنس" الأميركية في الأسبوع الماضي.
في ذات الشأن، يرى الرئيس التنفيذي لشركة "لوك أويل"، ليونيد فيدون، أن المشكلة التي تواجهها شركات النفط الروسية حالياً، هي الكلفة المرتفعة للإنتاج، ويقول: "هنالك احتياطي متوفر بالبلاد ولكن تطويره مكلف".
وحسب بيانات شركة "آي إتش ماركت" الأميركية فإن كلفة إنتاج البرميل في روسيا تواصل الارتفاع خلال السنوات الأخيرة. إذ بينما بلغ سعر الخام الروسي من نوعية أورال في نوفمبر/ تشرين الأول في المتوسط نحو 79.7 دولارا، فإن كلفة إنتاج البرميل تراوحت بين 42 دولاراً للحقول البرية و44 دولاراً للحقول البحرية. ويرى فيدون في لقاء مع نشرة "أرغوس" الأميركية، أن "إنتاج النفط الروسي سيواجه مرحلة من الركود خلال الشهور المقبلة ثم سيواصل التراجع في العام المقبل".