جرس إنذار اقتصادي دقته إحصاءات حديثة لمعهد الشرق الأوسط (MEI) وشركة ستاتيستا الألمانية، المتخصصة في بيانات السوق والمستهلكين، بشأن احتياطيات النفط والغاز المتاحة بدول مجلس التعاون الخليجي والمدة التي تغطي فيها إنتاج تلك الدول، ما أعاد التنبيه إلى ضرورة الاهتمام بسياسات تحول الطاقة بالدول الست.
وتشير أرقام الاحتياطيات المتاحة، حسب إحصاء أجراه معهد الشرق الأوسط مطلع مارس/آذار الجاري، إلى أن الإنتاج في دول الخليج العربية سيستمر في الوصول إلى احتياطيات النفط والغاز لفترة تتراوح بين 20 و100 عام، ما يؤشر إلى أن متوسط تلك الاحتياطيات لن يتخطى 30 عاما قادمة على الأرجح.
ووفق آخر إحصاء أجراه موقع "إنفستوبيديا" الاقتصادي الأميركي، منتصف العام الماضي، فإن السعودية تملك 16% من احتياطيات النفط المثبتة في العالم وهي أكبر دولة في مجلس التعاون الخليجي من حيث حجم الاحتياطيات، لكن كثافتها السكانية لا تجعل تلك الاحتياطيات كافية لتغطية فترة أطول من باقي دول الخليج.
واحتياطيات السعودية من النفط تكفي مدة 63 عاما، فيما تكفي احتياطيات الغاز 55 عاما، حسب إحصاء معهد الشرق الأوسط، بينما تكفي احتياطيات النفط إنتاج الإمارات لمدة 65 عاما، والغاز 90 عاما.
وتمتد احتياطيات ثروة الغاز في البحرين لـ15 عاما فقط، بينما تمتد احتياطيات الثروة ذاتها في الكويت إلى 95 عاما.
ولم يقدم معهد الشرق الأوسط إحصاء لحجم احتياطيات النفط بالبحرين، بينما أورد إحصاء بكفاية احتياطيات النفط في الكويت مدة 90 عاما.
وتكفي احتياطيات الغاز في سلطنة عمان مدة 17 عاما وفي قطر مدة 120 عاما، بينما تكفي احتياطيات النفط في عمان 19 عاما فقط، وفي قطر 62 عاما، بحسب الإحصاء ذاته.
ويرى الخبير الاقتصادي، والأستاذ بالجامعات الأميركية، مصطفى شاهين، أن أرقام احتياطيات النفط والغاز بدول الخليج تعطي آفاقا للنمو الاقتصادي بدول مجلس التعاون الست، على الأقل في الأجل المتوسط، حسبما صرح لـ "العربي الجديد".
ويشير شاهين، في هذا الصدد، إلى اتجاه في أوروبا وأميركا لإلغاء وجود السيارات العاملة بالوقود الأحفوري بحلول عام 2035، لصالح استخدام السيارات الكهربائية، لكن هذا لا يعني الاستغناء الكامل عن ثروة النفط والغاز، إذ سيظل الاحتياج الغربي للغاز الطبيعي تحديدا قائما كمصدر للتدفئة.
ولذا فإن الاحتياطيات التي رصدها معهد الشرق الأوسط تؤشر إلى آفاق تنموية جيدة لدول الخليج العربية في المجمل، إذ من المتوقع أن تدر ثروة النفط والغاز دخلا مرتفعا للغاية بما يوفر التمويل اللازم لمشروعات التنمية بدول المنطقة، حسب شاهين.
وفي السياق، يلفت الخبير الاقتصادي، محمد الناير، إلى التباين في حجم الاحتياطيات وعدد السنوات التي سيغطيها إنتاج دول مجلس التعاون الخليجي، مشيرا إلى أن قراءة متوسطات تلك المدد يؤشر إلى أن العام 2050 هو السقف الأخير للاعتماد الخليجي على ثروة الوقود الأحفوري.
ويوضح الناير، لـ "العربي الجديد"، أن التوقعات بشأن عدم استمرار الاعتماد على النفط كوقود عالميا أكبر من الغاز، باعتبار أن آفاق الأخير للاستخدام في التدفئة لاتزال قائمة، ومستمرة لسنوات أطول على الأرجح.
ولذا يتوقع الناير أن يمتد استخدام الغاز الطبيعي في دول الخليج إلى المعدلات المذكورة في تقرير معهد الشرق الأوسط، لكنه يستبعد استخدام النفط حتى نهاية فترة غطاء الاحتياطيات، المذكورة في تقرير المعهد.
تمتد احتياطيات ثروة الغاز في البحرين لـ15 عاما فقط، بينما تمتد احتياطيات الثروة ذاتها في الكويت إلى 95 عاما
فحتى عام 2050، من المتوقع أن يصل التحول العالمي في الاعتماد على "الوقود" الأحفوري إلى معدل صفري، ولذا يشير الناير إلى أن عديد الدول حول العالم بدأت في هذا التحول بالفعل، ومنها البرازيل، التي بلغت نسبة السيارات ذات المحرك المرن، الذي يتعامل مع مصادر الطاقة النظيفة، بها نحو 80%.
وإزاء ذلك، فإن دول الخليج العربي أمام تحد يتمثل في ضخ استثمارات كبيرة بمجال التحول الطاقوي، والاستغناء التدريجي عن الوقود الأحفوري لصالح استخدام أنوع الوقود النظيفة، مثل الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، وهي الاستثمارات التي يمكن توفير تمويلها من عائدات ثروة النفط والغاز نفسها، بحسب الناير.
لكن تقرير معهد الشرق الأوسط يورد أن قيمة الاحتياج الاستثماري لهكذا تحول حتى عام 2030 تتراوح بين 2 و4 تريليونات دولار، فيما تمول دول الخليج العربي مجتمعة استثمارات تحول الطاقة بمعدل سنوي يجمع نحو 755 مليار دولار فقط حتى عام 2030، ما يعني أن الدول الست لا تسير بالمعدل المطلوب نحو مستقبل اقتصادي متنوع.
ويؤكد الناير أن هكذا استثمار سيكون مربحا لدول الخليج أيا كانت تكلفته، لأنه سيعوضها مستقبلا عن عوائد بيع الوقود الأحفوري عبر تنمية الصناعات الخاصة بأنواع الوقود النظيفة والقطاعات الصناعية غير النفطية.
ويخلص الناير إلى أن دول مجلس التعاون عليها مسؤولية كبيرة في عملية تحول الطاقة العالمية، باعتبارها غنية بعائدات الوقود الأحفوري، التي يجب أن تستغل في التحول نحو الطاقة النظيفة في المستقبل، إضافة إلى كونها الدول الأكثر مسؤولية عن التبعات البيئية لآثار الانبعاثات الكربونية حول العالم.