مصر وسد النهضة...الضغط من باب الممولين

28 يونيو 2020
الأطراف المتنازعة تلجأ إلى مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي (Getty)
+ الخط -



نجحت إثيوبيا، إلى حد الآن، في فرض كلمتها وقرارها على الجميع في ملف سد النهضة، وعبر مفاوضات اتسمت بالمراوغة والتسويف واستمرت سنوات نجحت أديس أبابا في الاقتراب من بناء أعمال ومنشآت السد، تمهيداً لحجز كميات ضخمة من مياه النيل التي تصل إلى مصر والسودان.

وقبلها نجحت إثيوبيا في جمع مليارات الدولارات من الخارج والداخل لتمويل إقامة سد النهضة البالغة تكلفته نحو 4.8 مليارات دولار، ارتفعت بعد ذلك إلى 6 مليارات بسبب تأخر التنفيذ وعمليات فساد شابت المشروع، بل وحددت موعداً للبدء في ملء خزان السد خلال أسبوعين من الآن.

في المقابل خسرت مصر والسودان حتى الآن جولات المفاوضات المتعددة والمتعثرة، ولم يحصدا أي ثمار تذكر خلال مفاوضات استمرت سنوات، وهو ما دفع القاهرة إلى الاستنجاد بمجلس الأمن الذي يعقد جلسة غدا الاثنين لبحث الطلب المصري بعودة أديس أبابا إلى استئناف المفاوضات، وعدم اتخاذ قرار أحادي بملء خزان السد خلال أيام حسب اعلان أكثر من مسؤول إثيوبي، والاتفاق على تحديد سنوات الملء، خاصة في فترات الجفاف، كما استنجدت القاهرة والخرطوم بالاتحاد الأفريقي الذي شكل لجنة لبحث الخلافات بين الدول الثلاث، على أن تتخذ قرارا خلال أسبوعين.

ومع التعنت الإثيوبي واستمرار مراوغة أديس أبابا، والرهان الضعيف على مجلس الأمن في حسم الخلافات، وفشل جولات المفاوضات المتتالية، و"طول حبال" محكمة العدل الدولية في حسم الخلاف لو تم اللجوء إليها، تظل خيارات القاهرة لوقف الأضرار الكبيرة بحصة البلاد المائية محدودة مع قرب اكتمال بناء السد وملء الخزان، وقد يكون اللجوء إلى الخيار العسكري من قبل مصر، المتضرر الأكبر من السد، أمراً مستبعدا لاعتبارات كثيرة، ولذا فإن على القاهرة البحث عن حل أخر.

وقد يكون اللجوء إلى باب كبار ممولي سد النهضة وطرقه بسرعة أحد الخيارات المطروحة أمام القاهرة للضغط على أديس أبابا، خاصة وأنه بنظرة سريعة على أسماء هؤلاء الممولين نجد أنهم من أبرز الداعمين الإقليميين والدوليين للحكومة المصرية الحالية، خذ مثلاً أسماء مثل الإمارات والسعودية والصين وألمانيا وإيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة وإسرائيل والبنك الدولي وغيرها.

الإمارات مثلا أحد أبرز الداعمين الحاليين لإثيوبيا واقتصادها وبنكها المركزي وعملتها الوطنية والعمالة بها، ففي شهر يونيو/ حزيران 2018 أعلنت أديس أبابا عن تقديم الإمارات 3 مليارات دولار كمساعدات واستثمارات لإثيوبيا، منها مليار دولار تم إيداعها في البنك المركزي الإثيوبي لتخفيف النقص الحاد في العملة الأجنبية ووقف تهاوي العملة.

وهذه الأموال وفرت لأديس أبابا السيولة النقدية لاستيراد احتياجات السد من توربينات ومعدات كهربائية وإسمنت وحديد وغيرها. كما شاركت شركات إماراتية في بناء سد النهضة رغم ما يمثله من مخاطر كبيرة على مستقبل مصر وتعطيش شعبها.

ويعد الملياردير السعودي رجل الأعمال محمد حسين العمودي أكبر ممول لسد النهضة، وأول الداعمين له، إذ تبرع بنحو 90 مليون دولار للحكومة الإثيوبية لصالح بناء السد في شهر سبتمبر 2011، كما يعد العمودي من أكبر المستثمرين الأجانب في أديس أبابا، ويمتلك 3 شركات تعمل في العاصمة بعضها يشارك في تشييد السد.

كذلك تعد الصين من أبرز ممولي سد النهضة، بل وتشارك بنوكها وشركاتها في توفير التمويل واستكمال بناء محطة التوليد بالسد، والمشاركة في أعمال الإنشاءات والمقاولات.

البنوك الصينية وفرت مثلاً 1.8 مليار دولار لتمويل شراء التوربينات والمعدات الكهربائية المرتبطة بالسد. كما خصص بنك الاستيراد والتصدير الصيني التابع للدولة مليار دولار للمساهمة في بناء خطوط النقل المؤدية إلى سد النهضة، وتشييد الخدمات اللازمة لعمليات إقامة مبنى السد.

وقدمت الصين قروضاً لإثيوبيا تقدر بأكثر من 13 مليار دولار في الفترة ما بين عامي 2000 و2017، وهو ما وفر سيولة نقدية ضخمة لاستيراد احتياجات السد من مواد بناء ومعدات كهربائية وغيرها.

ويتكرر الأمر مع شركات إيطالية وألمانية وفرنسية وأميركية تتولى أعمال الهندسة المدنية والبنية التحتية وإنشاء المحطات الكهرومائية المتعلقة بسد النهضة، وهناك شركة رافيل الإسرائيلية التي تعاقدت معها حكومة آبي أحمد لتزويدها بمنظومة الصواريخ الدفاعية Spyder-MR لتأمين جسم السد، والمنطقة المحيطة به من أي هجمات جوية أو صاروخية.

وإضافة إلى شركة "رافيل"، فإن إثيوبيا تعاقدت مع شركات إسرائيلية أخرى متخصصة في تأسيس قواعد البيانات والاتصالات، بغرض تأسيس الشبكات الخاصة بالسد.

إذا كانت مصر تمتلك علاقات قوية بكل هؤلاء الممولين والداعمين لسد النهضة، فلماذا لا تستغل مثل هذه العلاقات في الضغط على إثيوبيا وإجبارها على عدم الإضرار بحقوقها التاريخية في مياه النيل؟

المساهمون