حوالي أربعة أشهر مضت على نزوح محمود معمار من مدينة معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي، شمالي غرب سورية، والذي يقيم مع عائلته في مخيم سيئ التخديم شمالي المحافظة، لكن كان لا بد له من التأقلم مع واقعه الحالي رغم مشقة الأمر، وأن يبدأ في البحث عن عمل في مجال البناء، وهي المهنة التي يتقنها.
من الصعوبة إيجاد فرصة عمل (حتى بالمياومة)، مع الاكتظاظ السكاني وانتشار البطالة، جراء حركات النزوح التي شهدها العام الماضي وبداية هذا العام من شمالي حماه وغربها، وجنوبي حلب وغربها، وجنوبي إدلب وشرقها، نحو وسط وشمال محافظة إدلب، والتي قدرت بحوالي 1.7 مليون نازح.
لكن الأصعب هو فقدان المردود اليومي لقيمته بالليرة السورية بعد تدهور الأخيرة أمام الدولار الأميركي، ما جعل الوضع المعيشي للعمال والمياومين سيئاً، ولا سيما في الفترة الأخيرة، التي تشهد هبوطاً ساعياً وليس يومياً فحسب في قيمة الليرة.
يقول معمار في حديثه مع "العربي الجديد" إن أُجرته اليومية لا تتجاوز 2000 ليرة سورية، رغم أن عمله مصنف ضمن الأعمال الشاقة والقاسية، وبهذه الأجرة عليه تأمين الطعام والوقود والمياه ومستلزمات النظافة وغيرها من حوائج الاستعمال اليومي، في وقتٍ وصل فيه سعر ربطة الخبز إلى 500 ليرة، وأصغر عائلة تحتاج لربطتين في اليوم.
وهبوط سعر صرف العملة السورية التي وصلت إلى أكثر من 1800 ليرة سورية مقابل الدولار، يعني أن أجرة محمود اليومية، باتت لا تتجاوز الدولار وربعا تقريبا.
وفي نفس السياق، يعاني عمار النجار، وهو صاحب ورشة لنجارة الباطون، من المشكلة ذاتها مع الآلاف من العمال السوريين، رغم أن معاناته ربما تكون أقل وطأة من العامل المياوم (اليومية)، إذ قال لـ "العربي الجديد": "باعتباري صاحب ورشة، فعليّ أن اشتري كل المواد الأولية ومستلزمات العمل بالدولار، حتى لو كانت حفنة مسامير، فيما أقبض من الزبائن بالليرة، وأعلم تماماً أن العمال في ورشتي لا يستطيعون تأمين مستلزمات معيشتهم بالكامل جراء المردود الذي يتقاضونه، بسبب سعر الصرف المتهاوي، لكن أنا متضرر مثلهم كوني أقبض بالليرة".
ويشير النجار إلى أنه يعطي العامل العادي لديه 2500 ليرة (حوالي دولار ونصف) في اليوم، أما العامل المتمرس فيقبض 3000 ليرة (أقل من دولارين) عن كل يوم عمل، مع إدراكه أن هذا المبلغ لا يكفيهم مع موجة الغلاء الكبيرة بسبب تدني سعر الصرف.
ويرى برهان سرجاوي، وهو صاحب ورشة للحدادة وتسوية المعادن في بلدة سرمدا الحدودية مع تركيا، أن هذا الوضع يحتاج إلى حل سريع، تفادياً لكارثة معيشية ربما تلحق بشريحة واسعة من العمال مع عائلاتهم، بسبب انخفاض أجورهم وقيمتها الشرائية في السوق.
وأشار في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنه كان يعطي العامل لديه 35 ألف ليرة في الأسبوعين الماضيين، لكن هذا الأسبوع رفع الأجرة إلى 40 ألف ليرة، نتيجة استمرار انخفاض قيمة الليرة السورية.
وأضاف: "أقدر قيمة 25 دولار في الأسبوع للعامل وأعطيه مقابلها بالليرة، فمهنتنا شاقة، وتتطلب دفع أجور أعلى من باقي المهن، ورغم ذلك فإن الأوضاع سيئة من الجانب المعيشي على العمال".
ويتقاضى العامل في ورشة برهان، ما يوازي حوالي 100 دولار في الشهر، في حين تحتاج العائلة إلى حوالي 275 دولاراً لتعيش بالحد الأدنى شمال غرب سورية، أما الكارثة فتكمن بالمهن الأخرى، حيث لا يتجاوز مردود العامل شهرياً 80 ألف ليرة سورية كمعدل وسطي، ما يعادل 60 دولارا تقريباً.
وفي استطلاع أجرته "العربي الجديد" بين عدد من العمال في إدلب وشمال غرب سورية، وجدنا أن متوسط الأجر اليومي للعمال، هذا في حال العمل، يصل إلى حوالي 2400 ليرة سورية، ما يعادل دولاراً ونصف دولار.
ويتفق العمال، على أن الحل يكمن بالاعتماد على الدولار في التعامل التجاري وعمليات البيع والشراء الصغيرة والكبيرة، أو أي عملة بديلة كالليرة التركية مثلاً، التي يعد تداولها في المركز الثالث شمالي سورية بين ريفي حلب وإدلب، بعد الليرة السورية والدولار الأميركي، وذلك نظراً لما يسببه التعامل بالليرة السورية من خسائر على التجار وأصحاب المصالح المتوسطة والصغيرة، وكوارث معيشية على العمال المياومين.
ومن هنا يضع محمد أبو عبدو تجربته مع شريحة واسعة من عمال مهنة خياطة الفراء في إدلب، الذين لجأوا منذ العام الثاني لاندلاع الثورة وبداية تقلب سعر الصرف إلى اعتماد قبض أجورهم بالدولار، واستمر ذلك إلى اليوم، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "أصحاب والورشات ورأس المال، لم يوافقوا بداية الأمر على هذا الطرح، إلى أن أجبرناهم بتضامن جميع العمال، وساعدنا في ذلك أن مهنتنا لا يتوفر فيها العنصر البشري الكثير الذي يملك الخبرة، وهي أساساً موسمية"
وأضاف: لذلك رضخ أصحاب الورشات وما زلنا منذ ذلك الوقت نقبض بالدولار إلى اليوم، فنحن أرحنا بالنا من موضوع انهيار سعر الصرف، وحق العمال جميعاً أن يقبضوا أجورهم بعملة مستقرة".
ويرى تمام بارودي، رئيس "المنتدى الاقتصادي السوري" ومقره تركيا، أن "انهيار قيمة أجور العمال السوريين سواء في مناطق النظام أو تلك الخارجة عن سيطرته أمر طبيعي جداً، كونهم لا يزالون يتعاملون بالليرة السورية وهي مرتبطة بالعملات الأخرى، نتيجة الاستيراد وعمليات شراء السلع الخارجية، وليس العمال فقط من فقدوا قيمة أجورهم، فحتى موظفو الدولة فقدوا قيمة رواتبهم في مناطق النظام، حيث لم تعد تكفي لثمن الخبز، وهي من الأساس وقبل هذا الانهيار، لم تكن تسد الرمق إلا بالكاد".
وعلى سبيل الحلول وإيجاد البدائل أشار بارودي في حديثه لـ "العربي الجديد" إلى أنه "في عام 2013 طُرحت فكرة التعامل بعملة بديلة عن الليرة السورية في المناطق المحررة أو الخارجة عن سيطرة النظام، ونحن في المنتدى الاقتصادي رفضناً هذه الفكرة بشكل قاطع، لأننا كنا نريد ألا ينهار اقتصاد البلد، أما الآن فالأمور اختلفت فالاقتصاد السوري أصبح عبارة عن صناديق تتبع لأثرياء الحرب، الذين يكلفهم النظام لاستيراد بعض المواد التي يحتاجها".
ونصح البارودي بأنه "على الناس أن يلجؤوا للتعامل بالدولار أو العملة التركية لا سيما في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام كون أغلب السلع والمواد تدخل إلى هذه المناطق من تركيا".
وتوقع البارودي أن يصل سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار إلى ثلاثة آلاف خلال وقت قريب.