بينما يواصل الحوثيون حملتهم في مصادرة ومنع تداول العملة المطبوعة من قبل البنك المركزي في عدن، الخاضع لسلطة الحكومة الشرعية، ردت الحكومة بتعليق صرف رواتب الموظفين المدنيين في خمس جهات حكومية عاملة في مناطق سيطرة الحوثيين تُصرف رواتبهم منذ 2017، بالإضافة إلى تجميد أي ترتيبات لحل أزمة الرواتب المتوقفة لقطاعات كثيرة منذ سبتمبر/أيلول 2016.
ودأبت الحكومة بانتظام على صرف رواتب موظفي وزارتي الصحة والعدل والقضاة والجامعات والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، في مناطق سيطرة الحوثيين، والذين يقدّر عددهم بنحو 80 ألف موظف، إضافة إلى ما يقرب من 20 ألف موظف من مختلف المؤسسات الرسمية ممن نزحوا إلى مناطق الحكومة، بعد قرار نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن قبل حوالي أربع سنوات.
وبينما انتظر الموظفون المدنيون في الجهاز الإداري للدولة في صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين قدوم عام 2020 بفارغ الصبر لحل أزمة رواتبهم المتوقفة والتي دخلت عامها الرابع، يحل العام الجديد بتصاعد الأزمة، فيما كانت قد بدأت في الأشهر الماضية ترتيبات لاستئناف صرف الرواتب، عبر إعادة تشغيل فرع البنك المركزي في محافظة الحديدة الساحلية غرب اليمن، تحت إشراف الأمم المتحدة، بغرض إدارة حساب حكومي مشترك لاستيعاب إيرادات الوقود ومختلف الإيرادات في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
ويعيش نحو 600 ألف موظف حكومي، للعام الرابع على التوالي، في معاناة قاسية بسبب توقف مرتباتهم وانقطاع السبل بهم، لعدم وجود أي مصادر دخل أخرى تعينهم على قضاء حوائجهم، إذ يعيلون أسرا يقدر عدد أفرادها بنحو 5 ملايين فرد.
ويقول الموظف في وزارة الأشغال عبد القادر سعيد، إنه يخوض غمار حياة شاقة منذ توقف راتبه في 2016، الأمر الذي اضطره للخروج إلى الشارع للبحث عن عمل ليعيل أسرته المكونة من 7 أفراد.
ويؤكد سعيد لـ"العربي الجديد"، ضرورة تحييد المؤسسات المالية ومرتبات الناس عن الصراع الدائر، إذ لم يعد مئات الآلاف قادرين على الصمود في ظل وضع قاتم وسوق صعبة وأعمال شحيحة ومصادر دخل منعدمة وعملة منهارة تسببت في ارتفاع أسعار السلع إلى مستوى يفوق قدرات نسبة كبيرة من السكان.
كما لا يشعر الموظف في وزارة الإدارة المحلية حسن عبد الجبار بأي تفاؤل بالعام الجديد، بعد تأزم قضية المرتبات بسبب الصراع الراهن على العملة في البلاد.
ويقول حسن لـ"العربي الجديد" إن المواطن البسيط والموظف الحكومي المغلوب على أمره ضحايا للصراع الدائر الذي يشهده اليمن منذ بداية الحرب، إذ لا يأبه بهم أحد، لا من الحوثيين ولا من الحكومة.
ويعيش اليمن على وقع أزمة خانقة أصابت القطاع التجاري والمصرفي بالشلل التام وعطلت المصالح اليومية للمواطنين، بعد قيام الحوثيين بحملات مكثفة لمنع تداول العملة اليمنية الورقية المطبوعة، ونصب نقاط تفتيش في مداخل المناطق التي يسيطرون عليها لمصادرتها من المواطنين القادمين من المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة.
ويعتبر الحوثيون أن "حيازة النقود المطبوعة يعد إضراراً جسيماً بالاقتصاد الوطني والعملة القانونية والمصلحة الوطنية العليا". بينما يقول البنك المركزي في عدن، إن هناك مخططاً للحوثيين بهدف الاستحواذ على أموال المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، مشددا على أن كافة الأوراق النقدية بجميع فئاتها المتداولة والمصدرة، عملة قانونية ملزمة كوسيلة للدفع في جميع المعاملات الداخلية.
ويقول المعلم أنيس الشوافي، الذي كان يعمل مدرساً في إحدى المدارس الحكومية وأجبرته الظروف المعيشية نتيجة توقف راتبه إلى العمل في أحد أفران الخبز، إنه لا تلوح في الأفق أي مؤشرات للخروج من المحنة التي دخلها اليمن مطلع 2015 وتسببت في أزمة معيشية طاولت جميع المواطنين.
في هذه الأثناء، قال البنك المركزي الخاضع لسلطة الحكومة في عدن، في ثالث بيان له بخصوص أزمة العملة منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول، إن "الإجراءات التي اتخذها الحوثيون بمنع تداول العملة الجديدة تعيق جهود البنك في دفع المرتبات التي تصرف في المناطق غير المحررة".
وقال إن كافة الأوراق النقدية من العملة الوطنية بجميع فئاتها المصدرة والمتداولة، تعتبر عملة قانونية ملزمة حسب قيمتها كوسيلة للدفع في جميع المعاملات الداخلية في اليمن.
في السياق، قالت مصادر مطلعة، إن الحكومة قدمت مبادرة للأمم المتحدة بتخصيص المبالغ المحصلة من الجمارك والضرائب على المشتقات النفطية في مناطق سيطرة الحوثيين لدفع رواتب موظفي القطاع العام هناك.
وحسب هذه المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، كان هناك توافق مع مكتب المبعوث الأممي حول هذا الأمر، لكن إجراءات الحوثيين بمنع تداول العملة، أدت إلى توقف المباحثات التي استهدفت وضع آلية عملية لاستغلال هذه المبالغ لدفع الرواتب.
بدوره، قال مسؤول في اللجنة الاقتصادية الحكومية: "على الحوثيين التوقف عن تعطيل وإعاقة الجهود الرامية إلى حل مشكلة المرتبات العامة، حيث يمنعون التجار من تقديم كامل الوثائق المطلوبة للحصول على تصريح الحكومة، ومحاولات إخفاء إشعارات التوريد النقدي للرسوم الحكومية على بعض الشحنات، والإعلان عن أرقام تقل عن الرصيد الحقيقي لما يجب أن يستخدم في تغطية صرف رواتب المدنيين، إضافة إلى استهدافها الأخير للعملة الوطنية ومصادرتها ومنع تداولها.
وأضاف المسؤول لـ"العربي الجديد" أن "جميع تلك التصرفات تصنف ضمن جرائم إعاقة جهود العمل الإنساني، والانقلاب على الاتفاقات التي تمت برعاية المبعوث الدولي".
من جانبها، قالت منسقة مكتب المبعوث الأممي نيكولا ديفيز، إنها مقدرة حجم الإحباط الذي يمر بها الشعب اليمني جراء عدم تنفيذ الشق الاقتصادي في اتفاق استوكهولم والذي يؤدي إلى تفاقم معاناة المواطنين. وأكدت ضرورة احتواء الصعوبات التي تحول دون صرفها، إذ يتم بذل جهود حثيثة أغلبها فنية ولوجستية، وتقريب وجهات النظر بين الأطراف المعنية لرفع المعاناة عن كاهل مئات الآلاف من الموظفين.
وفي مقابل اتهام الحكومة للحوثيين بعرقلة صرف الرواتب للموظفين، قال البنك المركزي في صنعاء، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، إن نظيره في عدن طبع نحو 1.7 تريليون ريال منذ 2015 بحجة دفع الرواتب، بينما 70 في المائة من الموظفين لم يستلموا مرتباتهم منذ عام 2017 حتى اليوم.
ومنذ بداية الحرب الدائرة في اليمن، تم إفراغ البنك المركزي اليمني من احتياطي النقد الأجنبي المقدر بنحو 5 مليارات دولار، وأكثر من تريليون ونصف من العملة الوطنية، بينما فقدت العملة، وفق تقارير رسمية، 150 في المائة من قيمتها.
وأدى انهيار العملة وأزمة السيولة الحادة إلى ارتفاع التضخّم إلى نحو 40 بالمائة، إضافة إلى ارتفاع كلفة سلة الغذاء 60 بالمائة، وزاد متوسط أسعار المواد الغذائية بنحو 150 في المائة.