ويعاني المواطن الليبي منذ سنوات من غلاء يواكب مطالباته المعيشية، تزامناً مع غياب شبه كلي للسيولة النقدية، مضافاً إلى أزمات الحروب التي لا تنتهي، وآخرها الحرب المشتعلة جنوب طرابلس منذ إبريل/ نيسان الماضي، والتي أدت إلى نزوح أكثر من 130 ألف شخص أجبروا على ترك منازلهم.
وعلى طول الطرقات الرئيسية وفي المفترقات في الأحياء الشعبية، لا سيما تاجوراء، تنتشر مئات السرادقات لعرض الأغنام، قريباً من المناطق السكنية، لكن السوق، بحسب عبد الحكيم الأحمر أحد تجار الأغنام، يشهد تراجعاً.
ويحدد الأحمر متوسط سعر الأضحية بألف دينار (الدولار يساوي 1.40 دينار ليبي بسعر الصرف الرسمي و4.14 دنانير ليبية بسعر السوق الموازية).
ويضيف أن "الخروف المحلي يتراوح سعره بين 800 دينار وحتى 2500 دينار، أما الخروف المستورد، لا سيما الإسباني الذي يعتبره الليبيون رديفاً للوطني، فأقل أسعاره 600 دينار".
ويؤكد الأحمر أن أسعار هذا العام تضاعفت بسبب عدم إقبال التجار على استيراد ما يكفي لتغطية الاحتياج بالنسبة للمواطن، ما دفع التجار إلى رفع أسعار الخروف الوطني.
وتوقع وزير الاقتصاد والصناعة بحكومة الوفاق الوطني علي العيساوي أن الأسعار سوف تنخفض خلال الأيام المقبلة.
وقال عبر اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" إن استهلاك ليبيا من الأضاحي يصل إلى 1.4 مليون رأس من الأغنام، مؤكداً استيراد كميات كبيرة للسوق المحلي تغطي نصف احتياجاته إضافة لرؤوس الأغنام المحلية.
ويقول المحلل الاقتصادي أبوبكر الهادي إن أسعار الأضاحي ارتفعت بسبب زيادة الطلب وانخفاض المعروض لتراجع الواردات، إضافة إلى فرض رسوم على مبيعات النقد الأجنبي.
يقول المربي علي المزوغي إن سبب ارتفاع أسعار الأغنام المحلية هو ارتفاع اسعار الأعلاف في الأسواق بسبب رسوم الدولار وكذلك النقل وشح الأمطار، بالإضافة إلى عدم الاهتمام بالمربين من قبل وزارة الصناعة والثروة الحيوانية.
وتُقدّر أعداد الثروة الحيوانية بحوالي 6 ملايين رأس غنم و150 ألف خف من الإبل و45 ألفا من الأبقار، وفقا لإحصاءات حكومية عام 2012.
لكن أم سراج (ربة منزل) ترى أن "الأسباب ذاتها كانت موجودة في الأعوام السابقة"، مؤكدة أن السبب "جشع التجار وغياب الدولة والقانون"، وأكدت أم سراج وهي أرملة وأم لثلاثة أطفال أنها لن تستطيع شراء الأضحية هذا العام.
أما المبروك الغزوي، مواطن من حي فشلوم بطرابلس، فقد قرر صحبة جار له شراء لحم من الجزارة لتعويض أسرته عن الأضحية، وقال "لا يمكن على الإطلاق أن تتحمل ميزانية أسرتي المتواضعة شراء أضحية، ولذا فقد قررت رفقة جيراني شراء اللحم من الجزارة وعمل حفلة شواء جماعية متواضعة لأطفالنا لإشعارهم بفرحة العيد"، مؤكدا أن هذا الخيار بدا منتشرا بين الأسر الليبية لارتفاع الأسعار.
وهو ما يؤكده وائل المنتصر، أحد باعة مستلزمات العيد، ويقول "هناك العديد من المواطنين يقبلون على شراء مستلزمات الشواء أما مستلزمات الذبح والسلخ ففيها تراجع كبير".
ويؤكد الأحمر أن أغلب تجار الأضاحي اعتمدوا منذ أكثر من عامين فكرة البيع بالصكوك المصرفية بسبب غياب السيولة النقدية، وعشرات الشركات المتخصصة في بيع الأضاحي وفرت التسجيل لديها عبر الرسائل النصية أو عبر صفحاتها الرسمية، لكنه يؤكد في ذات الوقت تراجعاً في الإقبال على شراء الأضحية حتى بواسطة الصكوك المصرفية.
وتعلل أم سراج الأمر بـ"فراغ الحساب البنكي"، وقالت "الأمر ليس متربطاً فقط بغياب السيولة فمدخراتي في حسابي استهلكتها أيضا في توفير احتياجات المعيشية اليومية"، مشيرة إلى أن التعامل بالصكوك المصرفية يتم في أغلب المعاملات الخاصة بالمعيشية اليومية.
ورغم نشاط عدد من الجمعيات الأهلية، بل والرسمية أيضاً من بينها صندوق الزكاة بوزارة الأوقاف بطرابلس، في توفير أضاحٍ للأسر ذات الدخل المحدود مجانا، إلا أن الغزوي يؤكد أنه "يرفض أن يكون إقامة هذه الشعيرة بقبول الصدقة"، وقال "لن أجعل ذاكرة أطفالي تختزن قبولي للصدقة يوماً فما نمر به ظرف عارض ومؤقت وسوف أعوض غياب الأضحية هذا العام بغيرها في الأعوام المقبلة".
وتذكر جمعية هناء بلادي الأهلية أنها وزعت ما يزيد عن 1286 أضحية على أسر النازحين في مختلف المناطق، وأكد خالد الشعلالي، أحد مسؤوليها في تصريح صحافي أمس الجمعة، أنها تقوم بالتنسيق مع غيرها من الجمعيات الأهلية لتوسيع رقعة نشاطها لتشمل النازحين من سرت شرقاً وحتى طرابلس غرباً.