حرم الصينيون، هذا الأسبوع، من مشاهدة الحلقة الأخيرة من مسلسل "صراع العروش"، بسبب تضييق الخناق على شركة هواوي، حسب ما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، أمس الأربعاء.
ومع توسع رقعة الحرب التجارية، تزداد الضغوط على بكين، عبر إعلان شركات أميركية في الصين أنها تعتزم نقل مقراتها على خلفية الحرب التجارية بين البلدين. وحسب دراسة نُشرت أمس الأربعاء وأجرتها غرفة التجارة الأميركية في الصين لدى أعضائها، فإن ثلاثة أرباع الشركات أكدت أن الزيادة المتبادلة للرسوم الجمركية على المنتجات الصينية والأميركية كان لها "تأثير سلبي" على أعمالها.
على صعيد الطيران، طلبت شركة الخطوط الجوية "تشاينا ايسترن" الصينية، أمس الأربعاء، تعويضات من شركة بوينغ، على خلفية وقف الطائرة "737-ماكس" وتأخير التسليم، في أعقاب كارثتي تحطم داميتين، وفق ما أكد متحدث باسم الخطوط الصينية. وكانت وكالة أنباء الصين الجديدة قد أفادت بطلب التعويضات في وقت سابق أمس، من دون أن تورد أي تفاصيل مالية أو سواها، كما أكد متحدث باسم "تشاينا ايسترن".
ونقلت الوكالة عن شركة "تشاينا ايسترن" قولها إن "منع بوينغ 737 ماكس-8 من الطيران كبّد الشركة خسائر فادحة لا تزال مستمرة". وقالت إن شركة الخطوط امتنعت عن كشف تفاصيل خطاب المطالبة الذي بعثت به إلى بوينغ.
وأوقفت الشركة الصينية، التي تتخذ من شنغهاي مقرا لها، 14 طائرة من طراز ماكس. ومن المتوقع أن يكون قطاع الطيران قريباً في قلب الحرب التجارية التي تشتعل بين أكبر اقتصادين في العالم، خصوصاً أن هناك صفقات طيران ضخمة أعلنت عنها الصين لشراء طائرات بوينغ.
على الصعيد التقني، وجهت شركة مايكروسوفت الأميركية ضربة أخرى لشركة هواوي، إذ نقلت صحيفة "كوميرسانت" الروسية عن مصادرها قولها إن مايكروسوفت قررت وقف التعاون مع هواوي، وذلك بعدما أوقفت شركات أميركية أخرى التعاون مع عملاق التكنولوجيا الصيني، وفي مقدمتها غوغل.
ونقلت الصحيفة الروسية عن مصدر مطلع أن مايكروسوفت بعثت رسالة في هذا الشأن إلى مكاتبها التمثيلية في مختلف البلدان، بما في ذلك روسيا، كما قالت الرسالة إن التواصل مع هواوي من الآن فصاعداً يجب أن يتم حصراً عبر مقر الشركة الرئيسي.
وستطاول قيود مايكروسوفت قطاعات الإلكترونيات الاستهلاكية والمنتجات المقدمة لقطاع الأعمال، في أجهزة هواوي، التي تستخدم نظام التشغيل ويندوز وبرنامج التخزين هواوي كلاود.
وستطاول قيود مايكروسوفت قطاعات الإلكترونيات الاستهلاكية والمنتجات المقدمة لقطاع الأعمال، في أجهزة هواوي، التي تستخدم نظام التشغيل ويندوز وبرنامج التخزين هواوي كلاود.
وأضافت "كوميرسانت"، أن كلا من مايكروسوفت وهواوي رفضتا التعليق على المسألة، لكن الشركة الأميركية حذفت كمبيوتر هواوي المحمول "MateBook X Pro من متجرها الإلكتروني. وانضمت بذلك مايكروسوفت إلى مجموعة الشركات الأميركية التي أوقفت تعاونها مع هواوي، وأولها غوغل، التي علقت خدمات تحديث أدواتها على أجهزة هواوي الجديدة، وجاء ذلك بعدما تم إدراجها على القائمة السوداء للتجارة في الولايات المتحدة.
وفي لندن، أعلنت مجموعة الاتصالات البريطانية، فودافون، أمس الأربعاء، أنها ستعلق الطلبات المسبقة لهواتف هواوي من الجيل الخامس، وسط جدل حول المعايير الأمنية المتصلة بتجهيزات العملاق الصيني.
وقال متحدث باسم الشركة: "نوقف مؤقتًا الطلبيات المسبقة لجهاز هواوي ميْت 20 اكس في المملكة المتحدة. هذا إجراء مؤقت، في ظل حالة عدم اليقين، فيما يتعلق بأجهزة هواوي 5 جي الجديدة". كما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، أمس، نقلاً عن وثائق داخلية لشركة "آرم" البريطانية، أن الشركة العاملة في تصميم الرقائق قررت تعليق عملها مع هواوي، التزاماً بالقواعد الأميركية.
وقالت الهيئة إن الشركة أصدرت تعليمات لموظفيها بوقف "جميع العقود القائمة واستحقاقات الدعم وأي تعاملات معلقة". وقالت آرم، المملوكة لمجموعة "سوفت بنك" اليابانية، في مذكرة، إن تصميماتها تتضمن تكنولوجيا أميركية المنشأ.
ويسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من خلال خطوة محاصرة هواوي، إلى ضرب التقنية الصينية في الصميم، إذ يعتزم قطع إمدادات الرقائق والمعالجات عن عملاق التكنولوجيا الصيني. لكن وكالة بلومبيرغ تنبه، في تحليل لها الثلاثاء، إلى أن ترامب قد يكون غفل عن أن الصين تعتبر أكبر منتج للعناصر الأرضية النادرة في العالم المهمة في الصناعات التقنية.
وتستخدم هذه العناصر في صناعة النواقل الفائقة، كما تدخل في مكونات البطاريات والمغانط التي تدخل في صناعة السيارات الكهربائية، عدا عن أنها مستخدمة في الإلكترونيات الضوئية.
وتهيمن الصين على إنتاج العناصر النادرة في العالم، إذ أنتجت العام الماضي 70% من هذه العناصر.
وبالتالي من الواضح أن أميركا تعمل على محاصرة التقدم التقني في الصين والتمدد الخارجي لتقنياتها في الخارج. لكن الخبير الاقتصادي تشاد بي براون يرى، في مقال تحليلي بدورية "هارفارد بيزنس رفيو"، أن الولايات المتحدة تحتاج في حربها التجارية والتقنية ضد الصين إلى أصدقاء، وينصح ترامب بتحسين علاقاته مع كل من الكتلة الأوروبية واليابان. وفي حال حدث ذلك، فإن أميركا وأصدقاءها في طوكيو ولندن وبروكسل سيتمكنون بسهولة من خنق التنين الصيني وعرقلة تقدمه التقني.
لكن هناك شكوكا حول ماذا كانت أميركا ستخرج رابحة من الحرب، على الرغم من إيقان ترامب بأن بلاده ستخرج منتصرة في النهاية وستكون البداية للهيمنة الأميركية على النظام المالي والاقتصادي والتقني على العالم.
ويلاحظ أن الإدارة الأميركية بدأت تنفيذ خطة لتعويضات المتضررين من الحرب التجارية. وحسب "فايننشال تايمز" في تقرير أمس، فإن ترامب ينوي صرف تعويضات قيمتها 15 مليار دولار للمزارعين. وتشمل التعويضات دولارين على جوال (شوال) حبوب الصويا و63 سنتا لجوال القمح و4 سنتات لجوال الذرة الشامية. وتعد الصين من كبار مستوردي القمح والحبوب الأميركية.
على صعيد خسائر الاقتصاد العالمي، حذّرت منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، مساء الثلاثاء، من التداعيات السالبة للحرب التجارية، قائلة إنها سوف تكبد العالم خسائر تقدر بنحو 600 مليار دولار خلال العام الجاري، كما أنها سوف تهدد مستقبل النمو العالمي في عامي 2019 و2020.
ودعت المنظمة الاقتصادية الحكومية ومقرها باريس، الاقتصادات الكبرى في العالم، إلى دعم التعاون والحوار متعدد الأطراف. وتوقعت المنظمة في تقديراتها، أن يخسر معدل النمو الاقتصادي العالمي 0.1 نقطة مئوية، ليصل إلى 3.2 في المائة هذا العام، وهذه هي أقل نسبة منذ 2015. ولكنها أبقت معدل النمو لعام 2020 عند 3.4%، على أمل أن تحدث انفراجه في الحرب المشتعلة.
وقال أنجيل غوريا، المدير العام للمنظمة، في افتتاحية منتدى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 2019، الذي عقد قبل يومين في باريس، إن "الاحتكاكات التجارية المتزايدة تزيد الشكوك، وتضطرب بيئة الأعمال ويختنق النمو العالمي".
من جانبه، قال كبير الاقتصاديين في المنظمة لورانس بون إن "الاقتصاد العالمي الهش تزعزع بسبب الاحتكاكات التجارية. النمو يحقق استقراراً، ولكن الاقتصاد ضعيف، وهناك مخاطر خطيرة جدا تلوح في الأفق". وأضاف بون: "تحتاج الحكومات للعمل على نحو أكثر جدية لضمان عودة النمو بشكل أقوى وأكثر استدامة".
ويراهن البيت الأبيض على هزيمة التمدد الصيني، عبر محاصرة مشاريع مبادرة "الحزام والطريق" وحرمان المنتجات الصينية الرخيصة من السوق الأميركي، لكن نقطة التركيز الرئيسية تنصب على خنق التقنية.
ومن هذا المنطلق أصبحت شركة الهواتف العملاقة هواوي هدفاً رئيسياً في الحرب التجارية. ويعتبر ترامب تقنية الجيل الخامس التي تفوقت فيها الشركة الصينية على "آبل"، خطراً حقيقياً على الأمن القومي الأميركي.