تصاعد حمى الاندماجات المصرفية في الخليج على وقع خسائر النفط

09 ابريل 2019
عمليات الاندماج تزيد من ربحية الشركات (Getty)
+ الخط -

من برج خليفة في دبي إلى برج الحمراء في الكويت، أقامت اقتصادات الخليج الغنية بالنفط ناطحات السحاب على عجل في السنوات القليلة التي سبقت الأزمة المالية. الآن، ومع انخفاض سعر النفط، بدأت وتيرة محمومة مماثلة في دمج بعض عمالقة المصارف والشركات الصناعية في المنطقة.

تقود البنوك في جميع أنحاء منطقة الخليج، وفق تقرير لوكالة "بلومبيرغ"، موجة قياسية من عمليات الدمج والاستحواذ في الوقت الذي تبحث فيه الحكومات عن طرق للحفاظ على المنافسة ومحاربة النمو البطيء.

وبدأ تدفق الصفقات يتزايد بسرعة منذ أن بدأ الاندماج الضخم بين اثنين من أكبر البنوك في أبوظبي في عام 2017، وعملية الجمع بين ثلاث شركات استثمار في الإمارة التي تم الانتهاء منها العام الماضي.

في المملكة العربية السعودية، يجري أول اندماج مصرفي منذ 20 عامًا، بالإضافة إلى ما سيكون أكبر صفقة اندماج وشراء في المملكة: الاستحواذ على شركة الصناعات الأساسية السعودية (سابك) من قبل شركة النفط العربية السعودية (أرامكو) السعودية.


ويلفت التقرير إلى أن ذلك يأتي في أعقاب اتفاق الشركة السعودية العالمية للبتروكيميائيات العام الماضي على شراء شركة صحاري للبتروكيميائيات في صفقة شاملة بقيمة حوالي ملياري دولار.

ساعد ارتفاع أسعار النفط على مدار أكثر من عقد من الزمن العديد من دول الخليج، التي تضم أكبر مصدري العالم من الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال، على التوسع بقوة في الداخل والخارج.

بعد انخفاض أسعار النفط الخام في عام 2014، قامت دول بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر بخفض الإنفاق.

على مدار الربع الأول من هذا العام، استقر سعر النفط الخام عند مستوى مرتفع بالكاد يكفي دول الخليج في تحقيق التوازن في ميزانياتها. الحكومات، التي تلعب دوراً هاماً في صنع القرارات المتعلقة بالاندماجات والاستحواذات في المنطقة، ساعدت هذا الهيجان الجديد في الاندماج لجعل القطاع المالي أكثر قدرة على المنافسة. كانت أبوظبي، التي تمتلك 6 في المائة من احتياطيات النفط العالمية، حريصة بشكل خاص على الدمج، وفق "بلومبيرغ".

يقول أليسون وود، محلل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة كونترول ريمكس القابضة المحدودة لـ "بلومبيرغ"، إنه في حين أن انهيار النفط في عام 2014 لم يدفع إلى تكثيف نشاط الاندماج والشراء على الفور، إلا أنه أثار تقييمًا أوسع للإنفاق وربحية الكيانات المملوكة جزئياً وكاملاً من الدولة. كما أنه جعل الحكومات والشركات أكثر توافقًا مع الفوائد المحتملة على المدى الطويل من الاندماج".

لا يوجد أي قطاع في المنطقة لا يتأثر بالنفط. معظم البنوك، على سبيل المثال، تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الودائع الحكومية، التي تضاءلت تزامناً مع تراجع أسعار الخام. كما واجه المقرضون طلبًا ضعيفًا على الائتمان وضعف أداء القروض مع قيام الحكومات بخفض الإنفاق بعد انخفاض النفط.

ومع ذلك، فإن سوق النفط الهابط ليس هو المحرك الوحيد وراء طفرة عمليات الاندماج والشراء هذه. إذ تعاني منطقة الخليج من الإفراط في تأسيس الشركات، حيث تخدم حوالي 70 مؤسسة مدرجة في القائمة عدد سكان يبلغ حوالي 50 مليون نسمة، مما يعرض المقرضين الصغار للضغط، وفق بلومبيرغ.

على سبيل المقارنة التقريبية، لا يوجد سوى حوالي عشرة من البنوك المدرجة في المملكة المتحدة، وهي دولة تضم حوالي 65 مليون شخص. معظم البنوك في الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي مملوكة جزئياً على الأقل من حكوماتها، مما يجعل الدمج أسهل، خصوصاً مع إعادة هيكلة جزء من الخطة الأكبر لدول مجلس التعاون الخليجي لجعل اقتصاداتها أقل اعتماداً على النفط الخام كمصدر للنمو طويل الأجل.

وجمعت أول عملية دمج مصرفي في الإمارات العربية المتحدة في عام 2007 بين بنك الإمارات الدولي وبنك دبي الوطني، حققت الشركة المدموجة، أي بنك الإمارات دبي الوطني أكثر من ثلاثة أضعاف أرباحها منذ ذلك الحين، في حين زاد صافي الدخل بمعدل سنوي مركب قدره 11 في المائة من عام 2008 إلى عام 2018 على الرغم من بعض السنوات المضطربة بعد الأزمة المالية العالمية، بحسب تقرير "بلومبيرغ".

في عام 2017، أنشأ توحيد أكبر بنوك أبو ظبي، بين بنك الخليج الأول وبنك أبو ظبي الوطني، ثاني أكبر بنك في المنطقة، وهو بنك أبو ظبي الأول، ومنذ ذلك الحين أثار موجة من المحادثات بين المنافسين.

بنك أبوظبي التجاري بصدد الاندماج مع بنك الاتحاد الوطني وبنك الهلال. تفكر أبو ظبي في الجمع بين بنك أبو ظبي الإسلامي وبنك أبو ظبي الأول لإنشاء أكبر بنك في الشرق الأوسط، وفقًا لمصادر "بلومبيرغ".

في المملكة العربية السعودية، تقترب الوحدة المحلية التابعة أتش أس بي سي هولدينغ من الاستحواذ على مشروع محلي لمجموعة روايال بنك أوف اسكوتلند في صفقة بقيمة 5 مليارات دولار. في حين أن أكبر بنك في المملكة، البنك التجاري الوطني، بدأ محادثات مبدئية في أواخر العام الماضي مع بنك الرياض للدمج. في البحرين والكويت وعمان، تجري محادثات الاندماج بين البنوك أيضاً.

يقول ريدموند رامسدال، رئيس بنوك دول مجلس التعاون الخليجي في فيتش ريتنجز: "كان العامل المحفز على ما نراه الآن من اندماجات هو تأثير انخفاض أسعار النفط، مما أدى إلى انخفاض السيولة في القطاع المصرفي وممارسة ضغوط على الربحية". 

وبعد كبح جماح طرحها العام الأولي الذي طال انتظاره حتى عام 2021، وافقت أرامكو السعودية الشهر الماضي على شراء 70 في المائة من عملاق البتروكيميائيات سابك من صندوق الاستثمار العام، في صفقة تبلغ قيمتها نحو 70 مليار دولار.

يقول ميغيل أزيفيدو، رئيس قسم الخدمات المصرفية الاستثمارية في سيتي غروب لـ "بلومبيرغ": "نرى على مستوى العالم، وبالتأكيد في المنطقة، السعي لتحقيق أداء أفضل لأن التوقعات تصبح أقل تفاؤلاً". ويضيف: "نرى أيضًا أنه من الممكن أن تتعاون المجموعات الصناعية الكبيرة وربما تشارك في عمليات الاندماج والشراء مع لاعبين استراتيجيين آخرين، دائمًا كأداة لتحسين الأداء في بيئة اقتصادية أكثر تحدياً".

في حين ارتفع سعر النفط بنحو 25 في المائة هذا العام حتى منتصف مارس/ آذار، لا تزال أكبر اقتصادات الخليج بعيدة عن معدلات النمو التي بلغها قبل انهيار النفط عام 2014.  

مواقف المساهمين تجاه عمليات الاندماج والشراء تتغير أيضًا. مع كل صفقة ناجحة، أصبحت الحكومات والشركات أكثر راحة مع فكرة الدمج. 

دلالات
المساهمون