مخاض صعب لموازنة الأردن...الحكومة تخشى الانفجار الشعبي وصندوق النقد

20 أكتوبر 2019
جانب من احتجاجات سابقة ضد زيادة الضرائب (فرانس برس)
+ الخط -

مخاض صعب ينتظر موازنة الأردن للعام المقبل 2020، بخلاف الأعوام السابقة، في ظل تعاظم التحديات التي يمر بها الوضع الاقتصادي وارتفاع متطلبات الإنفاق على أولويات أساسية، بينما تتراجع موارد الدولة.

وفي ظل الصعوبات المالية، يضغط صندوق النقد الدولي، على عمّان من أجل اتخاذ المزيد من إجراءات رفع الأسعار وتقليص الدعم للحد من العجز المالي، بينما يقف على الضفة المقابلة، الشارع الغاضب من الضغوط المعيشية المتواصلة ما ينذر بانفجار الأوضاع.

وقال مسؤول أردني رفيع المستوى في تصريح خاص لـ"العربي الجديد" إن وزارة المالية بدأت العمل على وضع اللبنات والتصورات الأساسية للموازنة، استناداً إلى العديد من الفرضيات والنفقات التي يستحيل الاستغناء عنها، لكن المشكلة الأساسية التي تواجه الحكومة تتمثل في صعوبة تحديد الموقف المالي للعام المقبل.

وأشار المسؤول إلى أن هناك مأزقاً يتعلق بتحديد الإيرادات المتوقعة وإمكانية زيادتها، لا سيما أنه لا يمكن اتخاذ إجراءات جديدة من رفع للضرائب والأسعار نظراً لارتفاع التضخم وحالة الغضب الشعبي على الأوضاع المعيشية واحتقان الشارع إزاء السياسات الحكومية.

وكان الأردن قد شهد في مايو/ أيار من العام الماضي، احتجاجات غير مسبوقة عمت جميع أرجاء البلاد، بسبب ارتفاع الأسعار والضرائب انتهت بإقالة حكومة هاني الملقي.

وقال المسؤول: "رغم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة خلال العامين الماضي والحالي، من رفع للضرائب والأسعار إلا أنها لم تصب الهدف بزيادة الإيرادات المحلية، بل إن بعض البنود شهد انخفاضاً واضحاً، ما أحدث إرباكاً في البرنامج المالي الحكومي".

وكان رئيس الوزراء عمر الرزاز قد أصدر أمراً إلى كافة الوزارات والمؤسسات الحكومية ببدء إعداد موازناتها مع مراعاة تخفيض وترشيد الإنفاق الحكومي من خلال ضبط المشتريات وتخفيض نفقات السفر واختصار التعيينات إلا في الحدود الدنيا والملحة وإعطاء الأولوية لتنفيذ مشاريع ذات أولوية قصوى.

وقرر مجلس الوزراء وقف تنفيذ المشاريع الرأسمالية للفترة المتبقية من العام الحالي، وذلك لتخفيض عجز الموازنة في ضوء عدم دقة تقدير الإيرادات المتحققة من الضرائب والمساعدات الخارجية.

ووفقاً للمسؤول الذي بدا غير متفائل لأداء اقتصاد بلاده خلال العام المقبل، فإن الحكومة تعاني من ضغوط كبيرة، وإضافة إلى الصعوبات التي تواجه إعداد الموازنة، فإن صندوق النقد الدولي ما زال يطالبها بإجراء مزيد من الإصلاحات واتخاذ قرارات صعبة لتخفيض عجز الموازنة ومن ذلك رفع الدعم عن المياه.

وأوضح أن صندوق النقد لم يبدِ تأييداً كافياً للإجراءات التي قامت بها الحكومة من رفع لضريبتي الدخل والمبيعات وإلغاء الدعم عن الخبز وإلغاء تنفيذ المشاريع الرأسمالية وغيرها لأن نتائجها غير كافية من وجهة نظر الصندوق لإنقاذ الوضع الاقتصادي.

وأشار إلى أن الصندوق سيجري مراجعة لأداء الاقتصاد في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، على أساس أن تضع الحكومة أمامه مشاريع إجراءات من المفترض تنفيذها خلال العام المقبل، إلا أنه لفت إلى أن الحكومة تبدي من حيث المبدأ ممانعة للاستجابة لتلك الشروط تفادياً لردود فعل الشارع وانفجار حالة الاحتقان المتزايدة.

كما تتحسب الحكومة للتكلفة المالية العالية التي ستترتب على زيادة رواتب أعضاء النقابات المهنية العاملين في الحكومة ويقدر عددهم بعشرات الآلاف من غير المعلمين في حال الإقدام على استرضائهم، حيث رفعت النقابات توصية مشتركة للحكومة تطالبها برفع العلاوات الفنية لأعضائها بنسبة تصل إلى 50 في المائة، وذلك بعد النتائج التي حققتها نقابة المعلمين مؤخراً.

ونفذ المعلمون إضراباً في سبتمبر/ أيلول الماضي، هو الأطول في تاريخ البلاد، استمر لأربعة أسابيع إلا أن الحكومة استجابت في النهاية لمطالبهم بزيادة الرواتب والموافقة على امتيازات خاصة لهم.

وصرح رئيس الوزراء، في وقت سابق من العام الجاري، بأن نسبة الفقر تبلغ نحو 15.7 بالمائة، بينما شكك خبراء اقتصاد في صحة الأرقام الحكومية، مشيرين إلى أنها أعلى بكثير. وأظهر آخر تقرير لحالة الفقر في الأردن للعام 2010 ارتفاع النسبة إلى 14.4 في المائة، مقارنة بنحو 13.3 في المائة في 2008. وبلغ خط الفقر المطلق (الغذائي وغير الغذائي) حوالي 1100 دولار للفرد سنوياً.

وكانت الحكومة قد اتخذت قرارات صعبة العام الماضي، حيث رفعت نسبة الضريبة على عدد كبير من السلع وأوصلتها إلى الحد الأعلى البالغ 16 في المائة، بعد أن كانت لا تتجاوز 8 في المائة.

كما أجرت تعديلاً على قانون ضريبة الدخل، بدأ تنفيذه بحلول العام الجاري، ليؤدي إلى زيادة الضرائب على الأفراد وتوسيع قاعدة الخاضعين لضريبة الدخل، ورفع الضريبة أيضاً على عدد من القطاعات الاقتصادية.

ورغم هذه الإجراءات التي جاءت بتوصية من صندوق النقد، إلا أن النتائج المالية للاقتصاد الأردني خلال الثلث الأول من العام الحالي، خالفت توقعات الحكومة في موازنتها لعام 2019، مع تسجيل الإيرادات الضريبية انخفاضاً واضحاً، خصوصاً في البند المتعلق بضريبة المبيعات على الخدمات والسلع والتي تشكل غالبية الإيرادات العامة في البلاد.

ويتخوف الشارع الأردني من إقدام الحكومة على مزيد من الإجراءات، ما يؤدي إلى موجات جديدة من الغلاء وتراجع القدرات الشرائية للكثيرين.

وقال رئيس مجلس النقابات المهنية زيد الكيلاني لـ"العربي الجديد " إن النقابات رفعت توصياتها بشأن تعديل العلاوات الفنية لأعضائها بالشكل الذي يضمن زيادتها اعتباراً من بداية العام المقبل، إضافة إلى مقترحات بشأن تعديل نظام الخدمة المدنية.

وكمؤشر على ارتفاع أعباء المعيشة، أظهرت البيانات المالية للبنك المركزي ارتفاع التسهيلات الائتمانية والقروض التي حصل عليها الأردنيون من البنوك ومؤسسات التمويل المحلية وتجاوزت 15 مليار دولار.

وقال حسام عايش الخبير الاقتصادي لـ"العربي الجديد" إنه "في حال إعداد الحكومة موازنة 2020، فإن تمريرها من خلال مجلس النواب سيكون صعباً للغاية، خاصة إذا ما اشتملت على زيادة في الضرائب والرسوم، ذلك أن مجلس النواب سيبدي مقاومة شديدة لكسب قواعده الشعبية، حيث أن مدته الدستورية تشارف على الانتهاء في مايو/ أيار المقبل وبات النواب يستعدون للانتخابات المقبلة التي ستجري العام المقبل".

وأشار عايش إلى مواجهة الدولة مأزقاً مالياً، إلى جانب انخفاض الإيرادات، فالمساعدات الخارجية في تراجع أيضاً ما يتطلب من الحكومة تغيير النمط الاقتصادي المتبع حالياً، لا سيما مع بقاء نسبتها عند مستويات متواضعة تبلغ حوالي 1.9 بالمائة، وبطالة 19.5 بالمائة وفقر يتجاوز 15.5 بالمائة.

ولفت إلى ارتفاع مديونية البلاد بحوالي 2.2 مليار في عهد الحكومة الحالية، أي خلال عام ونصف تقريباً، لتصل إلى حوالي 42 مليار دولار.

المساهمون