شهدت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التونسية في عام 2014 بداية عهد ديمقراطي جديد، وفي أعقاب الموجة الأولى من الربيع العربي، يمكن اعتبار تونس الدولة الوحيدة التي انتقلت بنجاح من حكومة استبدادية إلى حكومة ديمقراطية.
وفي الوقت الذي تستعدّ فيه البلاد لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية ثانية في أكتوبر 2019، سيلعب كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة دوراً لا يستهان به في تسيير دفة الانتقال الديمقراطي في تونس لاسيَّما بعد الهجمات الانتحارية الأخيرة التي هزّت تونس ولطَّخت صفحة السياحة بها في وقت تعاني فيه الحكومة بالفعل من قيود اقتصادية ومالية وتهديدات أمنية تزعزع استقرارها.
ويكتسي قطاع السياحة في تونس أهمية جدّ بالغة لكونه قطاعا كثيف العمالة ويحتاج إلى توظيف عدد كبير من الموظفين لتقديم خدماته، كما أنّه يوفِّر فرص عمل مهمة للخريجين الجدد، ويساهم بشكل فعّال في إدماج الشباب في سوق العمل، ولكن تبقى قدرة السياحة على دفع الاقتصاد وتوليد الوظائف رهينة مستوى الأمن والاستقرار في تونس.
ومن الجدير بالذكر أنّ الدول الغربية غير مهتمة بتحقيق الانتقال الديمقراطي لفائدة تونس واقتصادها ومواطنيها بل نزولاً عند رغبة المواطنين الأوروبيين والأميركيين القلقين من الهجمات الإرهابية والمهاجرين غير الشرعيين، فقد ارتفع عدد المهاجرين التونسيين غير الشرعيين مباشرة بعد إطاحة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ليصل إلى ما بين 20 و25 ألف مهاجر في نوفمبر 2016، لذلك ووفقاً للحكمة الترامبية ينبغي عليهم أن يدفعوا المال ويساهموا في مكافحة الإرهاب في تونس.
نجح الجيش التونسي والأجهزة الأمنية في تحييد قادة الجماعات الإرهابية مثل كتيبة عقبة بن نافع التابعة لتنظيم القاعدة في المغرب العربي وجند الخلافة التابع لتنظيم داعش، ولكن بالرغم من ذلك استمرَّت الجماعات النائمة والهجمات الإرهابية في ضرب مناطق مختلفة في تونس، لا سيّما الوجهات السياحية المهمة، فقد وقع هجومان إرهابيان منسقان في 27 يونيو 2019 في أحد الشوارع الأكثر شعبية للسياح.
وللأسف الهجمات الإرهابية التي تستهدف السياح ليست بالأمر الجديد، فقد وقعت هجمات مماثلة في 2015 و2018 نتيجة استمرار تصميم الإرهابيين على ضرب المواقع الاستراتيجية للاقتصاد التونسي، ومن غير المرجح أن تتوقف هذه الأنواع من الهجمات المستهدفة في أيّ وقت قريب، ففي مقطع فيديو حديث لتنظيم الدولة في مدينة القيروان، والذي تمّت مشاركته على إحدى قنوات تيليغرام الخاصة بهم، استمرّ المسلحون في التركيز على تجنيد المزيد من الأشخاص وتعهَّدوا باستهداف السياح الأجانب في تونس مما يزيد من تفاقم الأزمة الأمنية والاقتصادية الحالية في البلاد.
ساهم قطاع السياحة في تونس قبل أحداث الربيع العربي بنسبة 21% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وعلى الرغم من انخفاض تلك المساهمة إلى 15.9% بعد إطاحة بن علي، إلاّ أنّها ارتفعت مجدداً إلى نحو 18% من 2012 إلى 2014. وبعد ذلك الاتجاه الإيجابي الذي جاء بعد عناءٍ طويل تراجعت مساهمة السياحة مرّة أخرى إلى 14.3% في 2015 بعد الهجمات الإرهابية على مدينة سوسة ومتحف باردو، وفي نفس العام، انخفض دخل الفرد في تونس من 4160 دولارا إلى مستوى ما قبل عام 2007 والمتمثل في 3500 دولار، أي بانخفاض 19%.
وتعتبر بطالة الشباب في تونس حالياً مشكلة حادّة، حيث تشير الإحصائيات إلى أنّ شخصا واحدا من بين كل ثلاثة شباب في الريف وواحدا من كل خمسة رجال في المناطق الحضرية عاطلون عن العمل.
كما بلغت نسبة البطالة بين الخريجين والشباب 30% و35% على التوالي في 2018، وبطبيعة الحال ستقوض الهجمات الإرهابية والتهديدات الأمنية قدرة قطاع السياحة على استيعاب هذه الفئة من الشباب والخريجين الجدد. ولا يمكن إنكار دور عجز السياسات الحكومية الهشّة في مفاقمة ذلك التدهور، فقد وصلت الحكومة التي عانت من عجز في الميزانية منذ 2011 إلى مستوى خطير من الديون بلغ حوالي 70% من الناتج المحلي الإجمالي في 2018.
وكالعادة لم يتأخَّر صندوق النقد الدولي في إبداء موافقته على مساعدة تونس مقابل تكبيلها وإجبارها على إجراء إصلاحات هيكلية تمس التوظيف، التقاعد المبكر، تجميد الأجور في القطاع العام، ضريبة القيمة المضافة وضرائب الاستهلاك غير المرغوب فيها والتي تستهدف الفقراء في أغلب الأحيان، وكأنّ هذه الإصلاحات الهيكلية جاءت لتزيد الطين بلة وليس للإصلاح نظراً لتجاهلها الوضع الانتقالي الذي تعيشه تونس وتهديد استقرارها، وكما هو معلوم، لا يمكن تحقيق الانتقال الديمقراطي في ظلّ التقشُّف، حيث تشير جلّ الأبحاث المنجزة في هذا السياق إلى أنّ الديمقراطية تكون أكثر هشاشة في البلدان التي يكون فيها دخل الفرد راكداً أو مستمرّاً في الانخفاض.
لا يمكن تجاهل دور الغرب في صناعة الإرهاب في العالم، فقد طوّروا فيروساً لضرب الشرق الأوسط، ولكنّه انقلب عليهم نظراً لاستحالة التحكُّم في كل العوامل بدقة متناهية.
لذلك فمن مصلحة الدول الغربية، خاصّة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة المساهمة في مكافحة الإرهاب والتطرُّف في تونس والحدّ من انتشار وباء تصدير الإرهاب عبر قناة الهجرة غير الشرعية.
ولطالما عبَّر صناع القرار في الدول الغربية عن مخاوفهم الأمنية الناتجة عن عدم قدرتهم على اكتشاف جميع المهاجرين غير الشرعيين القادمين من تونس ودول المغرب العربي الأخرى، ولا سيَّما أنّ حالة تأهب الغرب للهجمات الإرهابية المحتملة لا تزال مرتفعة ومكلفة.
وبالتالي، يتعين على الاتحاد الأوروبي وحليفه في الناتو، الولايات المتحدة، تحديث معدات الاستخبارات للأجهزة الأمنية التونسية من أجل الكشف المبكر عن الهجمات المحتملة التي يصل صداها وتأثيرها إلى الشعوب الغربية.
فقد ازدادت ميزانية وزارة الداخلية والدفاع التونسية بنسبة 31% في 2019 من أجل مكافحة الإرهاب الداخلي، ومن المعلوم أنّ الاقتصاد والشباب التونسي أولى بتلك الأموال، لذلك ينبغي على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة توفير المعدات والتدريب وتقديم المساعدة الأمنية لتونس بدلاً من الاعتماد على الحكومة لتخصيص الأموال لمكافحة الإرهاب، وهكذا سيتسنى للحكومة تخفيض نفقاتها الدفاعية للتعامل مع بطالة الشباب وزيادة أجور مواطنيها ومشاريع التنمية الاقتصادية في المناطق المهمَّشة والفقيرة بغية إخماد غضب الشعب ورسم مستقبل اقتصادي أفضل.