عززت تركيا من إجراءات تحصين الليرة التركية، عبر دعم المصنعين وإقناع المستثمرين بخطواتها لدرء المخاطر عن الاقتصاد، لتسجل العملة المحلية صعوداً ملحوظاً في تعاملات اليوم الثلاثاء، استردت من خلاله جزءاً من الخسائر الكبيرة التي تكبدتها على مدار الأيام الماضية.
وتأتي الإجراءات التركية المتلاحقة في محاولة لترميم أركان السوق من التصدع، الذي أصابها بشكل كبير، بفعل الحرب التجارية التي شنّها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الجمعة الماضي، بينما لم تتراجع أنقرة عن الرد، ليعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم ، عن مقاطعة بلاده المنتجات الإلكترونية الأميركية.
وارتفع سعر صرف الليرة أمام الدولار في بداية تعاملات، اليوم، ليسجل 6.5 ليرات للدولار الواحد، مقابل 7.216 ليرات للدولار في بداية تعاملات، أمس الإثنين، وسط تفاؤل بتوقف موجة التهاوي التي عصفت بالعملة التركية منذ يوم الجمعة الماضي.
وجاء تحسن الليرة في أعقاب إعلان وزير الصناعة والتكنولوجيا التركي، مصطفى فارانك، عن تفعيل برنامج دعم جديد للمصنعين بقيمة 1.2 مليار ليرة (180 مليون دولار).
وقال الوزير في بيان، اليوم، إن برنامج الدعم الجديد سيساهم في تقليل العجز، ودعم إنتاج منتجات ذات قيمة مضافة عالية، ودعم المصنعين الذين يطورون التكنولوجيا. وخاطب الوزير التركي بدعوته جميع المصنعين والمستثمرين، مؤكداً أن الدولة مستعدة لتقديم كافة الدعم لمن يحمل أفكاراً جديدة، ومن يرغب في تطوير منتجات جديدة.
وأوضح فارانك أن دعم المصنعين سيشمل تقديم الإرشاد والتوجيه في المجالات الحديثة، وتطوير الأعمال للشركات الصغيرة والمتوسطة والمستثمرين في المجال التكنولوجي على وجه الخصوص، وتشكيل تعاون بين القطاع العام والجامعات وقطاع الصناعة. وأشار الوزير إلى أن الدعوة مفتوحة للمصنعين، حتى 31 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، للتقدم من أجل الاستفادة من برنامج الدعم.
ويأتي برنامج دعم المصنعين، بعد ساعات من كشف مصادر مصرفية عن تلبية البنك المركزي احتياجات البنوك من السيولة بالليرة بتكلفة أعلى من سعر الفائدة السائد، لتصل إلى 19.25% لليلة واحدة، بزيادة 1.5% على سعر إعادة الشراء الأسبوعي، وذلك من أجل وقف خسائر العملة.
كذلك أعلنت تركيا، عبر وزير ماليتها براءت ألبيرق، أمس الإثنين، عن إعداد خطة عمل وبدء المؤسسات في اتخاذ إجراءات ضرورية لتهدئة مخاوف الأسواق المالية، مؤكدا، في مقابلة مع صحيفة "حرييت"، أن الخطة أعدت للبنوك وقطاع الاقتصاد الحقيقي، بما في ذلك الشركات الصغيرة والمتوسطة، وهي الأكثر تضررا من تقلبات أسعار الصرف.
وقال خليل أوزون، الخبير الاقتصادي التركي، في حديث لـ"العربي الجديد" إن هناك أسباباً عدة أدت إلى بدء تعافي الليرة، منها تحرك الحكومة التركية وإعلان خطة وزارة الخزانة والمالية وتحرك المصرف المركزي، الذي أعطى طمأنة لقطاع الأعمال وقلل من حالة الخوف بالأسواق التي تنامت خلال الأيام الماضية ودفعت كثيرين لتبديل الليرة بالدولار.
وأضاف أوزون أن لدى تركيا خيارات عدة، بدأت باتخاذ بعضها، كبدء التبادل التجاري بالعملات المحلية، مع روسيا وغيرها، متوقعا استمرار الليرة في التعافي، خاصة مع استمرار التحركات الحكومية لطمأنة المستثمرين وإعادة الثقة في السوق إليهم.
ويلتقي وزير الخزانة التركي، براءت ألبيراق، غدا الخميس، مع مستثمرين أجانب. وذكرت مصادر في وزارة الخزانة للأناضول، أمس، أن ما بين 750 إلى 1000 مستثمر من جميع أنحاء العالم، لا سيما من الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط، سيشاركون في اللقاء مع الوزير عبر دائرة تلفزيونية مغلقة.
وتأتي التحركات الحكومية لطمأنة المستثمرين، في الوقت الذي وصفت فيه الولايات المتحدة الاقتصاد التركي بالضعف، وأن الإجراءات التي اتخذتها ليست الأسباب الحقيقية وراء تراجع سعر الليرة بنحو 21% في نحو خمسة أيام.
وقال كيفن هاسيت، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين للبيت الأبيض، لتلفزيون "ام.اس.ان.بي.سي"، إن قرار ترامب مضاعفة الرسوم الجمركية على الصلب التركي ليس سوى "جزء ضئيل ضئيل" من الناتج المحلي الإجمالي لتركيا "لذا، أن تتراجع العملة 40% هذا العام فهو مؤشر على أن العديد من العوامل الأساسية للاقتصاد لا تعمل على النحو الصحيح في ذلك البلد".
وكان ترامب قد أعلن، يوم الجمعة، مضاعفة الرسوم على واردات الولايات المتحدة من الصلب التركي إلى 50% والألمنيوم إلى 20%. وقال البيت الأبيض إن ترامب سيستخدم في ذلك قانوناً أميركياً يسمح بفرض الرسوم لاعتبارات تتعلق بالأمن القومي. وثمة خلافات بين واشنطن وأنقرة منذ شهور بشأن قسّ أميركي محتجز في تركيا تتهمه أنقرة بدعم الإرهاب، والحرب السورية وقضايا دبلوماسية أخرى.
ولا ينكر محللون اقتصاديون أتراك أن ثمة ضعفاً في بنية الاقتصاد التركي، شاركت مع الظروف السياسية الخارجية وأدت إلى تدهور الليرة.
وقال جيواد غوك، المحلل الاقتصادي التركي، "لا يمكن أن ننكر أن الاقتصاد التركي يعاني من عجز الميزان التجاري، ويتأثر بارتفاع أسعار النفط وبفوائد الديون المرتفعة، ولكن لدى تركيا احتياطياً نقدياً كبيراً يزيد عن 125 مليار دولار وحجم صادرات كبيراً يقترب من 160 مليار دولار وعائدات سياحية تزيد عن 30 مليار دولار".
وأضاف غوك لـ"العربي الجديد": "حتى حجم الديون لا يصل إلى 50% من حجم الناتج المحلي، وهناك دول متقدمة، بما فيها اليابان وألمانيا، لديها ديون أكثر، والولايات المتحدة عليها أكبر مديونية عبر التاريخ وتزيد عن 14 تريليون دولار وعن ناتجها المحلي الإجمالي".
وتابع "لا صحة لما ادعته أميركا من أن الاقتصاد التركي ضعيف أو يعاني من أزمات وارتفاع حجم المديونية والعجز التجاري، لأن هذه الأسباب لم تكن جديدة يوم الجمعة الماضي حين فقدت الليرة أكثر من 13% في يوم واحد، بل بسبب الهجمة الأميركية بشكل رئيسي".
في المقابل، يرى اقتصاديون أن انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر يمثل مشكلة حقيقية في الاقتصاد التركي، فعلى الرغم من زيادة تدفق رؤوس الأموال، فإنه عند فحصها تبيّن أن نصيبها كان ضئيلاً مقارنة بحجم الأموال الساخنة في قطاعات غير إنتاجية كالأسهم والسندات التي يمكن المضاربة بها والخروج منها بسرعة، ما يؤدي إلى الإضرار بسعر العملة المحلية.
وكان المصرف المركزي التركي قد أعلن، في مطلع العام الماضي 2017، أن ديون الشركات التركية بالعملة الأجنبية بلغت نحو 210 مليار دولار.
لكن مسلم طالاس، أستاذ المصارف في جامعة ماردين، قال إن ما يتم أخذه على تركيا من نقطة ضعف هو حالة عامة في الاقتصادات الرأسمالية، مشيراً إلى أن الاقتصادات الناشئة كتركيا تستعين بالأموال الساخنة، ولكن خلال الأزمات تهرب تلك الأموال.
وأضاف طالاس "أتوقع أن الدولة ستمتص الأزمة الحالية على الأرجح ويعود الاقتصاد للنهوض والتعافي، لأن القطاع المالي صمد أمام الهزة وأكد أن لديه صمامات أمان، فضلاً عن الإجراءات الحكومية، وفي مقدمتها المصرف المركزي والالتفاف الشعبي للدفاع عن الليرة والاقتصاد".
وتشهد تركيا حملات شعبية ورسمية لدعم الليرة، إذ ازدادت عروض الشركات التجارية وقطاع السياحة، لكل مواطن يبدل الدولار بالليرة التركية، إذ خصصت شركات تجارية بطاقات شراء لكل مواطن يبدل 500 دولار وتمنح محال بعض المواد الغذائية لكل من يبدل 300 دولار وفنادق تقدم إقامات مجانية لكل من يبدل ألف دولار.
في هذه الأثناء، قال الرئيس رجب طيب أردوغان، اليوم، إن تركيا "ستقاطع المنتجات الإلكترونية الأميركية"، و"ستصنع وتصدر منتجات بجودة أفضل من تلك التي تستوردها بالعملات الأجنبية".
وأكد أردوغان أن بلاده عازمة على تقديم مزيد من الحوافز لرجال المال والأعمال الراغبين في الاستثمار بتركيا، مضيفا "بلادنا تمتلك أحد أقوى الأنظمة المصرفية في العالم".