الخليج لم يعد جنة الوافدين... الغلاء والضرائب يدفعان العمالة للمغادرة

30 ابريل 2018
أضرار بالغة لحقت بالعمالة الوافدة (فايز نور الدين/فرانس برس)
+ الخط -

تعيش العمالة الوافدة في دول مجلس التعاون الخليجي أياماً صعبة تحت تفاقم الضغوط المعيشية ولجوء حكومات بعض هذه الدول إلى إجراءات تقشفية لمواجهة أزمة تراجع الإيرادات النفطية، وتزداد المعاناة مع تقليص الدعم ورفع أسعار السلع والخدمات وفرض رسوم وضرائب جديدة، الأمر الذي أدى إلى هجرة عكسية للعمالة الوافدة إلى بلادها مرة أخرى.

كما شكل خفض الاعتماد على اليد العاملة الوافدة، أحد أهم محاور الرؤى الاقتصادية لدى سياسات دول الخليج خلال العامين الماضيين، إذ اتجهت إلى إحلال المواطنين بدلاً من العمالة الوافدة، ما أدى إلى تقليص أعدادهم، وهو ما أثر سلباً في تحويلاتهم المالية بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة.

ويعمل أكثر من 13.8 مليون أجنبي في دول الخليج، يمثلون نحو 69.3 % من إجمالي الأيدي العاملة بهذه الدول البالغة 20 مليونا، بحسب أرقام حديثة للمركز الإحصائي لدول مجلس التعاون التي تضم 6 دول هي السعودية وسلطنة عمان والكويت وقطر والإمارات والبحرين، ويبلغ عدد سكانه 53 مليون نسمة.

وحسب بيانات رسمية، تأتي تحويلات الأجانب في السعودية سنوياً بالمرتبة الأولى بين دول الخليج بقيمة 38.9 مليار دولار، تليها الإمارات بـ32.7 مليار دولار، والكويت بـ 15.3 مليار دولار ثم قطر بـ12 مليار دولار، بينما بلغت تحويلات الوافدين في عمان 10.27 مليارات دولار، والبحرين 2.4 مليار دولار، وتُشكل قيمة تحويلات الوافدين إلى خارج دول مجلس التعاون ما يُقارب 8.2% من الناتج المحلي الإجمالي لدول التعاون.

ومن جانبه، يقول الخبير الاقتصادي مشعل الإبراهيم لـ "العربي الجديد" إن أعداد الوافدين فاقت أعداد المواطنين في دول التعاون بسبب تجار الإقامات، مما دفع المسؤولين نحو تقليص أعدادهم.

ويؤكد الإبراهيم أنه لا يوجد صراع بين المواطنين والوافدين، فمجتمعاتنا تضم جنسيات كثيرة وقد توفر لهم الأمن والكرامة، مبيناً أن بعض الأحداث تضخم إعلامياً، خصوصاً مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي التي تجعل من بعض الأحداث قضية للرأي عام.

السعودية
تصدرت السعودية الدول الخليجية التي تعاني فيها العمالة الوافدة من ضغوط معيشية، إذ فرضت حكومتها خلال الشهور الماضية رسوما مالية على المرافقين والمرافقات للعمالة الوافدة، وتم فرض النصيب الأكبر من هذه الرسوم أول يوليو/ تموز 2017، ضمن برنامج التوازن المالي، بواقع 100 ريال شهريا (الدولار = 3.75 ريالات)، لكل مقيم، ليصبح المبلغ سنويا 1200 ريال، ويتضاعف المبلغ بدءا من يوليو/ تموز 2018 المقبل، حتى يصل إلى 400 ريال في الشهر لكل فرد، بمجموع 4800 ريال في السنة، بحلول يوليو 2020.
كما تعرضت العمالة داخل المملكة إلى ضغوط معيشية متزايدة مع استمرار الحكومة السعودية في فرض ضرائب جديدة ومنها ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية، ورفع أسعار الوقود بنسب تفوق 120% من أجل مواجهة الأزمة المالية التي تعاني منها بسبب تراجع أسعار النفط العالمية وتكلفة الحرب المتفاقمة التي تقودها ضد جماعة الحوثيين في اليمن.

ووفقاً لإحصائيات رسمية، يبلغ عدد الوافدين في المملكة 12.2 مليون نسمة، وهو ما يمثل حوالي 37% من إجمالي عدد السكان وفق هيئة الإحصاء العامة في السعودية.

وأظهرت بيانات حديثة لـ"المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية" الحكومية، أن عدد عمال القطاع الخاص السعودي (سعوديين وأجانب) انخفض بنهاية الربع الرابع من 2017 إلى نحو 9.69 ملايين شخص من 10.17 ملايين نهاية الفترة المناظرة من 2016، ما يعني أن القطاع الخاص السعودي فقد نحو 480 ألف وظيفة خلال عام. وأظهرت البيانات خروج 585.5 ألف عامل أجنبي من القطاع الخاص السعودي من وظائفهم خلال العام الماضي 2017.

ويقول المحلل الاقتصادي بقطاع الأعمال السعودي، عبد السلام الرشيد، لـ "العربي الجديد" إن سوق العمل يحتاج إلى إجراءات تصحيحية مباشرة، وأهمها إحلال العمالة السعودية محل الوافدة بعد أن ارتفعت البطالة إلى أرقام قياسية ووصلت إلى 7%، فكان لابد من إجراءات قاسية لتصحيح توجه السوق.

الكويت

واصلت الكويت إجراءاتها الهادفة إلى إحلال مواطنيها بدلاً من العمالة الوافدة للحد من البطالة، وفي هذا الإطار وجه ديوان الخدمة المدنية الوزارات والجهات الحكومية نهاية العام الماضي إلى إنهاء التعاقد مع الموظفين الوافدين الذين بلغت أعمارهم 65 عاماً.

ويأتي هذا التوجه رغم الخطوات الجادة التي أخذتها الكويت لتحسين حقوق العمال الوافدين في 2016، ومع ذلك ما زالت تتعرض العمالة الوافدة إلى ضغوط معيشية ومنها جاء إقرار وزارة الصحة زيادة أسعار الرسوم على الوافدين في المستشفيات والمستوصفات والأدوية بنسبة وصلت إلى 300 % بنهاية عام 2016، كما طالب نواب البرلمان الكويتي بضرورة فرض رسوم وضرائب على تحويلات الوافدين.

ويمثل الوافدون ثلثي سكان الكويت حسب بيانات الإدارة المركزية للإحصاء، ما دفع الحكومة إلى تغيير سياستها لصالح المواطنين. وحسب تقارير رسمية، جرى تعيين حوالي 790 وافدا فقط بالوظائف الحكومية في عام 2017 مقابل ما يزيد عن 12 ألف مواطن، مع الوضع في الاعتبار أن النسبة الأكبر من الوافدين يعملون في القطاع الخاص وليس الحكومي.

ورغم ذلك أعلنت الكويت نهاية العام الماضي حاجتها للمزيد من الوافدين لإنجاز مشاريع تتعلق بالتنمية في البلاد.

وفي هذا السياق تقول أستاذة الاقتصاد بجامعة الكويت، هدى حسن، لـ "العربي الجديد" إن القرارات الصادرة أخيراً بشأن الوافدين تسبب لهم شعوراً بعدم الأمان الوظيفي والاجتماعي، حيث لا تكفيهم في ظل زيادة الرسوم والتكاليف، إضافة إلى الضغوطات النفسية التي قد تأتي من لجوء الوافد إلى العمل في مهنتين حتى يلبي احتياجاته المعيشية.

وذكرت حسن أن كثيراً من الوافدين يتغاضون عن المشاكل الاجتماعية التي تواجههم، لكن تكون لها آثار سلبية عليهم وعلى أسرهم.

ولا تعد نسبة البطالة في الكويت الأعلى بين دول الخليج، فهي لا تتعدّى 5%، كما أنها ليست الدولة الأكثر تأثرًا بانخفاض أسعار النفط، حسب بيانات رسمية.

من جانبه، رأى مدير عام المركز الدولي للبحوث الاقتصادية بالكويت، موسى الرشيد أن القرارات الصادرة أخيراً بشأن الوافدين في البلاد تؤثر سلباً على استقرارهم، موضحاً أن زيادة الرسوم والتكاليف تضطر كثيرا من الأسر الوافدة إلى العودة لبلدانهم، فيما يبقى رب الأسرة بمفرده بعد انقسام الأسرة، ويضيف الرشيدي خلال حديثه لـ "العربي الجديد" أن الوافدين يعانون من الخوف من المستقبل بسبب القرارات الأخيرة.

الإمارات

دفعت سياسة التقشف التي تتبعها الحكومة الإماراتية بسبب انخفاض أسعار النفط الكثير من العمالة الوافدة إلى مغادرة أبوظبي، أكبر منتج للنفط في الإمارات، وكذلك مغادرة العديد من الإمارات الأخرى، خاصة مع فرض الضريبتين القيمة المضافة والانتقائية على السلع والخدمات.

وسلطت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في فبراير/ شباط الماضي الضوء على التدابير التي نفذتها إمارة أبو ظبي لخفض تكاليف الموظفين العاملين في الحكومة، رغم أن الإمارة تعد الأغنى في دولة الإمارات.

ويتجسد ثراء أبو ظبي بصندوقها السيادي الذي يقدر حجمه بنحو 800 مليار دولار، لكن إجراءات الحكومة التقشفية تدل على أن بقاء أسعار النفط عند مستويات متدنية لفترة طويلة دفع الحكومة لتنفيذ سياسات تقشفية.

وشهدت إمارة أبو ظبي مؤخرًا ارتفاعا في تكاليف المعيشة تزامنا مع تراجع الأجور وزيادة رسوم الكهرباء، كما أن تأجيل مشاريع بمليارات الدولارات وخفض الإنفاق أدى إلى تسريح الموظفين بشكل واسع، على الأقل في قطاع النفط والغاز، إذ فقد نحو 5000 شخص في شركة "أدنوك" الحكومية وظائفهم خلال الأشهر الـ 18 الماضية، كما دفع تراجع أرباح كبريات الشركات الإماراتية، خاصة العقارية منها، إلى تخفيضها عدد العمالة والنفقات.

قطر

في قطر سعت الحكومة إلى تحسين أوضاع العمال ولا سيما مع زيادة المشروعات التنموية، خلال الفترة الأخيرة، وأقرت قطر قانون ممارسة العمل النقابي للمرة الأولى في تاريخها لتؤكد جدية الحكومة في إجراءاتها الهادفة إلى تعزيز حقوق العمال وسط إرشادات دولية بتقدم الدوحة في هذا المجال. وسمحت قطر، في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، للعمال بمن فيهم الوافدون بممارسة العمل النقابي، وتشكيل لجان عمالية مشتركة مع أصحاب العمل.

وأغلقت منظمة العمل الدولية، شكوى عمالية ضد قطر بعدما أشاد مجلس إدارة المنظمة في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بالتشريعات العمالية التي أصدرتها قطر، ورحب بالتزامها بضمان المبادئ والحقوق الأساسية في العمل لجميع العمال وبالإنجاز الناجم عن ذلك لإنهاء نظام الكفالة.

كما وقعت المنظمة اتفاقاً للتعاون الفني مع قطر لثلاث سنوات، تلتزم بموجبه قطر بمواءمة قوانين المنظمة ومعايير العمل الدولية، والمبادئ والحقوق الأساسية في العمل.
وتشير تقديرات دولية، إلى أن عدد العمالة الأجنبية في قطر يناهز مليوني شخص، منهم نحو 800 ألف في مجال البناء.