أزمة البحرين... تأثير "وقتي" للمساعدات الخليجية والصعوبات تطاول السعودية

07 أكتوبر 2018
البحرين تتجه لإقرار ضريبة القيمة المضافة ورفع الرسوم (Getty)
+ الخط -

رغم إعلان السعودية والإمارات عن حزمة دعم للبحرين بقيمة 10 مليارات دولار، لإنقاذها من أزمة ديون تهدد وضعها المالي، إلا أن وكالات تصنيف ائتماني ومحللين ماليين قالوا إن تأثير هذا الدعم "وقتي" وسرعان ما ستلاحق الأزمة البحرين مجددا، وربما تطاول السعودية، في ظل استمرار العجز المالي للرياض واندفاعها غير المسبوق للاقتراض مع تزايد الإنفاق على الحروب والصراعات السياسية.

وتبدو البحرين الأقرب بين دول الخليج، إلى سيناريو اليونان وفق محللين، إذ تفرض المساعدات الخليجية، تنفيذ برنامج لتقليص العجز المالي والحد من الديون، ما يستلزم اتباع إجراءات من شأنها فرض المزيد من الضرائب والرسوم والتقشف، ما يخرج مواطني الدولة من حياة الرفاهية التي استمرت لعقود.

وسيكون الدعم المنتظر من السعودية والإمارات والكويت في صورة قرض طويل الأجل بدون فائدة يُقدم على مراحل. وبالتزامن مع الإعلان عن الدعم مساء الخميس الماضي، نشرت البحرين خطة من 33 صفحة لإصلاح ماليتها العامة المثقلة بالديون والتخلص بشكل أساسي من العجز في ميزانيتها بحلول عام 2022.

وتتضمن الخطة زيادة الرسوم حتى تحقق هيئة الكهرباء والماء، التي تعاني من عجز قدره 189 مليون دينار (500 مليون دولار)، توازنا بين الإيرادات والمصروفات. كما من المتوقع أن يسرّع البرلمان مشاريع قوانين لاستحداث ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5%.

وستؤسس البحرين هيئات جديدة للإشراف على الإنفاق والاقتراض الحكومي، بما في ذلك مكتب لإدارة الدين. وتتعهد الخطة بخفض الإنفاق العام، واستحداث تقاعد طوعي لموظفي الدولة، بينما قد تؤدي تخفيضات الإنفاق إلى تباطؤ النمو الاقتصادي بدرجة كبيرة.

وتمثل حزمة الدعم الخليجي والذي يأخذ شكل القروض، نهجا جديداً لدول الخليج الغنية، بعد أن كانت تساند البحرين بهدوء عبر دفعات صغيرة نسبيا وغير معلنة من الأموال، مثل شراء سندات في طروحات خاصة.

وبينما ترى الدول الداعمة أن هذه المساعدات ستنجح إلى حد كبير في مساعدة البحرين، إلا أن محللين أكدوا أنها غير كافية في ظل ارتفاع ديون البحرين إلى أكثر من 20 مليار دولار، وهو ما سيقلص من آثار المساعدات الخليجية وتعود إلى نقطة (الصفر) من جديد في غضون أشهر، لا سيما أن نقطة التوازن بين الإيرادات والإنفاق تستلزم وصول أسعار النفط إلى 113 دولارا للبرميل، وهو ثاني أعلى سعر في المنطقة بعد ليبيا، وفق تقديرات لوكالة بلومبرغ نشرتها في مايو/أيار الماضي.

ووصل سعر نفط برنت في الأسواق العالمية بنهاية تعاملات الأسبوع، يوم الجمعة الماضي، إلى 84.1 دولارا للبرميل، بينما تشير التوقعات الأكثر تفاؤلا إلى بلوغه 100 دولار للبرميل العام المقبل 2019، بعد تطبيق العقوبات الأميركية على نفط إيران التي يبدأ سريانها في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

وخفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني، يوم الجمعة الماضي، تصنيف البحرين مجددا إلى "بي 1" بعدما كان "بي إيه 2" مع أفق سلبي، معتبرة جهود الإصلاح الخليجية غير كافية.

وأكدت الوكالة أن الوضع المالي للبحرين سيواصل التراجع في الأعوام المقبلة، ويعود ذلك خصوصا إلى افتقارها لاستراتيجية تعزيز واضحة ومفصلة رغم بعض الجهود على صعيد إصلاح الموازنة، متوقعة تزايد أعباء الديون بشكل كبير في العامين أو الأعوام الثلاثة المقبلة.

وتتوقع البحرين عجزاً ماليا بقمية 3.5 مليارات دولار في ميزانية 2018، حسب تصريحات سابقة لمسؤولين حكوميين. وتوقعت وكالة بلومبرغ الأميركية في تقرير لها في مايو/أيار الماضي، أن تتجاوز ديون البحرين 100% من الناتج المحلي الإجمالي العام المقبل 2019، لتنضم بهذه النسبة من الديون إلى السودان وليبيا ولبنان.

ويقول راشد العجمي مدير عام المركز الخليجي للدراسات والاستشارات الاقتصادية والأمنية في الكويت في تصريح لـ"العربي الجديد" إن الظروف الاقتصادية في الخليج باتت تتحكم في المساعدات المقدمة للبحرين، فكل دول الخليج انخفضت إيراداتها بسبب النفط وتزايدت الديون لديها، خاصة بعد أن لجأ الجميع تقريبا إلى سوق الدين العالمي عبر إصدار سندات دولية، وهو ما أدى إلى تراجع قدرة هذه الدول على الاستمرار في دعم دولة صغيرة مثل البحرين، ومن المتوقع ألا تستمر المساعدات حتى لو جاءت في شكل قروض.

وتتعرض البحرين لهزات اقتصادية، بينما تتزايد مخاطر الاقتراض في الدولة ذات الإيرادات النفطية الأقل خليجيا والأضعف على مواجهة الصعوبات المالية، حيث تنتج نحو 200 ألف برميل من النفط الخام يومياً.

وتضررت المالية العامة للبحرين جراء هبوط أسعار النفط في 2014، وتحتاج المملكة إلى مساعدة جيرانها لتفادي نشوب أزمة مالية ناجمة عن ارتفاع الدين العام وهو ما سيؤثر على الوضع الاقتصادي والأمني لدول الجوار، خاصة السعودية، مما يدفع الرياض إلى قيادة المساعدات الخليجية خوفا منها على وضعها الاقتصادي والأمني، وفق محللين.

ويرى زياد القيسي الرئيس التنفيذي لشركة يورو تك الأميركية التي تعمل في الأوراق المالية ومقرها نيويورك ولها فرع في دبي، أن المساعدات التي جرى الإعلان عنها "أقل من المتوقع وستؤدي إلى حل جزئي وإلى أمد غير بعيد، حيث لم يتعاف الدينار البحريني الذي هوى إلى أدنى مستوى له في 17 عاما يوم الأربعاء الماضي، وهو ما يزيد من مخاوف أن تعجز المنامة عن سداد سندات بقيمة تصل إلى 750 مليون دولار يحل أجل استحقاقها في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل".

ويقول القيسي في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" إن الوعود التي صدرت من الدول بشأن المساعدات المالية ليست بالرقم أو المبلغ الذي يؤدي إلى سد العجز والمديونية وإنهاء أزمة البحرين الاقتصادية، فهو دعم مخصص لبعض مشروعات البنية التحتية وسد جزء صغير من مديونيتها، لتظل البحرين غارقة في ديونها حتى سداد الجزء الأكبر من ديونها".

وتعتمد البحرين منذ فترة طويلة على مساعدات جيرانها الخليجيين، لكن هذه المساعدات تراجعت في السنوات الماضية بسبب الانخفاض الحاد في أسعار النفط العالمية. ولتعويض ذلك، بدأت المملكة في السعي للحصول على المزيد من القروض من الأسواق الدولية.

ويقول محمد الفيلي كبير الاقتصاديين في معهد الدراسات الاقتصادية بالكويت لـ"العربي الجديد"، إن البحرين تعاني من انخفاض سعر صرف الدينار وتراجع احتياطي النقد الأجنبي وارتفاع مستويات الدين والعجز في الميزانية إلى نحو غير مسبوق، وهذا كله أدى إلى اهتزاز ثقة المستثمرين في قدرة الدولة على مواصلة دعم صرف الدينار والوفاء بالالتزمات المالية.

ويضيف: "هناك صدمة اقتصادية حقيقية في أجهزة الدولة المالية، لعدم وجود خطط أو مصدات مالية لمواجهة مثل هذه الأزمات التي قد تعصف بالدولة، خاصة أن الدينار البحريني يرتبط بالدولار الأميركي شأنه شأن دول الخليج التي ترتبط عملتها بالدولار ما عدا الكويت".

وذكرت وكالة بلومبرغ في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن البحرين ربما تفشل في الحفاظ على سعر الدينار مقابل الدولار، ما لم تحصل على مساعدات مالية عاجلة، مشيرةً إلى أن البحرين طلبت مساعدات من كل من السعودية والإمارات، ولكنها لم تحصل منهما آنذاك على رد، ولكن تعهدت السعودية والإمارات والكويت في يونيو/حزيران الماضي بتوفير دعم للبحرين، غير أنه لم يتحقق أيضا، فيما جرى الإعلان الخميس الماضي عن توفير 10 مليارات دولار.

ومن المتوقع أن ترتفع خدمة الدين مع ارتفاع سعر صرف الدولار، كما أن البحرين ستجد صعوبة في إصدار سندات دولية.

وفي مارس/آذار الماضي، فشلت المنامة في تسويق جزء من سندات طرحتها في أسواق المال الدولية، بسبب عزوف المستثمرين عن الشراء مع زيادة المخاطر، كما ألغت خططا لإصدار سندات تقليدية بسبب طلب المستثمرين نسب فوائد عالية.

وكانت بيانات رسمية صادرة مطلع يوليو/تموز الماضي، قد أظهرت أن صافي الأصول الأجنبية لمصرف البحرين المركزي تراجع في مايو/أيار الماضي بنسبة 7.66% على أساس سنوي، مقارنة بالشهر نفسه من 2017.

وأفادت البيانات الصادرة بأن صافي الأصول الأجنبية انخفض إلى 671.1 مليون دينار (1.77 مليار دولار) في مايو/أيار الماضي، مقابل 726.8 مليون دينار (1.92 مليار دولار) في الشهر المماثل من العام الماضي.

ويقول مصدر حكومي مطلع في الكويت لـ"العربي الجديد" إن الدعم المعلن عنه قبل يومين سيتم تقديمه تدريجياً ووفقا لجدول متفق عليه، مضيفا: "القرض لن يكفي لتغطية احتياجات البحرين التمويلية حتى تحقق التعادل بين الإيرادات والمصروفات في ميزانيتها، لكنه سيساعدها على الاستمرار في جمع تمويل من الخارج".

ويأتي البرنامج المالي في البحرين أيضا قبيل انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني، وهي ثاني انتخابات منذ 2011، حين خرج محتجون إلى الشوارع مطالبين بمزيد من الديمقراطية.

ويرى محمد معروف، المحلل في أسواق المال الخليجية في تصريح لـ"العربي الجديد" أن من المنطقي اقتصاديا وسياسيا لجيران البحرين أن يقدموا الدعم لها، إذ أن أي انهيار في عملتها قد يقوض الثقة في بقية دول المنطقة.

ويضيف معروف: "إنها منظومة واحدة داخل مجلس التعاون الخليجي، والبحرين جزء من تحالف اقتصادي سياسي وأمني، وأي تأثير اقتصادي على البحرين سينعكس سلباً على بقية الدول الخليجية خاصة السعودية القريبة منها، وبالتالي لا بد من دعمها".

لكن محللين يرون أن ما يحدث في البحرين ربما يؤشر إلى اتساع الأزمة، لتطاول السعودية وربما الإمارات بعدها، لا سيما في ظل تزايد الإنفاق العسكري في الدولتين المنغمستين في الحرب ضد الحوثيين في اليمن منذ ما يقرب من أربع سنوات، بينما لا يزال الحوثيون يسيطرون على نحو نصف اليمن، في حين يتزايد الغضب الشعبي في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية من التدخل السعودي والإماراتي والانهيار الاقتصادي والمعيشي الذي وصلت إليه البلاد.

وكشفت بيانات صادرة عن وزارة المالية السعودية، يوم السبت الماضي، أن الدين العام للمملكة، قفز بنحو 1200%، في غضون أربع سنوات، ليصل وفق تقديرات الوزارة بنهاية 2018، إلى 576 مليار ريال (153.6 مليار دولار)، مقابل 11.8 مليار دولار نهاية 2014.


المساهمون