حتى كتابة هذا التقرير ترى الحكومة الإسبانية أن الاستفتاء على انفصال إقليم كتالونيا لن يتم، ويقول رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي، الذي يزور أميركا حالياً، إن "الاستفتاء لن يتم"، حسب التصريحات نقلتها الصحف الإسبانية، غير أن سلطات المقاطعة تصر على إجراء الاستفتاء.
لكن ما الذي سيحدث على الاقتصادين الإسباني والكتالوني إذا تم الاستفتاء وحصل الانفصال بالفعل؟
يرى الاقتصادي الإسباني البروفسور الاين سوينسا غارسيا، في تصريحات نقلتها "سي إن بي سي" الأميركية، أن استفتاء مقاطعة كتالونيا الغنية بالصناعة والموارد، والواقعة شمالي إسبانيا سيسبب أزمة في البلاد، التي خرجت حديثاً من أزمة اليورو، كما أن الانفصال سيتسبب في حدوث خسائر فادحة لكل من بقية اجزاء إسبانيا ومقاطعة كتالونيا نفسها.
ويذكر أن إسبانيا كادت تفلس من جراء أزمة اليورو، لولا جرعات الإنقاذ المالي المتواصلة
التي ضخها الاتحاد الأوروبي في شريان الاقتصاد الاسباني، وخطوط الائتمان التي مدها البنك المركزي الأوروبي لمصارفها التجارية.
ولكن رغم ذلك لم يتعاف الاقتصاد الإسباني من الأزمة تماماً، حيث لا يزال يعاني من خدمة الدين العام المرتفع الذي يقدر بحوالى 1.18 تريليون دولار، ومعدل البطالة الكبير البالغ 17.7%. وذلك حسب أرقام إحصائيات "يورو ستات " في نهاية 2016.
وبالتالي فإن انفصال كتالونيا سيكون مؤلماً للاقتصاد الإسباني الذي يجاهد للحاق بركب اقتصادات شمال أوروبا المتقدمة، خاصة وأن مقاطعة كتالونيا من أكثر المقاطعات تقدماً في إسبانيا، كما أن مدينة برشلونة تعد من أكثر المدن جذباً للسياحة والأعمال التجارية الكبرى والبنوك العالمية.
وتشير إحصائيات "يورو ستات" إلى أن الاقتصاد الإسباني البالغ حجمه 1.232 تريليون دولار، حقق نمواً بنسبة 3.2% عام 2016، كما نما بنسبة 0.7% في الربع الأول من العام الجاري. وهو بهذا الحجم يعد رابع اقتصاد في الاتحاد الأوروبي ويحتل في الترتيب العالمي الرقم 13 بين الاقتصادات المتقدمة. وهو بهذا المعدل في طريقه للخروج من الأزمة وسيكون من الصعب عليه تحمل هزة انفصال أحد اهم مقاطعاته.
ويتوقع اقتصاديون في تصريحات نقلتها صحيفة" فاينانشيال تايمز"، أن يزرع انفصال كتالونيا وتكوين دولة مستقلة، الاضطراب في أوصال الأعمال التجارية الكبرى العاملة في إسبانيا، وأن يؤثر على نفسيات المستثمرين الأجانب والتدفقات المالية الخارجية التي تعد ذات أهمية كبرى في خلق الوظائف، وإنعاش عجلة النمو الاقتصادي.
ويعد فقدان مدينة برشلونة عاصمة الإقليم، كارثة للاقتصاد الإسباني، حيث أنها العاصمة
التجارية في إسبانيا. وتوجد بمدينة برشلونة، مقار المصارف الإسبانية مثل مصرف "سانتا ندير"، أكبر المصارف الإسبانية، ومصارف عالمية كبرى مثل مجموعة "سيتي غروب" وشركات مثل فولكسفاغن الألمانية.
وفي حال حدوث الاستفتاء، فسيصوت مواطنو كتالونيا البالغ عددهم حوالى 7.523 ملايين نسمة، ونسبة 16% من مواطني إسبانيا من بين إجمالي عدد السكان البالغ 47.1 مليون نسمة، يوم الأحد المقبل، على انفصال الإقليم من إسبانيا وتكوين دولة مستقلة.
ولاحظت قناة تلفزيون "بي بي سي" البريطانية، أن هنالك حماسا منقطع النظير وسط المواطنين للانفصال، على الرغم من التداعيات السلبية لحدوث الانفصال على اقتصاد المقاطعة والمستقبل المجهول لعضويتها في الاتحاد الأوروبي، في حال تحولها من مقاطعة إسبانية إلى دولة مستقلة.
وتعد كتالونيا من الناحية الاقتصادية من أهم مقاطعات إسبانيا البالغة 17 مقاطعة، حيث يعادل حجم اقتصادها، حجم الاقتصاد البرتغالي، ويمثل نسبة 17% من إجمالي الاقتصاد الإسباني المقدر بنحو 1.232 ترليون دولار. وتساهم المقاطعة سنوياً بحوالى 267 مليار دولار في الدخل الإسباني العام، حسب إحصائيات يورو ستات لعام 2016.
ويرى الاقتصادي الإسباني البروفسور الاين سوينسا غارسيا، من جامعة سارغوسا الإسبانية، أن الانفصال ستكون له تداعيات سلبية على كل من إسبانيا ومقاطعة كتالونيا على حد سواء.
ويقول في تعليقات نقلتها قناة "سي إن بي سي"، الأميركية" إن إقامة حدود بين المقاطعة وإسبانيا سيقود تلقائياً إلى فقدان بعض الوظائف للجانبين وخسارة جزء من الدخل".
ولكنْ اقتصاديون آخرون يرون أن خسارة الجانبين لن تتوقف عند هذا الحد وإنما ستمتد إلى الضرائب والتعرفة الجمركية ومستقبل الإقليم في الاتحاد الأوروبي.
من جانبه، يرى وزير الاقتصاد الإسباني، لويس دي غويندس، في لقاء مع صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، أن "اقتصاد مقاطعة كتالونيا سيخسر من ناتجه الإجمالي نسبة تراوح بين 25 إلى 30%، كما أن البطالة ستتضاعف في المقاطعة".
ولكن هذا الرقم مبالغ فيه، إذا أخذنا في الحسبان أن الشق الأكبر من تجارة المقاطعة تتم مع أوروبا وليست مع إسبانيا. ولا تتجاوز نسبة صادرات كتالونيا إلى باقي أجزاء إسبانيا نسبة 35.5% من إجمالي الصادرات، فيما يذهب الباقي معظمه إلى دول الاتحاد الأوروبي.
وسعت الحكومة الإسبانية خلال الشهور الماضية إلى منع الاستفتاء بشتى السبل، من بينها تضخيم الخسارة التي ستتكبدها المقاطعة من الانفصال، ومساومة حكومة المقاطعة على زيادة الدعم المالي الذي ستحصل عليها من الميزانية المركزية.
إضافة إلى التهديدات المباشرة ومداهمات الشرطة الإسبانية للناشطين في حملة الاستفتاء. ولا تزال وزارة الداخلية الإسبانية تنشط في المداهمات ومنع أدوات الاستفتاء وإغلاق مراكزه.
لكن البروفسور غارسيا، يرى أن مواطني كتالونيا، لا يضعون في الحسبان الخسائر المادية وإنما دافعهم للتصويت هو التأكيد على الهوية القومية، وهذا ما سيجعل احتمال التصويت لصالح الانفصال وتكوين دولة مستقلة وارداً في حال حدوث الاستفتاء.
ولا تنحصر مخاوف الحكومة الإسبانية فقط على الجانب الاقتصادي، ولكنها تتخوف كذلك من
احتمالات التفتت وتشجيع أقاليم أخرى على الانفصال، خاصة تداعيات الانفصال على مقاطعة الباسك، التي يطالب أهلها بالانفصال منذ سنوات.
والباسكيون، أكثر تطرفاً من الكتالونيين، وقد نشطت الحركات الانفصالية وحملت السلاح في وجه مدريد خلال السنوات الماضية، ومن المتوقع ان يشجعهم انفصال كتالونيا على البحث عن كيفية استقلال إقليمهم بشتى السبل.
ومن بين القضايا المعقدة جداً التي ستواجهها المقاطعة في حال التصويت لصالح الانفصال وتكوين الدولة المستقلة، قضية الدين العام الإسباني، وكيفية حساب حصة كتالونيا من هذا الدين.أما القضية الثانية ووهي الأهم، فهي مستقبل الدولة المستقلة الجديدة في أوروبا.
على صعيد الدين العام، فإن مقاطعة كتالونيا، غارقة في الديون، وتقدر"يوروستات"، ديون المقاطعة بحوالى 86.9 مليار دولار. وفي حال انفصالها وتكوين دولة مستقلة، فإن الحكومة الإسبانية ستطالبها كذلك بتحمل ديون إضافية من إجمالي الدين العام الإسباني المقدر بحوالى 1.18 تريليون دولار حتى نهاية العام الماضي 2016.
ومن غير المعروف كيف ستتم تسوية مشكلة الديون الحكومية العامة وكيف ستحسا نسبة الإقليم في حال الانفصال. ويرى البروفسور الإسباني غارسيا أن "هنالك صعوبة في التكهن بكيفية تسوية الدين العام وتحديد حصة كتالونيا من هذا الدين في المستقبل".
لكن المعضلة التي ستقابل الإقليم في حال الاستقلال وتكوين دولة، فسيكون كيفية الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي. وذلك ببساطة لأن قوانين الاتحاد الأوروبي تنص على موافقة جميع الأعضاء على قبول عضوية الدولة الجديدة.
وفي حال الانفصال، فإن إسبانيا ستعارض بالتأكيد انضمام "دولة كتالونيا" الجديدة، كما أن دول الاتحاد الأوروبي التي تتجه نحو تحويل الدول الأوروبية إلى دولة موحدة ضمن منظور تكوين دولة" الولايات المتحدة الأوروبية"، أو أوروبا العظمى، لن تتعاطف مع دولة منفصلة.
ويلاحظ أن أوروبا عانت خلال الأعوام الماضية من النزعات الشعبوية والجهوية، وتمكنت أخيراً من هزيمتها، وبالتالي من غير المتوقع أن تجعل انفصال الإقليم مفروشاص بالورود أوانضمام "دولة كتالونيا" للاتحاد الأوروبي سهلاً.
ومن هنا يرى اقتصاديون أن أوروبا ستجعل انضمام "دولة كتالونيا الجديدة"، صعباً حتى لا تشجع النزعات الشعبوية والإقليمية الساعية لتفتيت أوروبا.