أمن الطاقة... اتفاق توتال يثير مخاوف إيرانية

06 يوليو 2017
مخاوف من استثمارات الأجانب في الطاقة الإيرانية (فرانس برس)
+ الخط -







بدأت إيران تجني عملياً باكورة ثمار اتفاقها النووي مع السداسية الدولية، بعد عامين تقريباً من التوصل إليه، بفضل توقيع اتفاق مع توتال، عملاق الطاقة الفرنسي، لتطوير حقل بارس الجنوبي للغاز.

ورغم توقيع الكثير من الصفقات الاستثمارية مع أطراف غربية، لكنّ عدداً منها لم يدخل حيز التنفيذ العملي لأسباب ترتبط بعراقيل مالية، ما يجعل صفقة توتال المكسب العملي الأول والأكبر لإيران، رغم التخوف من تبعاته من قبل بعض أطراف الداخل.

ووقعت إيران صفقة بقيمة خمسة مليارات دولار مع توتال الفرنسية وسي ان بي سي الصينية لتطوير المرحلة الـ11 من حقل بارس، وهو الحقل الذي تتقاسمه البلاد مع قطر وتطلق عليه بدورها اسم حقل الشمال.

ومن المتوقع أن يعود هذا الحقل على إيران، بموجب هذه الصفقة بالذات، بما يقارب 56 مليون متر مكعب من الغاز يوميا، وتبلغ حصة توتال في هذا المشروع 50.1%، بينما تحصل سي ان بي سي على 30%، مقابل 19.9% لشركة بتروبارس الإيرانية.

ومن هذه الأرقام تبدأ المخاوف الإيرانية، فضلا عن وجود قلق من "توتال" نفسها، والتي تركت طهران بعد فرض عقوبات نووية عليها في سنوات سابقة. ويضاف إلى هذا حديث المنتقدين في الداخل عن إشكاليات حقيقية في هذه العقود طويلة الأمد، والتي تعطي فوائد أعلى لشركات أجنبية.


وبدأت حكومة الرئيس حسن روحاني بالتحضير لعقود نفطية، على غرار ذاك الموقع مع توتال مؤخرا، منذ أكثر من عامين تقريبا، وأثارت جدلا كبيرا في الداخل عقب الكشف عنها، حيث رأى البعض، وغالبيتهم من المحسوبين على الطيف المحافظ، أنها عقود تخالف القانون الذي يمنع منح امتيازات كبرى لشركات أجنبية في قطاع الطاقة، كون الأمر سيضر بالمصلحة الوطنية أولا، وسيجعل النفط رهنا للمستثمر الأجنبي ثانيا.

وتتحدث نصوص العقود التي عرضتها وزارة النفط الإيرانية عن مشاريع لتطوير قطاع الطاقة، منها ما تصل مدتها إلى عشرين عاما، تماما كصفقة توتال الأخيرة. وتسمح بالتنقيب والاستخراج والتنمية، كما تسمح للشركات الأجنبية بالعمل في الحقول النفطية الإيرانية واكتشاف ميادين جديدة.
ورغم أن النصوص تؤكد على ملكية الحقول لإيران، لكنها لم توضح حينها، في كيف ستوزع الحقوق في حال اكتشاف أماكن جديدة. وطالب المنتقدون سابقا بتوضيح هذه البنود، فضلا عن أجزاء ثانية ترتبط بآليات دفع مستحقات إيران.

ويتحدث المراقبون والحكومة، على حد سواء، حاليا، من منطلق أهمية الصفقة الموقعة مع توتال، كونها ستفتح الباب أمام تطوير الاستثمار، والذي أغلق بفعل العقوبات، لكن للبعض وجهات نظر تعكر صفاء هذا الحلم أحيانا، فيتخوفون من فتح باب الفساد الداخلي، بسبب صفقات من هذا النوع قد يدخل فيها أطراف يسعون للحصول على مكاسب، فضلا عن التخوف من دور أكبر للأجانب في حقول الطاقة الإيرانية، في بلد يحظر دستوره إعطاء الملكية لأي طرف أجنبي.

ونقلت مواقع إيرانية تصريحات للمدير السابق للشركة الوطنية للمشتقات النفطية، جليل سالاري، والذي شكك في وفاء توتال الفرنسية لإيران، قائلاً إن هذه الشركة تركت بلاده في أوقات صعبة، معتبرا أن الالتصاق بفرنسا من دون فائدة، خاصة أنه ليس لدى شركاتها ذات الخبرة أو التكنولوجيا والتقنيات الموجودة لدى شركات ثانية في الاتحاد الأوروبي نفسه.

وقال النائب في لجنة الموازنة في البرلمان الإيراني، حسين علي حاجي دليغاني، إن المشكلة تكمن في أن وزارة النفط لم توضح إذا ما حلت الإشكالات التي دار الحديث عنها في وقت سابق والمدونة في عقودها النفطية، والتي أكدت عليها عدة مؤسسات تنتمي لمراكز صنع القرار في إيران.

وأضاف دليغاني، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن هناك العديد من الجوانب القانونية التي لم تراعها الحكومة في صفقة توتال، فمنح أي ميدان للنفط أو الغاز الطبيعي لشركة أجنبية يحتاج لموافقة علنية من مجلس الأمن القومي الأعلى، وهو ما لم يحدث، حسب قوله.
وذكر دليغاني أن "لدى توتال سوابق في عدم مراعاتها للشفافية، والنقطة الأهم أنها شركة تنتمي لبلد غير مخلص لإيران، واستضاف قبل أيام اجتماعا للمعارضة الإيرانية"، واصفا منظمة مجاهدي خلق بالإرهابية، وهو ما يعني عدم ثقة الإيرانيين بالطرف الفرنسي.
واعتبر أن حصة إيران التي تبلغ 19.9% إشكال واضح في الصفقة، وهو ما يعني منح صلاحيات أكبر لشركة أجنبية تستثمر في حقل وطني، معتبرا أنه يجب مراعاة القانون بحذافيره.

وقال إن لدى إيران تقنيات وإمكانات بشرية يجب الاستفادة منها في حقول الطاقة، إلى جانب التعاون مع شركات أجنبية، لكن من دون إعطائها كل هذه الامتيازات بدون الحصول على فوائد أعلى.

وجهة النظر هذه قد تختلف عند الطرف الآخر، ولاسيما عند الحكومة، التي قال المتحدث باسمها، محمد باقر نوبخت، في مؤتمره الصحافي قبل يومين، إن الصفقة مع توتال هي التي كسرت حاجز العقوبات بشكل عملي، إلى جانب صفقة الطائرات المدنية الموقعة مع إيرباص، والتي بدأ تطبيقها قبل فترة كذلك، معتبرا أن كل هذا يثبت أن طهران جدية ومصرّة على تحقيق مطالبها.

ورأى وزير النفط الإيراني، بيجن زنغنه، أن هذه الصفقة بالذات ستؤسس لمرحلة جديدة في قطاع الطاقة، مؤكدا على صعيد آخر أن بلاده لا تمانع من توقيع صفقات في هذا المجال حتى مع شركات أميركية.
وكان لمستشار المرشد الأعلى للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، الكلمة الفصل، بعد تعالي أصوات المنتقدين، حيث ذكر الثلاثاء الماضي، أن الصفقة مع توتال تصب لصالح تطوير العلاقات الإيرانية الفرنسية، وأن حجم التبادل بين الطرفين تضاعف أربع مرات، وهو ما بدد تخوف كثيرين ممن يعرفون أنه ورغم التحفظات لكن الصفقة مع توتال قد تجر الكثير من المكاسب لإيران.

وفي هذا السياق، قال النائب في لجنة الطاقة في البرلمان، سلام أميني، لـ "العربي الجديد"، إنه يوافق على العقد الموقع مع توتال الفرنسية وسي إن بي سي الصينية، معتبرا أنه سيصب في صالح طهران، في وقت تمر المنطقة بظروف حساسة، وتصر فيه الولايات المتحدة بعد وصول دونالد ترامب لرئاستها على فرض المزيد من العقوبات على البلاد، مؤكدا أن "هذه الصفقات بدأت بالتحول إلى واقع ملموس، رغم سياسة التهديد والحظر الأميركي".

ويرى أميني أن هذه الصفقة تصب في صالح علاقات طهران وباريس أولا، والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي برمته ثانيا، داعيا إلى الثقة في الخبراء الإيرانيين ممن أشرفوا على صياغة العقود.
من ناحيته، رأى مراسل الشؤون الاقتصادية في وكالة فارس الإيرانية، محمد حسين سيف اللهي، أن التبعات ستنعكس إيجابا على خطط حكومة روحاني، مؤكدا أن هذا سيحدث رغم وجود نقاط مبهمة وغير واضحة في العقد.
واعتبر سيف اللهي أن أهمية التعاقد تبدو سياسية في الأساس، فضلا عن كونها اقتصادية، فهذه الصفقة قد تبدد قلق العديد من الشركات الأوروبية التي وقعت عقودها مع إيران، لكنها ما زالت تتلكأ في التطبيق بسبب فرض عقوبات جديدة على البلاد، أو تخوفها من فشل الاتفاق النووي لأي سبب كان، داعيا في ذات الوقت إلى التركيز على مطالب المنتقدين، وتفسير كل ما هو غامض، وإيجاد مبررات لبعض البنود، بما يصب لصالح الكل في النهاية.
وقال مدير الشؤون الدولية في شركة النفط الوطنية الإيرانية، محسن قمصري، إنه يجري تنفيذ نحو 80% من عقود النفط المبرمة بين إيران وأوروبا.

وكانت مصادر تجارية وبيانات لحركة السفن، قد أكدت في وقت سابق من الشهر الجاري أن "رويال داتش شل" استأنفت شراء الخام الإيراني، لتصبح ثاني شركة نفط كبرى، بعد "توتال" الفرنسية، تستأنف العلاقات التجارية مع طهران، إثر رفع العقوبات الغربية عنها.
وإلى جانب "توتال"، وجهت المشتريات الأوروبية من الخام الإيراني إلى مصافي التكرير في إسبانيا واليونان وإيطاليا، منذ رفع العقوبات في يناير/ كانون الثاني من العام الحالي، بموجب اتفاق مع القوى الغربية.


دلالات
المساهمون