الاستعداد للمعركة التجارية... ألمانيا تقود الأوروبيين لمواجهة حمائية ترامب

29 يونيو 2017
خلال لقاء سابق بين ميركل وترامب (Getty)
+ الخط -
يستعد قادة الدول الأوروبية لمعركة مباشرة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال قمة مجموعة الدول العشرين، التي ستعقد في هامبورغ الألمانية يومي 7 و8 تموز/ يوليو المقبل، والتي يتوقع أن تكون التجارة إحدى القضايا الأكثر إثارة للانقسام فيها. وأمام توجهات ترامب المعادية للتجارة الحرة ومكافحة التغير المناخي وخفض تمويل المؤسسات الدولية، بدأت الدول الأوروبية تتوحد، منذ اليوم الخميس، في جبهة يتوقّع أن تكون متراصّة، لتوحيد المواقف قبيل قمة العشرين. 

وتأتي أهمية القمة من كونها ستكون مسؤولة عن الخروج ببيان مشترك يحسم مسألة التبادل الحر، بعدما تم قذف هذه المهمة خلال اجتماعات وزراء المالية السابقة، ليتولاها قادة مجموعة العشرين.

لذا، اجتمعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الخميس، في برلين، مع العديد من القادة الأوروبيين في مسعى لإقامة جبهة موحدة. وهؤلاء القادة هم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وقادة حكومات إيطاليا وإسبانيا وهولندا والنروج وبريطانيا إضافة إلى مسؤولي مؤسسات الاتحاد الأوروبي.

نزاعات متوقعة
ومن المتوقع أن تشهد قمة مجموعة العشرين خلافات وأن تكون من أصعب اللقاءات الدولية. وسواء تعلق الأمر بمكافحة التغير المناخي أو التجارة أو الهجرة أو المساعدة على التنمية، وهي المواضيع التقليدية لمثل هذه القمم، فإن الإدارة الأميركية ميزت موقفها.

وأعلنت إدارة ترامب انسحابها من اتفاق باريس للمناخ، كما تتبنى خطاباً حمائياً في مجال التجارة خصوصاً إزاء ألمانيا وصادراتها، وتريد أن تقاوم الهجرة من خلال بناء سور على حدودها مع المكسيك.
وتقول مصادر عدة لوكالة "فرانس برس"، إن الأعمال التحضيرية لقمة مجموعة العشرين من أجل التوصل إلى مشروع بيان مشترك بدت حتى الآن "صعبة جداً". ولذلك تريد برلين على الأقل أن تظهر أوروبا جبهة موحدة في مواجهة ترامب في هامبورغ. وقال دبلوماسي "إن ميركل دعت إلى قمة بين الأوروبيين قبل قمة مجموعة العشرين"، وذلك "لضمان التناغم الأوروبي، لأن المشكلة تكمن في العلاقة مع ترامب".

واليوم حذرت ميركل من نزعات "الحمائية" و"الانعزالية"، في نقد مبطن لمواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي سيشارك في القمة. وقالت ميركل أمام مجلس النواب في برلين بشأن قمة مجموعة العشرين: "إن من يظنون أن الحمائية والانعزالية هي الحل لتسوية مشاكل العالم يرتكبون خطأ كبيراً".

وأشارت ميركل إلى أنها تتوقع من هذه القمة "رسالة واضحة مؤيدة لأسواق منفتحة ومناهضة للانعزالية". وتابعت أنها حددت كهدف للقمة التي يشارك فيها خصوصاً الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب "أن يظهر القادة إدراكهم لمسؤولياتهم إزاء الكرة الأرضية بأسرها، ويتحملونها". وأضافت "نحن بحاجة أكثر من أي وقت آخر لمجموعة العشرين، لأن العمل المتعدد الأطراف يتيح تسوية المشاكل المشتركة أفضل بكثير من حلها كل على حدة في المستوى الوطني".

ومن جهة أخرى، أكدت المستشارة الألمانية أن أوروبا "مصممة أكثر من أي وقت مضى" على مكافحة التغير المناخي، وذلك بعد انسحاب واشنطن من اتفاق باريس حول المناخ وقبل أيام من قمة مجموعة العشرين. وقالت ميركل أمام مجلس النواب في برلين لدى تطرقها إلى قمة مجموعة العشرين، إن التغير المناخي "تحد وجودي" للإنسانية وأن اتفاق باريس "غير قابل للتفاوض" مجدداً.

ألمانيا في الواجهة

وكان وزير خارجية ألمانيا سيغمار غابرييل اتهم واشنطن صراحة بالسعي إلى التخريب. وقال: "ليست هناك استراتيجية مناهضة للولايات المتحدة وبالتأكيد ليس من جانب الحكومة الألمانية، لكن هناك صناع استراتيجية أميركيين يخططون لسياسات مناهضة لأوروبا ولألمانيا".

وتقود ألمانيا المواجهة مع إدارة ترامب، وذلك لأنه بالرغم من أن الاستهلاك الخاص والإنفاق الحكومي محركان رئيسيان للنمو في أكبر اقتصاد في أوروبا، ولكن تظل الصادرات تمثل نحو 45% من الناتج المحلي الإجمالي الألماني. وتؤثر اتجاهات ترامب الحمائية مباشرة على الاستراتيجية الاقتصادية الألمانية، لا بل تهددها بتقويض عنصر هام من عناصر زخمها. فالبرنامج الاقتصادي للرئيس الأميركي يهدد برفع الحواجز الجمركية ضد بعض شركائه وخاصة ألمانيا، ويوجه انتقادات لاذعة لحرية التبادل التجاري. كما يستهدف ترامب بشكل خاص ألمانيا وصادراتها إلى الولايات المتحدة التي يراها "مفرطة"، بحسب تعبيره، ويجب أن تكون لصالح الأميركيين.

وواقع الدول الأوروبية لا يقل اهتماماً بمسار التفاوض حول التجارة الحرة. إذ أقر وزراء مالية الاتحاد الأوروبي في إبريل/
نيسان الماضي، بأن أكبر 20 اقتصاداً في العالم لن تحقق هدف توليد نمو اقتصادي إضافي من خلال إصلاحات بحلول عام 2018، ودعوا لدراسة أسباب الفشل. وكانت اقتصادات مجموعة العشرين اتفقت في 2014 على تعزيز النمو بنسبة لا تقل عن 2% إضافية على مدى خمسة أعوام من خلال إصلاحات لإضافة أكثر من تريليوني دولار للاقتصاد العالمي وتوفير ملايين الوظائف.

إخفاقات سابقة

وتعيد الأجواء الأوروبية - الأميركية القائمة اليوم، استحضار مرحلة مماثلة عاشها القطبان في مارس/ آذار الماضي، خلال اجتماع وزراء مالية مجموعة العشرين. حينها، أذعن المجتمعون لتنامي النزعة الحمائية الأميركية، وتخلى وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية من أكبر عشرين اقتصاداً في العالم في اجتماعهم في مدينة "بادن بادن" الألمانية عن التعهد بالحفاظ على حرية التجارة العالمية. وعوضاً عن ذلك وجه الجميع إشارة رمزية للتجارة في البيان الرئيسي وقالوا إن مجموعة العشرين ستعمل لدعم مساهمة التجارة في اقتصاداتها.

وقال اقتصاديون إن إخفاق مسؤولين ماليين من حول العالم في الاتفاق على مقاومة الحماية التجارية ودعم التجارة الحرة يمثل انتكاسة لمجموعة العشرين ويهدد نمو الاقتصادات التي تعتمد على التصدير، مثل ألمانيا، التي استضافت اجتماع المجموعة.

واعتبر غابرييل فلبرماير، الاقتصادي في معهد إيفو، في حديث سابق مع وكالة "رويترز"، أن "الصياغة الضعيفة بشأن التجارة هزيمة لرئاسة ألمانيا لمجموعة العشرين". وأضاف "في ضوء حقيقة أن ألمانيا من أقوى الدول المصدرة وتعتمد أكثر من أي دولة أخرى على الأسواق الحرة للحفاظ على رخائها". وتابع "عدم رفض الحماية التجارية خروج واضح عن المعهود. كل شيء محتمل الآن"، مضيفاً أن المستقبل قد ينطوي على إضعاف منظمة التجارة العالمية واستغلال أسوأ لسياسات الحماية التجارية.

وبالفعل، أكد وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله في إبريل/ نيسان، أن "الحمائية ستكون مضرة للاقتصاد العالمي والاقتصادات المعنية". في حين لمّحت وزيرة الاقتصاد الألمانية بريجيت تسيبريس في مارس/ آذار، إلى إمكان التقدم بشكوى أمام منظمة التجارة العالمية في حال نفذ ترامب وعود حملته الانتخابية وفرض رسوما جمركية على الواردات.

التغير المناخي

أما النقطة الثانية التي تثير انقسامات حادة بين الأوروبيين وإدارة ترامب، فهي اتفاقية باريس للمناخ، التي انسحبت منها أميركا مطلع الشهر الحالي، تحت شعار الدفاع عن الوظائف الأميركية، وخفض القيود التنظيمية التي تحكم عمل الشركات و"التحرر من القيود المالية والاقتصادية الشديدة التي يفرضها الاتفاق على بلادنا"، وفق تعبير ترامب.
وشكل انسحاب أميركا من اتفاقية باريس للمناخ صدمة دولية، وأبدى الاتحاد الأوروبي استعداده لقيادة التصدي للاحتباس الحراري.

وأصدرت برلين وباريس وروما بياناً مشترك حينها أبدت فيه "أسفها" للقرار الأميركي، مؤكدة أنه لا يمكن في أي حال من الأحوال معاودة التفاوض بشأن الاتفاقية. ومن المتوقع أن يناقش قادة مجموعة العشرين هذا الملف في قمتهم المقبلة، وكذا تضمين البيان الختامي إشارة حول العمل على خفض الانبعاثات وتمويل الجهود الدولية المرتبطة بهذه القضية.

(العربي الجديد)






المساهمون