تونس تدقق في تمويلات مشبوهة لـ 18 ألف جمعية

16 يونيو 2017
تنتفع الجمعيات بالتمويل الحكومي (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
تطاول الحملة التي تقودها الحكومة التونسية، ضد الفساد والكسب غير المشروع، الجمعيات الناشطة في البلاد، بعدما أُمهلت شهرا لإعداد تقارير تتضمن جرداً مفصلاً لمصادر تمويلها ونفقاتها فضلا عن الإعلام بكل التمويلات الأجنبية التي حصلت عليها وتقديم مستندات بها لدائرة المحاسبات (هيكل حكومي لمراقبة النفقات العامة).
وتسعى الحكومة إلى تطويق كل أشكال الكسب غير الشرعي والأموال المشبوهة عبر رفع أداء الهياكل الرقابية، سواء في البنك المركزي أو عبر أجهزتها الرقابية على غرار دائرتي المحاسبات والمالية.
وعقب الثورة عرفت البلاد طفرة في إنشاء الجمعيات المدنية، التي فاقت 18 ألف جمعية، ما جعل مراقبة كشوف تمويلاتها أمرا صعبا وفق المهتمين بالشأن الاقتصادي.
ويفرض القانون المنظم لنشاط الجمعيات والأحزاب السياسية على الجمعيات المستفيدة من المال العام رفع تقرير مفصل حول تصرفها في مواردها لدائرة المحاسبات، ومع ذلك لم تقم إلا 1500 جمعية من جملة أكثر 18 ألف جمعية بإيداع تقارير حول مداخيلها ومصاريفها.
وأحصى مركز "إفادة" الخاص بالجمعيات نحو 18143 جمعية تنشط في تونس، لا تملك الجهات الرسمية أي قاعدة بيانات لها، كما تجهل حجم الموارد التي تنتفع بها ومصادر التمويل.
ويحق للدولة بموجب الدستور والقانون مراقبة الجمعيات المشتبه فيها وتجميد نشاطها، كما يجيز الدستور لرئيس الجمهورية اتخاذ تدابير استثنائية في حال وجود خطر داهم، كما يسمح قانون الإرهاب ومنع غسل الأموال بملاحقة الجمعيات المشتبه في تمويلها وحلّها ومعاقبتها.
وبحسب بيانات رسمية، فإن ثمانية آلاف جمعية فقط تمتلك ملفا ضريبيا، في حين تفتقد أكثر من 10 آلاف جمعية أية هوية أو ملف مالي أو جبائي، ما يجعل تتبع أثرها أمرا شبه مستحيل بحسب الخبير الجبائي، الأسعد الذوادي.
وقال الذوادي في تصريح لـ"العربي الجديد" إن القصور يكمن في النص القانوني ذاته المحدث للجمعيات بسبب غياب فصول صارمة في مراقبة التمويلات وإجراءات رادعة للمخالفات، مشددا على ضرورة الإسراع في مراجعة هذا القانون حتى تؤكد الحكومة نيتها في مقاومة الفساد والكسب غير المشروع.
وأضاف الخبير المحاسب وعضو الوطنية للمستشارين الجبائيين، أنه يفترض أن تمسك الدولة بسجل وطني خاص بالجمعيات على غرار السجل التجاري الخاص بالشركات، مؤكدا أن هذا السجل يسهل عمل الهياكل الرقابية. كما دعا الذوادي إلى نشر سجل الجمعيات على شبكة الإنترنت، حتى يتسنى للجميع الحصول على كل المعلومات المتعلقة بالجمعيات الموجودة ومنح السلطات الرقابية آليات لتتبع هذه الجمعيات بالتعاون مع دائرة المحاسبات.
وقال الذوادي إن التمويلات الفاسدة للجمعيات مضرة للاقتصاد المحلي، لافتا إلى أن الجمعيات يمكن أن تكون واجهة لتبييض أموال قذرة أو أنشطة اقتصادية ممنوعة قانونيا.
ولا تحجب شبهة الأموال الفاسدة داخل الجمعيات بحسب الخبير الذوادي، الدور المهم الذي قامت به جمعيات مدنية في توفير فرص عمل بالمناطق الداخلية ومساعدة شباب عاطل على إنشاء مشاريع صغرى، فضلا عن مساهمتها في تحسين بنى تحتية ومرافق حيوية في الأرياف.
ومنذ عام 2015، أقر محافظ البنك المركزي التونسي، الشاذلي العياري، بوجود المئات من الحسابات المصرفية المشبوهة، حسب تقرير أعدته لجنة التحاليل المالية.
وقال المحافظ إن المصرف المركزي أذن للجنة التدقيق المالي بإجراء بحث فني مالي في مصادر تمويل الحسابات البنكية المشبوهة، على أن تتم إحالة الملفات إما إلى رئاسة الحكومة في ما يتعلق بالجمعيات، أو إلى الجهة القضائية.
وأوضح العياري أنه تم إعلام البنك المركزي بوجود عمليات مالية مريبة من طرف عدد من المصارف.

وحذرت العديد من المنظمات والأحزاب السياسية في مناسبات سابقة من خطورة التمويلات المشبوهة، التي تُحوّل لعدد من الجمعيات الخيرية، في إشارة إلى أن هذه التحويلات مجهولة المصدر تستعمل في تمويل الإرهاب واستقطاب الشباب العاطل عن العمل بغاية إقناعهم بالجهاد في بؤر التوتر.
ويرى الخبير الاقتصادي، معز الجودي، أن مناخ الشفافية ومكافحة الفساد الذي تتطلع الحكومة لإرسائه يتطلب دعم كل أجهزة الرقابة الحكومية والقضائية، مشيرا إلى أن غياب الشفافية في عمل الجمعيات سهّل عملية اختراقها وتوظيف البعض منها في أنشطة غير مشروعة.
وقال الجودي، لـ"العربي الجديد"، إن عددا كبيرا من الجمعيات ينتفع بالتمويل الحكومي، ما يستدعي محاسبتها في كيفية التصرف واستغلال هذه الأموال حتى لا تتحول الدولة إلى شريك في تبديد المال العام، حسب قوله.
وتخصص الحكومة تمويلات للجمعيات ضمن ميزانية الدولة أو ميزانيات الجماعات المحلية أو المؤسسات ذات الصبغة الإدارية أو المؤسسات والمنشآت العمومية أو الشركات ذات المساهمات العمومية بنسبة تفوق 34% من رأس مالها، بهدف دعم الجمعيات ومساعدتها على إنجاز المشاريع وتطوير نشاطها.
ويُسند التمويل العام للجمعيات إما لدعم نشاطها وتطوير وسائل عملها تبعا لطلبات مباشرة تتقدم بها الجمعيات، أو لتنفيذ مشاريع تهدف إلى تحقيق النفع العام.


المساهمون