السودان يكثّف جهوده لتنفيذ مطالب رفع العقوبات الأميركية نهائياً

17 ابريل 2017
السودانيون ينتظرون تحسن أوضاعهم المعيشية (الأناضول)
+ الخط -
كثّفت الحكومة السودانية جهودها، خلال الفترة الأخيرة، من أجل تنفيذ شروط قرار رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية المقرر تطبيقه في يونيو القادم، في ظل مخاوف من عدم الاستفادة من هذه الخطوة بسبب إحجام الكثير من الشركات والمؤسسات الأجنبية عن عودة تعاملاتها مع الخرطوم ترقباً لقرار نهائي من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ما يتعلق بالحظر.
وتحبس حكومة الخرطوم أنفاسها، في انتظار مهلة الستة أشهر التي حدّدها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، لرفع العقوبات الاقتصادية بشكل نهائي، والتي استمرت لنحو عشرين عاما، إذ عمد أوباما قبيل مغادرته البيت الأبيض مع نهاية ولايته في يناير/كانون الثاني الماضي باستصدار قرار جمّد بموجبه العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان منذ عام 1997.

ورغم مخاوف بالأوساط الاقتصادية من عدم الاستفادة من تجميد العقوبات بالشكل المستهدف بعد مضي نصف المهلة تقريباً، بدت حكومة الخرطوم واثقة من اجتيازها امتحان الستة أشهر عبر المضي في تنفيذ التزاماتها مع الحكومة الأميركية المتمثلة في خمسة محاور بينها محاور إنسانية تتصل بالوضع الداخلي بمناطق النزاع وأخرى تتصل بقضايا إقليمية بالمساهمة في تحقيق الاستقرار في دول جنوب السودان وليبيا.
وقدّرت الحكومة السودانية، أخيراً، خسائر العقوبات الأميركية بمبلغ 45 مليار دولار، وقطعت على لسان وزير المالية بدرالدين محمود بتأثيراتها السالبة على مقدرات الحكومة في الإيفاء بمديوناتها الخارجية، ورأى محمود أن خطوة رفع الحظر من شأنها أن تقود لزيادة التعاملات الخارجية وتسهل عملية التحويلات المالية فضلا عن تعزيز الاستثمار.

وكان وزير المالية قد أكد أن 62% من حجم الديون الخارجية البالغة 45 مليار دولار حتى عام 2015، عبارة عن فوائد التعاقدات، بينما أصل الدين يمثل فقط 38%، موضحاً أنه منذ استقلال البلاد في خمسينيات القرن الماضي وحتى 2015 بلغ أصل الدين الخارجي 17.2 مليار دولار والفوائد 27.8 مليار دولار.
وشرعت الحكومة والقطاع الخاص في تلمس الفرص المتوقعة مع رفع القرار بصورة نهائية للاستفادة اقتصاديا من الخطوة.
وفي المقابل، يرى محللو اقتصاد أن السودان لن يستفيد بشكل كامل من إيجابيات القرار خلال مهلة الستة أشهر، ولن ينجح في استقطاب شركات أو مصارف أجنبية أو فك تعقيدات التحويلات المصرفية بصورة ملحوظة باعتبار أن الفترة الحالية بمثابة استكشاف إذ إن الأطراف المختلفة لن تغامر بإعادة العلاقات كاملة مع الخرطوم ما لم يكن القرار نهائيا.

وفي هذا السياق، يؤكد القيادي في اتحاد أصحاب العمل ورجل الأعمال السوداني، سمير أحمد قاسم، لـ "العربي الجديد"، إن القطاع الخاص واصل اتصالاته خلال الفترة التي تلت قرار تجميد العقوبات، مع الشركات والمصارف الأجنبية بما فيها الأميركية، لكنهم لمسوا تحفظات لديهم، لحين إصدار القرار النهائي برفع العقوبات.
وأضاف قاسم أن "فترة العقوبات كانت طويلة وبالتالي لا ننتظر استردادها خلال شهر أو شهرين أو حتى ستة أشهر، لكن بالتأكيد الرفع النهائي سيمثل أرضية للتطبيع مع أميركا، ويمثل فرصاً أكبر لاقتصاد البلاد".
وعند إعلان العقوبات الأميركية في عام 1997، حاول السودان تفاديها لا سيما في مجال المعاملات المالية والمصرفية، عبر التحول من الدولار الأميركي إلى العملات الأخرى بينها اليورو، فضلا عن التوجه شرقا تحديدا تجاه الصين، لكن خطواته تلك سرعات ما باءت بالفشل، بالنظر إلى قوة أميركا الاقتصادية وسيطرتها الكاملة على نظم وحركة المعاملات المالية في العالم، حسب المحللين.

وأثرت العقوبات سلبا على البلاد، حيث زادت معها تكلفة تقديم الخدمات والتحويلات والتجارة، إذ ابتعدت معظم المصارف والبنوك الخليجية والعربية عن التعامل مع السودان، خوفا من أن تؤثر العقوبات الأميركية على مصالحها، خاصة مع تعمد واشنطن معاقبة الشركات الأجنبية التي تعاملت مع الخرطوم وفرضت عليها غرامات باهظة.
وعمليا لم يستفد السودان من مبادرات سابقة منها مبادرة إعفاء الدول المثقلة بالديون "الهيبك"، رغم استيفائه كافة المتطلبات الفنية، حيث تم إدراجه فيها ضمن 136 دولة، وذلك لرهن الخطوة دوليا بإنهاء الحرب في دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وتحقيق الاستقرار السياسي الداخلي.
وأكدت تقارير غير رسمية أن الحرب دفعت الحكومة إلى تخصيص 70% من موازنة الدولة لقطاع الدفاع والأمن.

وحسب خبراء فإن إبقاء قانون سلام درافور الذي أقره الكونغرس الأميركي، سيجعل السودان محظورا من الاستفادة من القروض والمبادرات الخاصة بخفض الديون الأميركية.
ويرى المستشار الاقتصادي في عدة مؤسسات حكومية، محمد الناير، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن العقوبات الاقتصادية الأميركية أسهمت في فقدان البلاد لفرص التمويل الميسرة من الصناديق الدولية وقادته للجوء إلى فرص أخرى بشروط صعبة.
وأشار إلى أن تأثيرات العقوبات لم تتركز في القطاع المالي فقط، بل امتدت لتطاول الصادرات السودانية، بسبب صعوبات النقل وتحويل الإيرادات عبر البنوك العالمية.

ومع إعلان قرار تجميد العقوبات الاقتصادية الأميركية نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، شهدت أسعار العملات الصعبة في البلاد تراجعا، حيث انخفض سعر الدولار من 19.5 جنيها في السوق الموازية إلى 15.5 جنيها، لكنها سرعان ما استفاقت من الصدمة وبدأ الدولار الصعود مرة أخرى حيث وصل سعره حاليا إلى 18 جنيها، حسب الناير.
وتباينت الآراء في ما يخص التأثير المباشر للعقوبات الأميركية على البلاد، فهناك من يحمل واشنطن المسؤولية الأولى في تدهور الاقتصاد بالنظر للتأثيرات السالبة لها على القطاعات المختلفة، بما فيها القطاع الخاص السوداني عبر حرمانه من التمويل الخارجي والاستثمار الأجنبي، فضلا عن قطاع السكة الحديدية والخطوط الجوية السودانية، إذ توقفت أكثر من 80% من القطارات والطائرات، خاصة الأميركية، لعدم توفر قطع الغيار، مما قاد إلى ارتفاع تكلفة النقل عبر الجو والشاحنات، فضلا عن تأثيرات العقوبات على قطاع الصناعة، والذي يمثل 26% من إجمالي الناتج المحلي.

ويعتقد محللون أن العقوبات هي السبب الرئيسي في تدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع نسب الفقر، بالنظر لتأثيرها المباشر في رفع تكلفة الإنتاج ومن ثم ارتفاع أسعار السلع، لكن آخرين يرون أن الحكومة ضخمت من تأثيرات العقوبات وأن المتهم الرئيسي للأزمة الاقتصادية هو فشل سياسات الحكومة المالية والاقتصادية وغياب الرؤية، فضلا عن تأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية، وانفصال جنوب السودان وتكوين دولته المستقلة عام 2011 وانسحاب إيرادات النفط جنوبا والتي كانت تشكل 75% من موازنة الدولة. وحسب تقارير رسمية، زاد العجز في الميزان التجاري من 300 مليون دولار في 2011 إلى أكثر من أربعة مليارات دولار العام الماضي.

ويستبعد وزير المالية السوداني السابق، التجاني الطيب، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن تسهم عملية رفع العقوبات في زيادة النقد الأجنبي بالأسواق في ظل الفجوة الحالية بين السعر التحفيزي وسعر الصرف في السوق الموازية، بجانب غياب السياسات المطلوبة للحد من استمرار تدهور العملة الوطنية مقابل العملات الأخرى.
ورأى أن السبب الأساسي خلف تدهور أسعار العملة المحلية مقابل الدولار وهبوطها بنسبة 122% من نهاية ديسمبر/كانون الأول 2014 إلى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2016، عدم ضبط الإنفاق الجاري غير الداعم للنمو وحل مشكلة اختناقات الإنتاج بإعادة تحريك عجلة نشاط القطاعات الحقيقية، حيث بلغ متوسط معدل التضخم 31% في الشهر الأخير من عام 2016 مقارنة بنحو 13% عن نفس الفترة من عام 2015.
ويرى الطيب أن رفع العقوبات يمثل حافزاً قوياً لتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد، لكنه يؤكد أن الخطوة واقعيا تظل خيالية في حال لم تقدم الحكومة على إجراءات جذرية وتقديم تسهيلات، لا سيما لقطاعات الزراعة والصناعة والنفط والتعدين.


المساهمون