استثمارات سعودية رهن الاعتقال... الخسائر تلاحق شركات كبرى وانهيار لرؤية 2030

06 نوفمبر 2017
الوليد بن طلال أبرز رجال الأعمال المعتقلين(عامر حلبي/فرانس برس)
+ الخط -
أحدثت سلسلة الاعتقالات التي طاولت رجال أعمال بارزين وأمراء ووزاء سابقين وحاليين في السعودية، ضجة في الأوساط الاستثمارية المحلية والدولية، في ظل امتداد أذرع الشركات العائدة لعدد من المستثمرين المعتقلين وعلى رأسهم الأمير الوليد بن طلال، إلى خارج المملكة.
وبعد ساعات من الإعلان عن سلسلة الاعتقالات، أصيب الاقتصاد السعودي بما يشبه "الزلزال"، وفق وصف خبراء اقتصاد، حيث انتاب الفزع المستثمرين، كما منيت نحو 70% من الشركات المدرجة في البورصة بالخسائر، بينما لم ينقذ السوق من التراجع الحاد سوى عمليات شراء موجهة لأسهم الشركات القيادية ذات الوزن الأكبر في السوق.

وجاءت الاعتقالات في إطار ما وصفته وسائل إعلام محلية بـ "حملة تطهير"، إثر إصدار العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، أمراً ملكياً بتشكيل لجنة عليا جديدة لمكافحة الفساد برئاسة ولي العهد محمد، الساعي إلى تولي عرش المملكة.
وبحسب الأمر الملكي الذي نشرت نصه وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس"، فإن اللجنة مكلفة بـ"حصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة في قضايا الفساد العام".

ومنح الملك سلمان اللجنة صلاحيات "التحقيق، وإصدار أوامر القبض، والمنع من السفر، وكشف الحسابات والمحافظ وتجميدها، وتتبع الأموال والأصول ومنع نقلها أو تحويلها من قبل الأشخاص والكيانات أياً كانت صفتها".

وبحسب وسائل إعلام محلية، ووكالات دولية منها رويترز والأناضول، فإن من أبرز رجال الأعمال الموقوفين: الأمير الوليد بن طلال رئيس شركة المملكة القابضة والذي له مساهمات في مؤسسات دولية منها سيتي غروب وتويتر وأبل الأميركية، وصالح كامل مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة "دله البركة" التي تتبعها شركات في عدة مجالات ومؤسسات مصرفية، الوليد الإبراهيم مالك مجموعة " ام بي سي" التلفزيونية، خالد الملحم المدير العام لشركة الخطوط الجوية السعودية السابق، بكر بن لادن رئيس مجموعة بن لادن، ورجل الأعمال محمد العمودي.

وقال إسماعيل الفيلكاوي الخبير في الشؤون الاقتصادية الخليجية، إن الاقتصاد السعودي تعرض لهزة قوية بعد فقدان الثقة في كبار رجال الأعمال وشخصيات الدولة التي تعمل في القطاعات الاقتصادية والمالية، ما يؤثر على الوضع الاقتصادي المتأزم بالأساس، ويعرض الدولة لتخفيض تصنيفها السيادي خلال الفترة المقبلة، نظرًا لحساسية الشخصيات التي تم اعتقالها.
وشملت الاعتقالات عادل فقيه وزير الاقتصاد والتخطيط، وإبراهيم العساف وزير المالية السابق. وبحسب الفيلكاوي، فإن ما يجري في المملكة يؤثر بشكل مباشر على وتيرة الإصلاح الاقتصادي التي تقوم بها الدولة، متمثلة في الخصخصة ومشروعات التنمية، نظرا لأن أغلب هذه الملفات كانت بحوزة الوزارات التي تم الإعلان عن اعتقال مسؤولين كبار فيها.

لكن وزير المالية محمد بن عبدالله الجدعان، قال في بيان له، أمس، إن عملية الاعتقالات تأتي في إطار تكريس دولة القانون وفق المعايير الدولية، وتفعيل حقيقي لأنظمة مكافحة الفساد، التي تطبقها حكومة المملكة.
وأوضح الجدعان أن "عمل لجنة حصر قضايا الفساد يصب في ضمان حقوق الدولة وحماية المال العام، بما يعزز برامج التنمية الوطنية المستدامة ويكرس للمنهج الإصلاحي".

لكن الخبير في شؤون الخليج في معهد بيكر بجامعة رايس الأميركية، كريتسيان اولريشسن، قال لوكالة فرانس برس "يبدو أن نطاق ومدى هذه الاعتقالات لم يسبق لهما مثيل في التاريخ الحديث للمملكة".
وأضاف " إذا تأكّد اعتقال الأمير الوليد بن طلال، فسيشكل ذلك موجة صدمة على الصعيد الداخلي وفي عالم الأعمال الدولية".
ومن المحتمل أن يكون لاعتقال الأمير السعودي الوليد بن طلال، الذي اشتهر بمراهناته الكبرى على سيتي غروب وشركات غربية كبرى أخرى، أثر على استثمارات بمليارات الدولارات في مختلف أنحاء العالم، وفق تقرير لرويترز.

ففي نظر كثيرين من الأجانب يمثل الوليد، الذي قدرت مجلة فوربس ثروته بمبلغ 17 مليار دولار، وجه قطاع الأعمال السعودي إذ يظهر كثيرا على شاشات التلفزيون العالمية وفي تقارير عن استثماراته وأسلوب حياته.
وربما تصبح استثمارات الأمير الوليد الحالية والمستقبلية موضع شك بعد اعتقاله في تحقيق تجريه هيئة سعودية جديدة لمكافحة الفساد.

وقال مدير تنفيذي كبير في مؤسسة مالية أوروبية زار الرياض أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي لحضور مؤتمر دولي يروج للسعودية كوجهة للاستثمارات "الناس سيدرسون أي نوع من الممتلكات الدولية يخص من تم اعتقالهم لمعرفة أثر ذلك عليها".
وبخلاف حصة في مجموعة سيتي غروب يملك الأمير الوليد (62 عاما) حصصا مهمة في تويتر وشركة ليفت لتوصيل الركاب وشركة تايم وارنر.
وفي الآونة الأخيرة اشترت شركته الاستثمارية المملكة القابضة، التي هوى سعر سهمها بأكثر من 7%، حصة كبيرة في البنك السعودي الفرنسي.

ولا يختلف الوضع بالنسبة لباقي رجال الأعمال، الذين طاولهم الاعتقال، فصالح كامل لديه استثمارات في الكثير من البلدان العربية من خلال مؤسسات مصرفية وتجارية، وكذلك محمد العمودي الذي يعد من أبرز المستثمرين في سد النهضة بإثيوبيا، وكذلك بكر بن لادن رئيس مجموعة بن لادن، وهي من كبريات شركات المقاولات بالسعودية.

وقال الخبير الاقتصادي السعودي محمد الراوي في اتصال هاتفي مع " العربي الجديد" إن بيئة الأعمال التجارية والاقتصادية ستتأثر بما حدث.
وأضاف الراوي: "ستنعكس هذه الاعتقالات سلبا على ثقة المستثمرين، وكذلك سيتأثر تنفيذ المشروعات التنموية الكبرى، التي أعلنت عنها المملكة في وقت سابق خاصة رؤية 2030 ومشروع نيوم السعودي وجميعها بحاجة إلى تمويلات مليارية لتنفيذها وبالتالي سيصعب على البنوك الدولية في مثل هذه الظروف المشاركة أو المساهمة في تمويلها".

وتابع: "مناخ الاستثمار الأجنبي سيدخل نفقا مظلما، على إثر تخوف المستثمرين الدوليين الدخول في شراكات أو استثمارات بالمملكة خلال الفترة المقبلة أو على أقل تقدير حتى تتوضح الرؤية الاقتصادية للبلاد من جديد، وهذا الأمر قد يستغرق أشهراً".
وقال أي استثمار أجنبي في العالم يحتاج إلى استقرار سياسي واقتصادي، وما تعيشه المملكة حاليا لا يدل على ذلك، وهناك توقعات بتخفيض التصنيف السيادي، وهو ما سينعكس بالسلب على الاقتصاد".

وكان محمد بن سلمان، قد أطلق رؤية 2030، بغية تنويع الاقتصاد. وبالرغم من خططه، إلا أن الاقتصاد السعودي لم يتجاوب مع الخطة، وقد كشفت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في سبتمبر/ أيلول الماضي أن رؤية 2030، التي جرى الإعلان عنها في إبريل/ نيسان 2016، صعبة التحقيق، وأن أهدافها عدوانية، لذا بدأت المملكة بإعادة صياغتها.
ورغم محاولة السعودية تحسين واقعها الاقتصادي بعد انخفاض أسعار النفط، إلا أن الأرقام على أرض الواقع مغايرة تماماً، فقد أظهرت نتائج مسح القوى العاملة مؤخرا أن معدل البطالة الإجمالي للسكان ارتفع إلى 12.8% في أغسطس/ آب مقابل 12.7% في الشهر السابق له.

كما أشارت بيانات رسمية صادرة عن مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي)، اطلع عليها "العربي الجديد"، أن السعودية خسرت أكثر من نصف احتياطيّها العام في 32 شهراً، بعد أن تهاوى إلى 617.3 مليار ريال (164.6 مليار دولار) في أغسطس/ آب 2017، مقابل 1.3 تريليون ريال (346.6 مليار دولار) في ديسمبر/كانون الأول 2014.


المساهمون