رخص الاستيراد...إجراءات الحكومة الجزائرية تفشل في مواجهة الواردات

29 نوفمبر 2017
الواردات لا تزال عند مستويات مرتفعة (Getty)
+ الخط -
لم تنجح رخص الاستيراد التي وضعتها الحكومة الجزائرية مطلع العام الماضي في كبح واردات البلاد وتحرير الاقتصاد المحلي من التبعية لعائدات النفط، فالأرقام كشفت أن الإجراءات الرسمية لم تستطع أن تحقق التوازن بين كفتي الميزان التجاري.

واردات مستعصية
واصطدمت آمال الحكومة الجزائرية بحقيقة الأرقام التي كشفت عن استقرار حجم الواردات بالرغم من تشديد الإجراءات الإدارية والبنكية على عمليات الاستيراد، من خلال فرض رخص إدارية مسبقة ترافقها عمليات اعتمادات مستندية قبل وصول السلع إلى الجزائر.
واستوردت الجزائر خلال العشرة أشهر الأولى من العام الجاري بما يعادل 38.18 مليار دولار، حسب بيانات الجمارك، وهو رقم لا يبعد كثيرا عن ذلك المسجل عن الفترة ذاتها من عام 2016، عندما استوردت الجزائر بما يعادل 38.88 مليار دولار، أي أن الفارق لا يتعدى 1.8%، وهو فارق لا يترجم الخطاب الحكومي الذي ظل يسوق لكبح الواردات على اعتبار أنها أبرز الحلول الموضوعة لتجاوز الأزمة المالية.

كما تكشف أرقام واردات الجزائر عن فشل الحكومة في تحقيق هدفها الأول، وهو خفض ما يتم استيراده خلال العام الجاري إلى 30 مليار دولار، وهو السقف الذي تجاوزته البلاد بنحو 8 مليارات دولار دون احتساب ما يتم استيراده خلال شهري نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول.
وإلى ذلك، قال الخبير الاقتصادي فرحات علي، إن فشل رخص الاستيراد في كبح الواردات كان متوقعا، إذ لا يمكن لدولة اعتمدت اقتصادا مبنيا على صرف عائدات النفط في شراء ما تأكله وتعيش به، أن تتحول بين يوم وآخر وبقرار إداري فقط إلى دولة منتجة.
وأضاف علي، لـ"العربي الجديد"، أن كلام الحكومة عن خفض الواردات إلى 30 مليار دولار، كان ضربا من الخيال، قائلا: "حذرنا من هذه التوقعات الانتحارية فانتقدتنا الحكومة بشدة".
وتساءل علي: "كيف حافظت واردات الجزائر على مستويات 2016 نفسها إذا كنا لم نستورد السيارات والحديد هذه السنة مقارنة بالسنة الماضية، إلا إذا كانت الحكومة قد سمحت باستيراد سلع أخرى دون الكشف عنها؟".

أسعار النفط
مرة أخرى تنقذ أسعار النفط الحكومة الجزائرية التي دخلت في سباق مع الزمن من أجل إحداث شبه توازن بين كفتي الميزان التجاري، حيث ساعد الارتفاع الطفيف لأسعار الذهب الأسود في تخفيف الضغط على الخزينة العمومية الجزائرية وعلى احتياطي البلاد من العملة الصعبة.
وانخفض العجز التجاري في الأشهر العشرة الأولى من السنة إلى 9.5 مليارات دولار مقابل 14.4 مليار دولار في الفترة نفسها من السنة الماضية، أي بتراجع قدّر بنحو 34%، وذلك بفضل ارتفاع صادرات الجزائر إلى 28.6 مليار دولار، قرابة 27 مليار دولار منها عائدات نفطية، مقابل 24 مليارا السنة الماضية.
ويقول الخبير الاقتصادي عمار روابحية، إن البنك المركزي أشار في توقعاته لعائدات البلاد من العملة الصعبة لهذه السنة إلى أن متوسط سعر برميل النفط سيبلغ 51 دولارا، مقابل 42 دولارا السنة الماضية، وهو ما سمح للحكومة بأن تمتص شيئا من العجز المسجل في الميزان التجاري.
وأضاف المتحدث نفسه لـ"العربي الجديد"، أن أرقام الميزان التجاري كشفت حقيقة مرة أخرى وهي تواصل هيمنة النفط على صادرات البلاد بالرغم من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لتشجيع الإنتاج وكبح الواردات.


حلول إدارية
منذ إقرارها منتصف سنة 2015 وبداية العمل بها في يناير/ كانون الثاني 2016، ظلت رخص الاستيراد محل جدلٍ كبيرٍ في الجزائر بين الخبراء، وتحولت إلى ورقة سياسية في يد الأحزاب، فالحكومة اعتبرتها الحل الوحيد لمواجهة التدفق الكبير للحاويات والسلع والخدمات، والتي كلفت الخزينة قرابة 64 مليار دولار سنويا، في حين اعتبرها الخبراء والمعارضة مجرد "حلٍ إداري" لمشكلة اقتصادية، أي بمثابة مسكن مؤقت سرعان ما زال مفعوله.
وفي السياق، قال عمارة بن يونس، وزير التجارة الأسبق (2014-2016) وصاحب مشروع "رخص الاستيراد"، إن الرخص لم تكن ترمي في أي حال من الأحوال إلى احتكار هذه النشاطات من قبل الدولة، ولكن إقرارها كان وسيلة لتسيير التجارة الخارجية بشكل عقلاني وفعال.
وأضاف بن يونس في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "رخص الاستيراد كانت موجهة لكبح تدفق كل منتج يهدد إنتاجنا الوطني وفرص العمل المستحدثة بفضل هذا الإنتاج، ولا تشكل على الإطلاق تناقضا مقارنة بالتزامات الجزائر الدولية، لأن الأمر يتعلق بآلية تقرها المنظمة العالمية للتجارة".
وحول تقييم هذه الآلية بعد مرور 18 شهرا من بداية العمل به، قال وزير التجارة الأسبق إن "التقييم يكون نسبيا ولا يمكن الجزم بنجاحها أو فشلها، إلا أن المهم هو أن مشكل التجارة الخارجية الجزائرية لا يكمن في ارتفاع الاستيراد، فالجزائر بها 40 مليون نسمة، فعندما نستورد 40 مليار دولار، هذا ليس بالرقم الكبير، ولكن المشكل الكبير في اقتصادنا هو أننا لا نصدر أي شيء ولا ننتج أي شيء".
ورغم تمسك الحكومة بهذه الآلية لسنوات أخرى قادمة، يبقى المستثمرون والخبراء متمسكين بتحفظاتهم للطريقة التي يتم بها اختيار السلع والمنتجات الخاضعة لرخص الاستيراد، بعد تسجيل اضطرابات في السوق الجزائرية جراء تراجع العرض، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار، كما حدث مع السيارات الجديدة ومواد البناء وحتى مواد التجميل التي ارتفعت أسعارها بحوالي الثلث.
ويرى الخبير الاقتصادي ورئيس جمعية المصدرين الجزائريين، إسماعيل لالماس، أن "الانطلاقة كانت خاطئة، إذ لا يمكن أن نحل عقد مشكل كبير كالاستيراد باستحداث تدابير إدارية بعيدة عن الواقع".
وأضاف لالماس لـ"العربي الجديد"، قائلا: "الحكومة أرادت أن تكبح فاتورة الواردات بلجنة تضم تقنيين من وزارتي التجارة والمالية وأحيانا توسع لوزارات أخرى، يجتمعون مرة كل شهر ويقررون وفق معطيات نظرية بعيدة عن الواقع ودون دراسة للنتائج المحتملة من وراء منع استيراد أي سلعة".
ولفت لالماس إلى أن الاقتصاد الجزائري غير المنتج لا يمكنه تحمل ضغط إضافي قد تخلفه رخص الاستيراد، مثلما حدث مع سوق السيارات التي دخلت في ركود وأدت إلى تسريح آلاف العمال جراء انهيار المبيعات لانعدام السيارات الجديدة لدى الوكلاء.
كذلك، تشهد سوق السيارات المستعملة في الجزائر قفزات غير مسبوقة في الأسعار، ما دفع الكثير من المواطنين إلى تفضيل شراء المركبات الجديدة المجمعة محليا عن طريق القروض الاستهلاكية، التي ارتفع الطلب عليها أخيرا، في وقت لا تزال فيه الحكومة مصرة على تجميد استيراد السيارات الجديدة.

المساهمون