السعودية تتوسع في طباعة النقود لمواجهة العجز المالي

01 أكتوبر 2017
السعودية تواجه ركوداً اقتصادياً وارتفاعاً في الاقتراض (فرانس برس)
+ الخط -

أظهرت بيانات رسمية، لجوء الحكومة السعودية إلى طباعة النقود ( البنكنوت) بشكل لافت، بجانب ارتفاع معدلات الاقتراض الحكومي خلال شهر أغسطس/آب الماضي، في مؤشر على تزايد الضغوط المالية، التي تواجهها المملكة جراء استمرار انخفاض أسعار النفط وركود الاقتصاد حسب محللين.

وأشارت البيانات الصادرة عن مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي)، إلى أن إجمالي قيمة العملات المصدرة (المطبوعة) في أغسطس/ آب بلغ 213.9 مليار ريال (57 مليار دولار)، مقابل 205 مليارات ريال في يوليو/تموز 2017، بزيادة بلغت 8.9 مليارات ريال في شهر واحد.

ولم تذكر المؤسسة تفاصيل حول سبب زيادة النقود المطبوعة، إلا أن خبراء مصرفيين رجحوا أن يكون ذلك في إطار تدبير سيولة مالية لسد جزء من عجز الموازنة العامة البالغ أكثر من 51 مليار دولار للعام الجاري 2017، ولا سيما في ظل انكماش الموارد المالية للبلاد.

وغالبا ما تحدد البنوك المركزية ثلاثة معايير عند تحديد حجم النقود التي يتم طباعتها، أولها: إحلال البنكنوت الهالك من العملات بنقود جديدة، ونسبة معدل النمو وتحفيز النمو الاقتصادي، أو تمويل العجز بسبب تراجع الإيرادات، أو في حال حدوث ارتفاع في احتياطي البلاد من النقد الأجنبي سواء من الذهب أو العملات الأجنبية، كما يلعب معدل التضخم السائد في الدولة دورا في تحديد حجم البنكنوت داخل المجتمع.

ورغم أن الأرقام المعلنة لا تشير إلى ضخامة حجم النقود المطبوعة من قبل مؤسسة النقد العربي السعودي خلال شهر أغسطس/ آب، إلا أن مصرفيين أعربوا عن قلقهم من إمكانية تزايد اللجوء إلى هذا الإجراء مع استمرار التراجع في الموارد المالية للدولة، مشيرين إلى ضرورة مراقبة حركة إصدارات النقود الجديدة للأشهر المقبلة.

وسبق أن لجأت دول مثل مصر وسورية واليمن إلى طباعة النقود بمعدلات مرتفعة خلال السنوات الست الماضية، وهو ما كان له أثر كبير في ارتفاع معدلات التضخم التي زادت من الأعباء المعيشية.

وسبق أيضاً أن أشارت بيانات مؤسسة النقد السعودي إلى أن الرقم القياسي لتكاليف المعيشة (التضخم) بلغ نحو 3.5% عام 2016 مقارنة بـ 2.2 % في 2015.

وكانت تقارير صادرة في وقت سابق من سبتمبر/أيلول الماضي عن وكالة بلومبيرغ الاقتصادية الأميركية، قد رجحت "أن تواجه السعودية عجزاً مالياً، وتباطؤاً غير مسبوق في النمو"، مشيرة إلى "فشل رؤية المملكة 2030، التي أثارت ضجة كبيرة خلال الأشهر الأولى من العام الماضي 2016".

ووصفت بلومبيرغ "رؤية 2030" بأنها كانت مثل "الصبي الطموح"، ما دعا الحكومة السعودية في وقت لاحق إلى الإعلان عن إجراءات من شأنها تعديل هذه الرؤية.

وكشفت بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما"، التي تم نشرها على موقعها الإلكتروني، عن أن المملكة خسرت نحو 13.5% من احتياطي النقد الأجنبي في عام واحد، بعد أن تهاوى إلى 1.874 تريليون ريال (499.7 مليارات دولار) نهاية أغسطس/ آب 2017، مقابل 2.167 تريليون ريال (577.7 مليار دولار) بنهاية الشهر ذاته من العام الماضي.

ويتوقع محللون ماليون، استمرار التراجع في الموارد المالية للمملكة واحتياطياتها من النقد الأجنبي، إذ أدى اتفاق بين منتجي النفط على مستوى العالم إلى قيام المملكة بتقليص إنتاجها أوائل هذا العام، وهو ما أدى إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي، حيث تعتمد إيراداتها على العائدات النفطية بأكثر من 90%.

وفي ظل تراجع الموارد، تراجعت الودائع الحكومية لدى المصارف السعودية إلى 739.2 مليار ريال (197.1 مليار دولار) في أغسطس/ آب، مقابل 746.8 مليار ريال في يوليو/تموز، بينما كانت تبلغ نحو تريليون ريال في نفس الشهر من 2016 ونحو 1.8 تريليون ريال في نهاية سبتمبر/ أيلول 2015.

وتزامن تراجع الودائع الحكومية، مع ارتفاع معدلات الاقتراض الحكومي من البنوك، ليصل إجمالي قيمة السندات (أدوات دين) المطروحة في أغسطس/ آب إلى 228.4 مليار ريال (60.9 مليار دولار)، مقابل 2015.8 مليار ريال في يوليو/تموز، بينما كانت قيمة السندات المطروحة قبل عام تبلغ نحو 169.6 مليار ريال، في حين سجلت نهاية 2015 نحو 86.1 مليار ريال ولم تتجاوز 53.1 مليار ريال في نهاية 2014.

كما أشارت البيانات إلى تهاوي قيمة عمليات المقاصة المصرفية للشيكات التجارية بين الأفراد في عموم المدن، في مؤشر على ركود اقتصادي كبير تعانيه المملكة، إذ بلغت 88.5 مليار ريال في الربع الثاني من 2017، مقابل 95.1 مليار ريال في الربع الأول ونحو 114 مليار ريال في الربع الثاني من 2016 وحوالي 144.2 مليار ريال في نفس الربع من 2015 و646.9 مليار ريال نهاية 2014.

وكان محافظ مؤسسة النقد السعودي، أحمد بن عبدالكريم الخليفي، قد كشف نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي عن انكماش الاقتصاد السعودي مسجلا نمواً سالباً بنسبة 0.5% خلال الربع الأول من 2017، في ظل استمرار تراجع أسعار النفط.

وفي ظل الضغوط المالية المتزايدة داخل السعودية، تراجع صافي الاستثمار الدولي إلى تريلوني ريال (533 مليار دولارا) في الربع الثاني من 2017، منكمشا بنحو 100 مليار ريال عن مستوياته في الربع الأول الذي سجل 2.1 تريليون ريال. كما هبط صافي الاستثمار الدولي بنحو 400 مليار ريال عن الربع الثاني من 2016 الذي بلغ خلاله 2.4 تريليون ريال.

وتشير البيانات إلى قتامة الوضع الاقتصادي لأكبر مصدر للنفط في العالم، الأمر الذي يتوقع معه إقدام الحكومة على مزيد من تقليص المزايا الاجتماعية ورفع الأسعار وفرض المزيد من الضرائب، حيث تعتزم تطبيق ضريبة القيمة المضافة على مختلف السلع والخدمات مطلع 2018، بينما طبقت الضريبة الانتقائية على المشروبات الغازية والتبغ اعتباراً من العاشر من يونيو/حزيران الماضي.

وفي ظل انكماش الإنفاق الحكومي، تتضاءل فرص التوظيف بالقطاع الحكومي، الذي يُعد الوجهة الأولى والمفضلة للسعوديين الباحثين عن فرصة عمل، في بلد تتزايد فيه البطالة لتصل إلى 12.8% بنهاية الربع الثاني من العام وفق هيئة الإحصاء، ويخشى من أن يؤدي الارتكان إلى سياسة طبع العملات مع تناقص الاحتياطي إلى ارتفاع نسب التضخم وانخفاض سعر صرف الريال السعودي أمام العملات الأجنبية.


دلالات
المساهمون