تصنيف يطيح بأنظمة وحكومات

26 يناير 2017
زحام المواصلات أبرز معوقات الاستثمار في مصر( العربي الجديد)
+ الخط -
كثيرون صدموا من تصنيف مصر ضمن أسوأ 20 دولة في مجال جذب الاستثمارات وبيئة الأعمال والوساطة المالية، وذلك في تقرير النمو الشامل والتنمية لعام 2017 الصادر عن المنتدى الاقتصاد العالمي الذي عقد قبل أيام في مدينة "دافوس" السويسرية وشارك به 3000 شخصية من نخبة دول العالم ما بين رؤساء دول وحكومات ومسؤولين ورجال أعمال.

وكثيرون أيضا توقعوا التصنيف الممنوح لمصر واعتبروه أمراً طبيعياً ومنطقياً، وهناك طرف ثالث تعامل مع التصنيف على أنه حدث عابر، وأمر عادي، لن يغير من الواقع، ولا يجب منحه اهتماماً أكثر من اللازم.

صدمة الطرف الأول مبنية على أن الحكومة أنجزت خلال الفترة الماضية خطوات قيل إنها تمهد الطريق أمام عودة سريعة للاستثمارات الأجنبية سواء الهاربة أو الجديدة، منها مثلا تعويم الجنيه وتحرير سوق الصرف، والحد من تأثيرات السوق السوداء على مناخ الاستثمار، وإقرار قانون جديد للاستثمار يمنح حوافز إضافية للمستثمرين، وتشكيل المجلس الأعلى للاستثمار ومنحه صلاحيات واسعة في عمليات التصالح وتسوية ملفات رجال الأعمال، كما قامت الحكومة بخطوات أخرى منها تسويق مصر خارجياً، إضافة للعمل على توفير الطاقة للمصانع، وتزويد الأراضي والمشروعات الصناعية بالمرافق والبنية التحتية.

أما توقعات الطرف الثاني التي لم تصدمها النتيجة التي توصل لها منتدى دافوس فهي مبنية على عوامل معظمها سياسي، وربما تكون كل العوامل مرتبطة بما يسميه هذا الطرف بحالة الغموض السياسي التي تمر بها البلاد منذ 3 يوليو 2013، والفشل الحكومي المستمر في إدارة الملفات المهمة بالبلاد وفي مقدمتها الملف الاقتصادي والمالي.

وبغض النظر عن مدى دقة المبررات التي يستند لها كل طرف للوصول للنتيجة التي خلص لها، فإننا أمام تقرير خطير ومؤلم لمنتدى دافوس العالمي، تقرير يقول إن مصر تحولت إلى دولة طاردة للاستثمار، وأنها أصبحت من بين أسوأ دول العالم في جذب وتشجيع الاستثمار وبيئة الأعمال، بل إن التقرير عد مصر ضمن أسوأ 20 دولة في مجال الاستثمارات وبيئة الأعمال والوساطة المالية، وهو ما أثر على ترتيبها الكلي الذي جاء في المركز الـ 73 من إجمالي 79 دولة تقع ضمن مجموعة الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض.

ولو كان لدى مصر حكومة منتخبة لأستقالت فوراً عقب الكشف عن تقرير منتدى دافوس العالمي الخطير، ذلك لأنه يعني مباشرة فشلها في مهمتها.


بالطبع، هناك عوامل عدة وضعت مصر ضمن هذا التصنيف، البعض هنا يركز على العوامل المتعلقة بالتراخيص وسعر الصرف والبيروقراطية وعدم توافر أراضي، لكن في تقديري فإن هذه العوامل يمكن التعامل معها وحلها بسهولة.

ومن هنا أرى أن هناك عوامل أخرى تعرقل خطة البلاد في جذب استثمارات خارجية تساهم في توفير فرص عمل والحد من أزمة البطالة وزيادة السيولة الدولارية داخل السوق.

من أبرز هذه العوامل على الاطلاق العوامل السياسية، منها مثلا استمرار وجود انقسامات داخل المجتمع، وهو ما يؤثر سلبا على مناخ الاستثمار ويعطي انطباعا للمستثمر بزيادة المخاطر، وكذا مواصلة تحفظ السلطات على أموال معارضيها، وادراج رجال أعمال معروفين ضمن قوائم الإرهاب، والتنصت على السياسيين والشخصيات المهمة، صحيح أن هذه قضايا سياسية لكنها لا تزال تمثل قلقا للمستثمر كما ترصد تقارير عالمية منها البنك الدولي وغيره.

واضافة للأسباب السياسية، هناك أسباب أخرى منها صعوبة تحويل الأموال والأرباح الرأسمالية للشركات الأجنبية للخارج، وصعوبة تدبير المستثمر الأجنبي الدولار لتمويل شراء وارداته من السلع الوسيطة رغم تعويم الجنيه وترك سعره للعرض والطلب، وارتفاع تكلفة الإنتاج عقب تحرير سوق الصرف وزيادة سعر الدولار لنحو 19 جنيها، إضافة للفساد وتعقيدات التراخيص والبيروقراطية والعمالة غير المدربة.

ورغم رهان الحكومة على استقطاب الأموال والاستثمارات الخارجية عبر آليات مهمة منها تعويم الجنيه وإصدار قانون جديد للاستثمار يعطي حوافز إضافية لرجال الأعمال، الا أن هذه الآليات لن تثمر عن شيء ملموس على أرض الواقع، والدليل تصنيف دافوس السيئ لمناخ الاستثمار في مصر ووضعها ضمن أسوأ 20 دولة في مجال الاستثمارات وبيئة الاعمال والوساطة المالية.

هذا التصنيف سينعكس سلبا على الاقتصاد المصري، خاصة مع القوة التي تحظي بها تقارير "دافوس" في أوساط المستثمرين الدوليين، بل ووسط رؤساء الدول والحكومات.

الحكومة المصرية مطالبة باتخاذ إجراءات سريعة لتحسين مناخ الاستثمار عبر أدوات عدة منها تبريد الساحة السياسية، ومكافحة الفساد، واجراء مصالحة مجتمعية حقيقية، وتقليص الحديث عن الإرهاب، وذلك حتى تعطي انطباعا للمستثمر الأجنبي بوجود حالة من التوافق المجتمعي.

يواكب ذلك إصلاحات اقتصادية حقيقة منها تقليل العجز في الموازنة العامة للدولة، والحد من معدل التضخم القيسي البالغ أكثر من 25% الذي يهدد مناخ الاستثمار، وزيادة معدل النمو الاقتصادي، وتوفير البنوك النقد الأجنبي والتمويل للمستثمرين.

المساهمون