التفاف على القانون..دوافع سياسية وراء ملاحقة فاسدين في روسيا

05 اغسطس 2016
محافظ مقاطعة كيروف في روسيا، نيكيتا بيليخ، خلال محاكمته(Getty)
+ الخط -
شهدت روسيا، خلال السنوات الأخيرة، مجموعة من فضائح فساد بضلوع سياسيين وحكام أقاليم أعضاء في حزب "روسيا الموحدة" الحاكم، وآخرين غير موالين للنظام، أثيرت حولها تساؤلات عن وجود دوافع سياسية لملاحقتهم، حيث أكد مراقبون أن نظام الرئيس، فلاديمير بوتين، يتجاهل ملاحقة العديد من المتهمين رغم شبهات الفساد التي تحوم حولهم. 
وتوّجت توجهات موسكو لحصار الفاسدين، بصدور حكم، أمس الأول، بالسجن المشدد لمدة 12.5 عاماً بحق العمدة السابق لمدينة ياروسلافل، يفغيني أورلاشوف، وتغريمه بـ 60 مليون روبل (حوالى 900 ألف دولار) لإدانته بتهمة الابتزاز بهدف الحصول على رشى بقيمة 35 مليون روبل (أكثر من مليون دولار، وفقا لسعر الصرف السائد وقت اعتقاله في عام 2013).
ويعتبر هذا أشد حكم يصدر بحق عمدة في روسيا حتى الآن، إلا أن أورلاشوف نفى التهم الموجهة إليه، معتبرا أن البلاغ ضده تقدم بها المقاول، الذي رفض العمدة قبول عمله بسبب سوء جودة الأعمال، معتبرا بعد النطق بالحكم أنه حُكم عليه، لأنه "بصق في وجه حزب روسيا الموحدة الحاكم".
وبعد تركه حزب روسيا الموحدة في عام 2011 وقبيل انتخابات رئاسة بلدية ياروسلافل في العام التالي، عرف أورلاشوف بتوجيهه انتقادات لاذعة إلى الحزب الحاكم، وواصل ذلك حتى بعد انتخابه.
ويعتبر رئيس قسم العلوم السياسية في صندوق "إنديم" في موسكو، يوري كورغونيوك، أن ملاحقة أورلاشوف، لا تخلو من دوافع سياسية، مشيرا في الوقت نفسه إلى عدم وجود حالات إبعاد أو ملاحقة حكام أقاليم أو رؤساء بلديات أتوا من أجهزة في السلطة.
ويقول كورغونيوك، لـ "العربي الجديد": "كان أورلاشوف عمدة منتخباً، وكانت هناك منذ البداية شكوك حول ظروف ضبطه، إذ لم يعد أحد يتقاضى رشى بشكل صريح، بل يتم ذلك عبر شخصيات وهمية وشركات مسجلة بالملاذات الضريبية".
ويضيف: "مع استشراء الفساد في عهد الرئيس، فلاديمير بوتين، يجب سجن جميع حكام الأقاليم، ولكنه يتم ضبط أحدهم بين الحين والآخر بسبب عدم الرضا عنه، ويتم استبدالهم بآخرين ليس لهم أي وجه سياسي".
ويأتي صدور الحكم بحق أورلاشوف، بعد نحو شهر من اعتقال محافظ مقاطعة كيروف، نيكيتا بيليخ، بعد ضبطه في أحد المطاعم الفاخرة في موسكو، متلبساً باستلامه دفعة من رشوة تصل قيمتها الإجمالية إلى 400 ألف يورو.
وفي 28 يوليو/تموز الماضي، أقال بوتين بيليخ بشكل رسمي بسبب "فقدان الثقة"، في الوقت الذي ينفي فيه هذا الأخير التهم الموجهة إليه ويعتزم إثبات براءته.
ويستبعد كورغونيوك أن يكون بيليخ قد قبل استلام الرشوة نقدا، مشيرا إلى أن هذه الطريقة لتقاضي الرشى "باتت في القرن الماضي".


وكان نائب رئيس حزب "بارناس" المعارض، إيليا ياشين، قد اعتبر في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، أن ملاحقة بيليخ بشكل استعراضي عشية انتخابات مجلس الدوما (النواب) الروسي، التي ستجري في 18 سبتمبر/أيلول المقبل، تهدف إلى إقناع الرأي العام بأنه تتم ملاحقة الفاسدين فعلاً.
وبذلك، أصبح بيليخ ثالث حاكم إقليم في روسيا تتم ملاحقته بتهمة الفساد في أقل من عام ونصف العام، إذ سبقت ملاحقة كل من حاكم إقليم كومي، فياتشيسلاف غايزر، ومحافظ مقاطعة سخالين، ألكسندر خوروشافين، بسبب قضايا فساد. إلا أن التوجهات الليبرالية التي عرف بها بيليخ، على عكس غايزر وخوروشافين، أثارت لدى أوساط المعارضة الروسية تساؤلات حول وجود دوافع سياسية لاعتقاله.
ومنذ عام 2013، يحظر القانون الروسي على المسؤولين الحكوميين المشاركة في تعاملات البزنس وامتلاك أرصدة بالخارج. ومنذ عام 2015، يتعين على الشركات إبلاغ الجهات المختصة في حال كانت حصتها المسجلة بالملاذات الضريبية تزيد عن 10% من إجمالي رأس مالها، كما يحظر على نواب الدوما مزاولة النشاط التجاري.
وحسب "وثائق بنما" المسربة، فإن هناك أكثر من 10 شركات مسجلة بالملاذات الضريبية لها صلة بسياسيين ونواب ومسؤولين أمنيين روس، ولكن من دون مخالفة القانون الروسي بشكل صريح.
ويوضح كورغونيوك أن اللجوء إلى تسجيل الشركات في الخارج وبأسماء شخصيات وهمية يكاد يضمن حصانة الفاسدين من الملاحقة. ويقول: "هناك أساليب تجعل إثبات واقعة تقاضي الرشوة أمراً مستحيلا، إذ يتم منح حصص لشخصيات وهمية أو أصدقاء في شركات مسجلة بالملاذات الضريبية. الصداقة ليست صلة قرابة ولا يمكن إثباتها قانونياً".

ورغم عدم ذكر اسم الرئيس الروسي، في "وثائق بنما" بشكل صريح، إلا أنه ورد اسم أحد أصدقائه المقربين، وهو عازف التشيلو الشهير، سيرغي رولدوغين، الذي كان يملك حتى عام 2015 شركات بالملاذات الضريبية بلغ حجم أعمالها مليارات الدولارات.
ومن بين كبار المسؤولين الروس الذين قد تكون لهم صلة بـ "وثائق بنما"، السكرتير الصحافي للرئيس الروسي، دميتري بيسكوف، الذي ورد اسم زوجته الحالية، ولكن بتاريخ يعود إلى فترة قبل زواجهما. وجاء في الوثائق أيضا اسم دميتري أوليوكايف، نجل وزير التنمية الاقتصادية الروسي، أليكسي أوليوكايف.
أما أكبر مسؤول أمني قد يكون على صلة بالشركات الواردة في الوثائق المسربة، فهو سكرتير مجلس الأمن الروسي، نيقولاي باتروشيف، الذي جاء اسم أحد أقربائه في الوثائق، ولكنه ليس فرداً في عائلته. وجاءت في الوثائق المسربة أيضا بضعة أسماء نواب ومحافظين.
تكاد فضائح الفساد في روسيا تقتصر على المسؤولين من الدرجة المتوسطة، أمثال حكام الأقاليم ورؤساء البلديات دون المساس بكبار الشخصيات بالدولة، إذ ترى الأوساط الليبرالية الروسية أن ملاحقة هؤلاء قد تؤدي إلى "الإخلال بالتوازن" بالنخبة الحاكمة.
ولعل آخر مثال على ذلك، نشر "صندوق مكافحة الفساد" الذي أسسه المعارض الروسي، أليكسي نافالني، تحقيقاً زعم فيه أن نائب رئيس الوزراء الروسي، إيغور شوفالوف، يستقل طائرة خاصة واشترى 10 شقق ببرج تاريخي وسط موسكو. ورغم أن مدير أعمال شوفالوف أكد قيام موكله بشراء هذه المجموعة من الشقق، إلا أنه أشار أيضا إلى أن الصفقة قانونية تماماً.
ومع ذلك، شهدت الولاية الحالية لحكم بوتين فضيحة فساد كبرى في شركة "أوبورون سيرفيس" المتعاونة مع وزارة الدفاع الروسية. وأسفرت هذه الفضيحة في نهاية عام 2012 عن إقالة وزير الدفاع الروسي آنذاك، أناتولي سيرديوكوف، وإدانة المسؤولة بالوزارة، يفغينيا فاسيلييفا، التي تردد أنها كانت على علاقة عاطفية بالوزير.
ويعتبر الفساد من أكبر المشكلات التي تواجهها روسيا، إذ جاءت في المرتبة الـ119 في مؤشر الفساد التابع لـ"منظمة الشفافية الدولية" لعام 2015، لتأتي بذلك في نفس المرتبة مع كل من أذربيجان وغيانا وسيراليون. ومع ذلك، حققت روسيا بعض التقدم مقارنة بعام 2014، عندما جاءت في المرتبة الـ136 إلى جانب الكاميرون وإيران وقرغيزيا ولبنان ونيجيريا.
وحسب النيابة العامة الروسية، تتكبد روسيا خسائر فادحة سنويا بسبب الفساد، كما تمت مساءلة نحو ألفي موظف جنائياً في العام الماضي، أكثر من 650 منهم على المستوى الفيدرالي.

المساهمون