لندن تحدد خياراتها التجارية بعد "البريكست"

24 يوليو 2016
جونسون في أحد لقاءاته مع مجتمع التقنية والمال بنيويورك(Getty)
+ الخط -

بدأت بريطانيا عملياً تسويق اقتصادها عالمياً في أعقاب التصويت الذي أقر الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتكوين حكومة جديدة بقيادة رئيسة الوزراء تيريزا ماي.
حيث التقى وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون في نيويورك مساء الجمعة بقيادة الأعمال التجارية في أميركا، ليطرح خطط بريطانيا التجارية الجديدة كدولة مستقلة عن الاتحاد الأوروبي.

وأبلغ جونسون القيادات المصرفية والفعاليات التجارية في نيويورك، وحسب ما نقلت صحيفة "فاينانشيال تايمز"، أنه يتوقع أن تتمكن بريطانيا من الحفاظ على "جواز المرور التجاري" الذي تتمتع به المصارف وشركات الخدمات المالية العالمية التي تتخذ من حي المال البريطاني مقراً لها للمتاجرة مع منطقة اليورو.
وتترقب العديد من الشركات المصرفية والمالية العالمية في لندن، الوضعية التجارية التي ستتمتع بها بريطانيا في المتاجرة مع أوروبا، وعلى رأسها "جواز المرور التجاري" حتى تحدد خططها المستقبلية بشأن البقاء في لندن أو نقل مقارها أوالاكتفاء بفتح فروع أخرى في دول الاتحاد الأوروبي حتى لا تحرم من المتاجرة مع الكتلة التجارية الأهم في العالم.

وحتى الآن يبدو من الواضح، أن دول الاتحاد الأوروبي الكبرى ترغب في ربط أية اتفاقية للشراكة التجارية المستقبلية مع بريطانيا بقبول مبدأ حرية الحركة لمواطني دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعني هجرة مواطني الكتلة الأوروبية لبريطانيا دون كوابح؛ وهو ما تعارضه الحكومة البريطانية.
وحسب تصريحات خبراء في حي المال، فإن حكومة السيدة ماي، ربما ترضخ أخيراً لطلبات الهجرة الأوروبية، ولكن بسقف معين مقابل توقيع اتفاقية شراكة تجارية شبيهة بمشروع الشراكة الجاري العمل به بين النرويج ودول الاتحاد الأوروبي.




وفي جولتها الأولى منذ تقلدها زمام السلطة سعت السيدة ماي إلى تلمس وجهات النظر في كل من برلين وباريس حول طبيعة العلاقات التجارية المتوقعة بين بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، بعد التوقيع الرسمي على الفقرة 50 من اتفاقية برشلونة لفض الشراكة الأوروبية. ولكن البروفسور البريطاني والخبير الاقتصادي جون ديفي كان قد أبلغ "العربي الجديد"، أنه حتى في أسوأ السيناريوهات، والتي من بينها رفض دول الاتحاد الأوروبي منح شركات "حي المال" البريطاني جواز المرور التجاري، فإن هذه الشركات ستفتح فروعا لها في العاصمة الأيرلندية دبلن للمتاجرة مع أوروبا.

ومثل الحل ليس مكلفاً بالنسبة للمصارف العالمية التي ترغب في البقاء في لندن التي اعتادت عليها، وتجد فيها البنية المالية والقانونية والخبرات المتخصصة في المحاسبة القانونية مع مختلف التشريعات المالية العالمية والتشريعات المتحررة، مقارنة مع نظيرتها الأوروبية المتشددة.
ويلاحظ أن السيدة ماي سعت في أسبوعها الأول إلى التأكيد على أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أصبح أمراً واقعاً وستعمل على تنفيذه كما سعت كذلك إلى إنهاء حال عدم اليقين الذي يسيطر على الأعمال التجارية في بريطانيا منذ ظهور نتيجة الاستفتاء.

وكانت السيدة ماي تامل في الحصول على ردود إيجابية بشأن مستقبل الشراكة التجاري في برلين، ولكن ذلك لم يحدث رغم الاستقبال الحار الذي وجدته من المستشارة الألمانية ميركل. وتسعى السيدة ماي في إجراء مشاورات أولية حول مستقبل العلاقات التجارية مع أوروبا قبل التوقيع على النص القانوني لفض الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، ولكن ذلك لم يتسن لها حتى الآن.
ولكن خبراء يرون أن الباب لم يقفل بعد أمام بريطانيا لمناقشة نوعية العلاقة التجارية، خاصة وأن أميركا تدعم بريطانيا من وراء الكواليس لأسباب إستراتيجية تخص الأمن والدفاع الأوروبي من هجمات الدب الروسي.

ويضاف إلى ذلك أن هنالك علاقات خاصة بين واشنطن ولندن، تعد هي الأهم في التحركات الأميركية في أوروبا، ويرى خبراء بريطانيون أن واشنطن لن تضحي بالعلاقة الخاصة مع لندن في الوقت الراهن الذي يشهد توتراً بين موسكو وأوروبا.
ويعد حي المال البريطاني من أهم المراكز المالية في العالم، وتقدم في مرات كثيرة في التصنيفات العالمية على حي "وول ستريت" في نيويورك، رغم الثقل الكبير للاقتصاد الأميركي مقارنة بالاقتصاد البريطاني.

وحي المال الذي تبلغ مساحته ميلاً مربعاً، والواقع في منطقة "بانك" بالقرب من بنك إنجلترا "البنك المركزي" وسط لندن، يؤدي دوراً مهماً في الاقتصاد البريطاني والنشاط المالي العالمي. فهو يستضيف حوالى 250 مصرفاً أجنبياً، كما يدير ثروات مالية تقدر بنحو 5.4 ترليونات دولار، ويساهم بنحو 10% من الناتج المحلي البريطاني المقدر بـ 2988 مليار دولار و12% من الدخل الذي تحصله الخزينة البريطانية من الضرائب، كما يوفر ما يقرب من 400 ألف وظيفة من وظائف الدخل المتوسط والكبير للبريطانيين.

وحسب إحصائيات "سيتي يوكيه"، فإن الصفقات المالية التي ينفذها حي المال البريطاني تقدر بحوالي 2.7 ترليون دولار يومياً، وتتم يومياً بسوق المال في لندن المتاجرة في 70% من السندات العالمية و20% من الأسهم العالمية المسجلة في البورصة البريطانية.
وبالتالي يرى البروفسور جون ديفي أن "حي المال البريطاني" يعد إلى حد كبير دولة داخل بريطانيا، لها خصوصيتها من حيث الإجراءات والقوانين والتشريعات المالية التي تحميها.
وتجد المصارف العالمية وشركات المال والاستثمار في لندن من الحرية والمرونة ما لا تجده في مدن العالم الأخرى، وبالتالي فهي تفضل البقاء في لندن، إلا في حال سد الباب كلية أمامها في المتاجرة مع أوروبا".



المساهمون