الأسواق بانتظار التهدئة: الانتعاش العربي رهينة الإعمار وعودة اللاجئين

22 مارس 2016
العرب ينتظرون جني ثمار الاقتصاد إذا نجحت التهدئة (Getty)
+ الخط -


تصب المساعي الدولية والعربية الأخيرة لإحداث تهدئة في المنطقة، وأبرزها الانسحاب الروسي من سورية، في اتجاه وقف النزاعات المسلحة بدول الشرق الأوسط وعودة الاستقرار السياسي تدريجياً، وبالتالي سينعكس ذلك على اقتصاد العديد من الدول التي ينتظرها انتعاش ملحوظ مع بدء إعادة الإعمار وتنشيط التجارة وكسر الركود المتوقع في مختلف القطاعات الإنتاجية.

وفي الأسبوع الماضي، أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أوامره بسحب الأسلحة الرئيسة من سورية، كما استقبلت القاهرة مؤخرًا وفدًا من حركة حماس في غزة، ما أدى إلى تحسن واضح في العلاقات المصرية مع حماس، كما ترددت منذ عدة أيام مبادرات حول اليمن، بالإضافة إلى تواصل التحركات الدولية في ليبيا لإتمام المصالحة ووقف الصراع المسلح هناك.

وحسب التوقعات، فإن المنطقة بصدد سيناريو جديد يستهدف تحقيق تهدئة سياسية، وبالتالي إعادة الروح لاقتصاديات المنطقة التي تعرضت لمشكلات كبيرة، بسبب ما مرت به من صراعات مسلحة، نتج عنها نزوح سكاني كبير، وتوقف للعديد من الأنشطة الاقتصادية، فقطاع السياحة مثلًا تدهور بشكل ملحوظ في كل من مصر وتونس، بينما توقف تمامًا في سورية واليمن، كما أن قطاع النفط تعثر في الدول التي تشهد حروباً مثل ليبيا وسورية واليمن والعراق حيث تأثر الإنتاج بشكل كبير في هذه الدول.

سيناريو التهدئة

وفي حالة تحقيق استمرار سيناريو التهدئة، فإن الحرب المسلحة في كل من سورية واليمن وليبيا على الأقل سوف تتراجع بشكل كبير، ما يدفع العالم إلى الاتجاه نحو عمليات إعادة إعمار، لبناء ما هدمته الحروب، وستستعيد اقتصاديات هذه الدول أداءها المتميز إقليميا ودوليا. كما سيتم التمهيد لعودة النازحين داخليًا، وجزء كبير كذلك من اللاجئين في دول الجوار على الأقل، وبخاصة أولئك المقيمون في المخيمات، ولا تتوفر لهم فرص عمل، أو متطلبات حياة كريمة.

ولعل التحسن الحادث في أسعار النفط في الأسبوعين الماضيين، ليتجاوز سعر البرميل حاجز 40 دولارا للبرميل، يمكن قراءته، في إطار هذا السيناريو، فاقتصاديات المنطقة تعتمد على النفط بشكل رئيس، ولا يمكن أن تستقر سياسيًا وأمنيًا في ظل تدهور أسعار النفط التي فقدت أكثر من 70% منذ يونيو/حزيران عام 2014.
كما ينتظر المحللون، مردودا إيجابيا على تنشيط التجارة الخارجية لبعض دول المنطقة مثل مصر، بعودة حركة التصدير النشطة إلى كل من ليبيا والعراق، وبخاصة في مجالات التشييد ومواد البناء، ومتطلبات حركة العمران.

وفي إطار هذا السيناريو سيتم ترويض إيران عن طريق تحقيق بعض المصالح الاقتصادية، بالعمل على تنشيط اقتصادها الصناعي السلعي التقليدي، والسماح لها بحصص محدودة من أسواق المنطقة، أو أن تكون لها حصة كبيرة من خلال الاستثمارات الأجنبية الغربية على أراضيها، لتكون نقطة انطلاق لمنتجات الاستثمارات الأجنبية بإيران إلى باقي دول المنطقة.

وفي حالة تحقيق سيناريو التهدئة في المنطقة، فإن هناك مستفيدين حقيقيين من الخارج بشكل كبير، وفي مقدمتهم الغرب وأميركا والصين، وبخاصة أن الأزمة الاقتصادية في الصين تتداعى آثارها السلبية بشكل كبير يفوق توقعاتها الدنيا، ولذلك فوقف النزاعات المسلحة بدول المنطقة العربية وعودة الاستقرار السياسي والأمني وفق تصور أميركي غربي، من شأنه أن ينشط أسواق هذه الدول، والتي سينشط بها الطلب على منتجات الغرب وأميركا والصين، وبخاصة أن هذه الكيانات الثلاثة تمثل شركاء تجاريين واقتصاديين حقيقيين للاقتصاديات المنهارة بالشرق الأوسط.

مصالح دول الجوار

وحسب تقارير رسمية، لم تتعد معدلات النمو في الصين خلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2016 نسبة 5.4%، وإذا ما استمر الأداء طوال العام على هذه المعدلات، فإن مستهدف النمو عند معدل 6.5% لن يتحقق، وهو ما ستترتب عليه نتائج شديدة السلبية في الصين، وسيكون لها مرودها على معدلات البطالة والمزيد من الانهيار في احتياطي النقد للصين، وكذلك أسواقها المالية واستمرار تراجع عملتها.
ولن يكون الاقتصاد العالمي بعيداً عن التداعيات السلبية في الصين، وبخاصة في أوروبا وأميركا، فالتعافي الاقتصادي فيهما هش، ويحتاج إلى دفعات قوية، تساعد على عدم الرجوع مرة أخرى لأجواء معاناة الأزمة المالية العالمية.
كل هذا ساهم في دفع الغرب نحو تهدئة في المنطقة، حيث اتخذت الخطوات الأولى لتحقيقها، وإن كان الأمر سيأخذ بطبيعة الحال بعض الوقت.

ولن يتوقف الأمر على مجرد استيراد بلدان المنطقة للمنتجات من الصين وأميركا والغرب، ولكن ستكون هناك مشروعات كبرى لإعادة الإعمار، سوف تمثل مخرجًا للشركات الغربية والأميركية والصينية لتحريك أنشطتها الاقتصادية.
وفي هذا السياق، ستكون دول الجوار صاحبة مصلحة كبرى، من خلال سعيها لعودة النازحين لبلدانهم، والتخلص من التبعات الأمنية، والضغط على قطاعاتها الخدمية، والبنية الأساسية، وكذلك تتخفف ميزانياتها من أعباء الخدمات التي تقدم للنازحين في المخيمات أو استيعاب الأطفال في المدارس، أو مزاحمة النازحين للمواطنين في فرص العمل.

وبلا شك ستكون تركيا التي تستوعب أكبر عدد من اللاجئين السوريين، في مقدمة الدول المستفيدة في هذا المضمار حيث تستضيف نحو مليوني لاجئ، وكذلك الأردن، والعراق.
وعلى نمط دول الجوار لدول الصراع في المنطقة، سوف تستفيد الدول الغربية، من حيث تخفيف أعباء موجات اللاجئين، والتي تشكل تحديا حضاريًا على أوروبا، بغض النظر عن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تعانيها القارة العجوز الآن، ولكن استمرار موجات اللاجئين من المنطقة لأوروبا، يجعلها تعيد الكثير من حساباتها، مثل مكاسبها من تصدير السلاح للدول المتنازعة في المنطقة.

فثمة تغير حقيقي يمكن أن تحدثه موجات الهجرة في خريطة الديمغرافيا الأوروبية، فضلًا عن هاجس الحفاظ على الهوية الذي يهدد أوروبا على مدار السنوات الماضية، بسبب الهجرة العربية والإسلامية وتأثيرها في واقع الحياة هناك.


وسيكون لتحقيق سيناريو التهدئة مردود اقتصادي إيجابي على دول الخليج بشكل واضح، من حيث تخفيض الإنفاق على التسليح، والاستفادة من التحسن الطفيف في أسعار النفط، بما يمكنها من الحد من التراجع الاقتصادي، الذي نال موازناتها العامة، وألجأها للاقتراض المحلي والخارجي.
وتعافي اقتصاديات الخليج سوف يصب أيضًا إيجابيًا على واقع الاقتصاديات الأوروبية والغرب والصين في المقام الأول، وثانيًا على باقي الدول في المنطقة، من حيث توقف هواجس عودة العمالة، أو التطلع لاستقدام بعض استثمارات الدول الخليجية.

وستندفع دول العالم نحو تحقيق سيناريو التهدئة أو إفشاله وفقًا لما تجنيه من مصالح اقتصادية، فاستمرار حالة الفوضى والنزاع، من شأنه أن يفقدهم السيطرة على القوى الموجودة على الأرض، وقد تظهر لهم قوى أخرى غير تقليدية لا يمكن السيطرة عليها، لذلك فعودة دول المنطقة إلى الاستقرار بات يمثل حالة نموذجية لمصالح الجميع من نواح عدة.


اقرأ أيضا: اقتصاد العالم يبحث عن منقذ عقب تراجع دور الكبار
المساهمون