المغرب..مؤتمر دولي يدعو إلى تقنين زراعة "الكيف"

19 مارس 2016
حكومة العدالة والتنمية رفضت تقنين زراعة الكيف(GETTY)
+ الخط -



احتضن المغرب في اليومين الأخيرين، مؤتمرا حول القنب الهندي (المعروف مغربيا باسم الكيف) والذي يستخرج منه الحشيش، حيث استهدف القائمون عليه الخروج بتوصيات تشكل أرضية للترافع في الدورة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة الخاصة بالمخدرات والجريمة، التي ستنعقد بنيويورك بين التاسع عشر والحادي والعشرين من أبريل المقبل.

واستهدف منظمو المؤتمر أيضا الدعوة إلى وضع سياسات جديدة في التعاطي مع المخدرات في المغرب، تراعي الجوانب التنموية والحقوقية، وتبتعد عن سياسة المنع التي يعتبر المدافعون عن تقنين زراعة الكيف أنها فشلت. فهم يلحون على ضرورة التفكير في الاستعمال الصناعي للكيف، غير أن بعض النشطاء في المنطقة يحذرون من تداعيات التقنين على المزارعين المحليين، ومنهم من يدعو إلى البدء بتنمية منطقة بلاد الكيف في الريف.

شارك في المؤتمر حوالي 200 خبير ومسؤول عن منظمات المجتمع المدني ومزارعين وسفراء و شخصيات من أوروبا و الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية و أفريقيا، ومن المقرر أن يخرج عن المؤتمر توصيات تنبني على رؤية تقوم على التنمية المستدامة و التعاطي مع مدمني المخدرات كمرضي وليس مجرمين.

أشرف على تنظيم الندوة الدولية، الجمعية المغربية لمحاربة السيدا، وكوفندرالية صنهاجة الريف للتنمية، وجهة طنجة- الحسيمة- تطوان، التي تحتضن المنطقة التاريخية لزراعة نبتة الكيف، التي تمتد من صنهاجة إلى اغمارة بمنطقة الريف بالمغرب.

ودعا إلياس العماري، رئيس مجلس جهة طنجة- الحسيمة- تطوان، إلى تقنين زراعة الكيف، مؤكدا على أن تلك النبتة التي تشتهر بها المنطقة في العالم، توظف في إنتاج أكثر من 50 دواء ومواد تجميل.

وبدا العماري الذي يشغل في نفس الوقت الأمانة العامة لحزب الأصالة والمعاصرة المعارض، في افتتاح المؤتمر أمس الجمعة، أكثر انتقادا لسياسة الحكومة في التعاطي مع مزارعي الكيف.

وذهب العماري إلى أن مزارعي الكيف يحرمون من حقوقهم بسبب زراعة المخدرات، مشيرا إلى أن 40 ألف مزارع فقير يعيشون في جبال الريف، هربا من الاعتقال، بينما لا يتعدى عدد التجار ومافيات المخدرات الذين حوكموا  في المغرب 400 من أباطرة المخدرات.

وعاب العماري على الدولة حرصها الشديد على معاقبة المزارعين، بينما لا تبدي نشاطا كبيرا في محاربة من يتاجرون بالمخدرات، متهما لوبيات المخدرات العالمية بالعمل على النيل من سمعة منطقة الريف. المغربية

وذهب إدريس الكراوي، الأمين العام للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إلى أن هناك مقاربة جديدة في العام مع اقتصاد المخدرات، حيث يجرى الانتقال من اعتبارها منتجا خطيرا إلى التعاطي معه على أنه ينطوي على فوائد صحية وسوقا فيه منتجون ومستهلكون، مما يقتضي شرعنة الإنتاج والتوزيع.

وأكد الكراوي -الذي يضطلع مجلسه بدور استشاري للحكومة- ضرورة بلورة ميثاق حول الدور الذي يفترض أن يضطلع به القنب الهندي "الكيف" في اقتصاد جهة طنجة- تطوان- الحسيمة، مؤكدا على أن إنتاج المخدرات يستدعي استحضار الإشكاليات المرتبطة بالصحة والدخل وكرامة الإنسان والوقاية ومراعاة التوازنات البيئية ومصالح الأجيال المقبلة.

آراء مختلفة

غير أن النشطاء المدافعين عن مزارعي الكيف بالمنطقة ليسوا على قلب رجل واحد في مقاربتهم لمسألة التقنين، فـ"جمعية أمازيغ صنهاجة الريف"، تعتبر أن مسألة التقنين، لا تخدم مصالح المزارعين المحليين، على اعتبار أن التقنين سيوسع زراعة الكيف إلى مناطق أخرى غير المنطقة التاريخية المعروقة بتلك الزراعة.

وترى الجمعية أن تلك الزراعة هي النشاط الوحيد الذي يمارسه المزارعون في تلك المنطقة، في غياب سياسة تنموية، تقنعهم بالإقلاع عن ذلك النشاط الذي يهم ما بين 600 ألف إلى مليون نسمة.

وتعتبر الجمعية أن المنتج المغربي، يواجه حربا شرسة في أوروبا على اعتبار أن بلدانا أوروبية أجازت إنشاء نواد اجتماعية للكيف، يخول للمنتمين لها زراعة الكيف للاستهلاك الفردي، في ذات الوقت تعمل شركات في بلدان متقدمة من أجل تطوير بذور للكيف، مما يدفعهم إلى شن حملة ضد المنتج المغربي.

ويعتبر نشطاء يدافعون عن المزارعين المحليين في المنطقة التاريخية، أن سعر الطن من الكيف المعد لأغراض صناعية لا يتعدى 600 دولار، بينما يصل ثمن الطن من المنتج المحلي إلى حولي 4 آلاف دولار، على اعتبار أن نسبة المادة الحيوية المخدرة فيه تتجاور بأكثر من 13 مرة نسبة تلك المادة في الكيف المعد لأهداف صناعية.

ويتصور النشطاء أن إيرادات المزارعين تراجعت في الأعوام الأخيرة، بسبب الحصار الذي تفرضه السلطات المغربية على تجارة الحشيش المستخرج من الكيف، حيث يواجهون صعوبات مالية كبيرة في ظل عدم حصولهم على مصدر رزق آخر.

أجندة انتخابية

لم ينظر حزب العدالة والتنمية الذي يقود الائتلاف الحكومي بعين الرضى لتنظيم المؤتمر الدولي حول الكيف والمخدرات، حيث اعتبر ممثلوه في مجلس جهة طنجة- الحسيمة- تطوان، أن مناقشة ذلك الموضوع يندرج ضمن أجندة انتخابية "ضيقة"، معبرين في رسالة بعثوا بها إلى رئيس الجهة، إلياس العماري، عن تحفظهم على تلك المبادرة.

ويعتبر إلياس العماري، رئيس جهة طنجة- الحسيمة- تطوان، الراعي الأول لمبادرة تنظيم الندوة حول الكيف والمخدرات، وهو ما يدفع البعض إلى الاعتقاد أنه يتطلع إلى كسب أصوات الناخبين في الانتخابات التشريعية المقبلة، علما أن الحزب الذي يتولى أمانته العامة، الأصالة والمعاصرة، يعتبر الخصم السياسي الرئيسي لحزب العدالة والتنمية بالمغرب.

وكان رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، عبر عن رفضه لتقنين زراعة الكيف، الذي يستخرج منه الحشيش، حيث ذهب إلى أن هذا "يتنافى مع المواقف الثابتة للدولة المغربية والتزاماتها الدولية بمكافحة هذه الزراعة".

ويدعو حزبا الاستقلال والأصالة والمعاصرة المعارضان، إلى تقنين زراعة القنب الهندي واستغلال فوائده الطبية والصناعية، بما يساعد على وضع حد لوضعية الآلاف من المزارعين المتابعين من قبل العدالة.

ولم يخف رئيس الحكومة خوفه من الاستغلال السياسي لهذا الملف، حيث ذهب إلى أن "الترويج لتقنين هذه الزراعة أو الادعاء بتوفير حماية لأصحابها خارج القانون، هو فقط من قبيل بيع الوهم للسكان المعنيين والسعي إلى تحقيق مكاسب ضيقة وزائلة".

وكان المغرب سعى في تسعينيات القرن الماضي، إلى تقليص مساحة زراعة القنب الهندي في سياق الانتقادات الدولية التي مست صورته في العالم، كأول مصدر للحشيش في العالم، هذا ما أفضى إلى تبني سياسة ترمي إلى تقليص مساحة زراعة تلك النبتة و إقناع المزارعين بالتعاطي لزراعات أخرى، غير أن الكيف ظل الأكثر مردوية في مناطق زراعته.

وفي الوقت الذي انخرطت السلطات المغربية في محاربة زراعة القنب الهندي وتقلصت المساحات المزروعة، تذهب تقديرات إلى أن متوسط الإيرادات يصل إلى 10 مليارات دولار، أي ما يمثل حوالي 10 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي.

وتأتي الدعوة لتقنين زراعة القنب الهندي في سياق لجوء دول لتقنين القنب الهندي مثل إسبانيا وسويسرا وهولندا والأوروغواي وكولورادو وكاليفورنيا بالولايات المتحدة، وإقليم كيبك بكندا.

وذهب تقرير لمكتب الأمم المتحدة ضد المخدرات والجريمة في 2014، إلى أن 170 مليون شخص في العام يستهلكون الحشيش المستخرج من الكيف.

وأنتج في المغرب 38 ألف طن في 2012، على مساحة 52 ألف هكتار، علما أن تلك المساحة كانت قد وصلت إلى 130 ألف هكتار قبل أكثر من عشرة أعوام.

وكان المرصد الوطني للمخدرات و الإدمان بالمغرب، أكد في تقرير قبل عام، أن المغرب يضم 800 ألف مستعمل للمخدرات، 95 في المائة منهم يستهلكون الحشيش، مشيرا إلى أن تلميذ ثانوي من بين خمسة سبق لهم أن دخنوا الحشيش.

 
اقرأ أيضا: سجال حول زراعة مخدرات "القنب الهندي" في المغرب

المساهمون