سر نجاح الاقتصاد الألماني وسط فشل أوروبي

07 ديسمبر 2016
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تشارك سيمنز احتفالاتها (سين غالوب/Getty)
+ الخط -
في الوقت الذي تعاني فيه أسواق الدول الأوروبية المجاورة من تفشي البطالة، تشهد ألمانيا معجزة اقتصادية حقيقية، بعد أن بلغ عدد العاملين 42 مليون عامل خلال العام الجاري، وهو رقم قياسي لم تشهده البلاد من ذي قبل.

لكن ما هو سر نجاح الاقتصاد الألماني وصموده أمام أزمات كبرى، مثل أزمة المال في العام 2007 وأزمة اليورو؟

يرجع خبراء اقتصاد، حسب صحيفة "دويتشه فيله" هذا النجاح إلى منظومة "اقتصاد السوق الاجتماعي"، الذي يسمح بالمنافسة الرأسمالية من جانب، ويسمح من جانب آخر للدولة بالقيام بتعديلات لضمان منافسة عادلة وإيجاد توازن اجتماعي.
وأُسس هذا النظام المستشار بيسمارك في القرن التاسع عشر، وهو كان يلقب بالمستشار الحديدي.

أما النجاح الاقتصادي الحالي في ألمانيا فيرجعه اقتصاديون إلى الإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها حكومة المستشار السابق غيرهارد شرودر، والتي أطلق عليها آنذاك أجندة 2010. وكان من بينها إنشاء قطاع للأجور المنخفضة، والعمل على جعل الأسواق أكثر مرونة، وأدت إلى خلق العديد من الوظائف، لكن بعضها بأجور متدنية"، كما يقول أولي بروكنير الاستاذ بجامعة ستاندفورد.
ويؤكد الخبير الألماني في تعليقات لصحيفة "دويتشه فيله"، أن الحكومة المقبلة عليها التركيز على إصلاح الجوانب السلبية لأجندة 2010.

وحسب تقرير الصحيفة الألمانية، فإن من بين العوامل الأساسية لنجاح الاقتصاد الألماني هو الإعداد والتكوين المستمر للكفاءات المتخصصة، ففي كل عام يتوافد نحو مائة ألف مهندس ومتخصص في العلوم الطبيعية على سوق العمل، قادمين من الجامعات والمعاهد التقنية الألمانية والتي يزيد عددها على المائتين موزعة على مختلف مدن ألمانيا.

كما أن النظام التعليمي الألماني يقوم على دمج الجوانب النظرية بالتطبيقية، معتمداً بذلك على نظام التعليم الحرفي في القرون الوسطى، ما يضمن للطالب والمهندس لاحقاً أن يكون ملمّا باختصاصه من جميع الجوانب.

وهكذا يحصل سوق العمل على أجيال من الكفاءات المتخصصة، تستفيد منها على وجه الخصوص الشركات الوسطى التي تعد عماد الاقتصاد الألماني.


وفي المانيا يطلق اسم الشركات المتخصصة، على الشركات التي لا يزيد عدد العاملين فيها عن 500 عامل.
ويبلغ عددها في ألمانيا نحو 3 ملايين شركة، أي ما نسبته 99% من مجموع الشركات في البلاد، وغالبيتها تديرها عائلات منذ أجيال.

ولذلك، يرى البروفسور كلاوس هاينر رول من معهد الاقتصاد الألماني، أن هذا النمط من الشركات عزز القطاع الصناعي في ألمانيا ورفع نسبة مساهمته في الناتج المحلي إلى 26%. فالعائلة تمتلك الشركة ولا شيء آخر ولا تطرح اسهمها في السوق مثلما يحدث في بقية الدول الرأسمالية.

والملاحظ في ألمانيا، كما يقول رول أن الشركات تلعب الدور الأساسي في حياة أصحابها، وهو ما يضمن بقاءها، ويضمن نجاحها في السوق.
ولكن كيف تمكن المنتج الألماني من الصمود أمام المنافسة الشرسة في الأسواق العالمية. خاصة وسط منافسة دولية شرسة، من قبل المنتجات المصنعة في الدول الآسيوية، حيث تنخفض تكاليف اليد العاملة.

ولم يعد يكفي اليوم تقديم منتج بجودة عالية يحمل علامة "صنع بألمانيا" فحسب، وإنما باتت الشركات مجبرة على تقديم قائمة خدمات.

في هذا الصدد يوضح رول مضيفاً: "لا تبيع الشركة ماكينة فحسب، وإنما عليها تركيبها، وتأهيل اليد العاملة التي ستستخدمها في مصنع المشتري، إلى جانب تخصيص مكتب للإصلاح على مدار الساعة. وفي الحالات القصوى تقديم ضمانات لإنتاج متواصل للماكينة".
وللحفاظ على نجاحاتها أضحى "قدر" الشركات الألمانية مرتبطاً بتطوير تكنولوجيا متقدمة لضمان موقع الحفاظ على سوقها، خاصة وأن البلاد تفتقر للمواد الطبيعية.

الساسة بدورهم يدركون أهمية هذه النقطة بالذات، ولهذا خصصوا 70 مليار يورو لمجال التطوير والأبحاث، وهي ميزانية تزيد عن ميزانيات الجيران الأوروبيين.

أما العامل الآخر فهو البنية التحتية التي توظف لخدمة الاقتصاد الألماني، فمهما تعددت القطاعات سواء تعلق الأمر بالإعلام أو الطاقة أو نظام الطرق والمواصلات، فإن البلاد تتوفر على أفضل البنى التحتية في العالم، وكذلك الموقع الجغرافي المميز، الذي يسمح بالوصول إلى أي منطقة أخرى في أوروبا خلال يوم واحد فقط.


المساهمون