الباعة الجائلون بغزة يلاحقون أرزاقهم تحت مطاردة البلدية

29 ديسمبر 2016
أصحاب البسطات مهدّدون (عبد الحكيم أبو رياش/العربي الجديد)
+ الخط -
كان مشهداً قاسياً، حين حاول عاملون تابعون لبلدية غزة، كبرى بلديات القطاع المحاصر، مصادرة قمصان وضعها شاب إلى جانب رصيف شارع عمر المختار الرئيسي، دون أنّ تجدي استغاثته نفعاً. 
ذلك المشهد، الذي يذكر بلقطات ملاحقة أصحاب البسطات في الأفلام العربية لم يكن الأول أو الأخير، إذ تتم مطاردة صاحب أي "بسطة" عشوائية في الشوارع التجارية، وبجوار أسواق قطاع غزة من الشمال حتى الجنوب، "منعاً للتعديات" كما تقول البلديات.
صاحب الحظ السعيد من أولئك الباعة، هو من يتم طرده دون مصادرة بضاعته "مهما كانت بسيطة" وإرغامه على دفع غرامة مالية كما حصل مع عدد منهم، خرجوا طلباً للرزق على جنبات الطرقات، بعد أن ضاقت بهم الظروف المالية الصعبة ذرعاً.
"العربي الجديد" تجولت في مناطق الرمال، الشجاعية، ميدان فلسطين، وشارع عمر المختار، التي تتوسط جميعها مدينة غزة، كنماذج على ملاحقة أصحاب البسطات، والتقت عدداً منهم، ومدير النظام والانضباط في بلدية غزة، للوقوف على تفاصيل الحملة.
"ما الذي يجبرنا على ترك فرشنا في هذا البرد القارص من الساعة السادسة صباحاً، والتوجه إلى الشوارع وأرصفة الأسواق، أليست هي حاجتنا للقمة العيش وتوفير متطلبات بيوتنا الأساسية"، هذا ما يقوله الشاب أحمد سمير (26 عاماً) منفعلاً، ويضيف متسائلاً "هل تريدون منا أن نتسول أو أن نسرق؟".


ويتابع: "أبي كان يعمل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، لكنه الآن متوقف عن العمل بسبب كبر سنه ومرضه، وأحاول أنا وأخي محمد توفير متطلبات البيت، أنا أبيع المناديل وأغطية الطاولات على رصيف ميدان فلسطين، بينما يبيع أخي في سوق معسكر الشاطئ".
الشاب حمزة أبو الكاس، من سكان منطقة الشجاعية شرق مدينة غزة، تم حجزه قبل عدة أيام من الساعة العاشرة صباحاً، حتى الساعة السادسة مساءً، بعد مصادرة بضاعته، لأنه خالف أوامر البلدية بعرض البضاعة على جانب رصيف شارع عمر المختار، ويقول إن "البلدية لا زالت متحفظة على بضاعته وبسطته الحديدية".
ويشير أبو الكاس لـ "العربي الجديد" إلى أن هذه المرة لم تكن الأولى، إذ تمت مصادرة بضاعته قبل ذلك عدة مرات، ولم يتم الإفراج عنها إلا بعد دفع غرامة مالية، مضيفاً: "أعمل كي أصرف على نفسي، وأساعد والدي المتوقف عن العمل، وأقوم بدفع 100 شيكل (الدولار يساوي 3.8 شيكل) أسبوعياً له، كي يتمكن من توفير متطلبات البيت".
وشهدت معدلات الفقر المدقع في القطاع ارتفاعاً من 33.2% عام 2006 إلى 45% في نهاية عام 2015 وفقاً لتقرير البنك الدولي، كما تجاوز عدد العاطلين في غزة 300 ألف فلسطيني، حسب إحصائيات رسمية.
أما الشاب أحمد فتحي (19 عاماً) من سكان منطقة تل الهوا، والذي يبيع الملابس القطنية، فقد حمل بضاعته هارباً من عناصر البلدية، ويقول: "ليس لنا أي مصدر دخل، لذلك أحاول البيع على أرصفة الطرقات، لكن البلدية تلاحقنا، وزادت حدة الملاحقة منذ شهرين".
ويوافقه في الرأي زميله طارق أدهم، الذي يبيع الملابس الموسمية، قائلاً لـ "العربي الجديد": "بعد التضييق على أبي الذي كان يعمل في الداخل المحتل، تحول للعمل في محطة بنزين، ولكنه توقف مجدداً، وأصبحت أعمل وحيداً كي أصرف على البيت، ولم أجد أمامي سوى أرصفة الطرقات، ونواصي الأسواق".
الطفل يحيى الشاويش يقول لـ "العربي الجديد" إنه "تمت مصادرة بضاعة له بقيمة 1500 شيكل، كان قد استدانها لتوفير متطلبات البيت"، مشيراً إلى أنه يعمل لوحده بعد إصابة والده بشظية بالقرب من الشريان، في حرب 2012، أقعدته في البيت.
ويقول المواطن عمار بشير (30 عاماً)، من سكان منطقة الفواخير: "قمت بتوفير بعض المال وشراء إكسسوارات ومواد تجميل لبيعها على إحدى نواصي حي الرمال، من أجل سد رمق أطفالي الثلاثة ودفع إيجار المنزل، لكن البلدية قامت بطردنا من المكان".
وفي تعقيب منه، يقول مدير دائرة النظام والانضباط في بلدية غزة نضال الشاويش لـ "العربي الجديد" إن "الدائرة قامت بإزالة كافة التعديات والبسطات العشوائية على الأرصفة من أمام المحلات التجارية وكذلك البضائع التي يقوم أصحاب تلك المحلات بعرضها أمام محلاتهم في المنطقة الممتدة من ميدان فلسطين غرباً وحتى حديقة الشجاعية شرقاً".
ويوضح الشاويش أنّ إزالة التعديات تهدف لتسهيل حركة مرور الأفراد على الأرصفة بسهولة ويسر ودون أي عوائق، وتلافي وقوع حوادث سير نتيجة نزول المواطنين للسير في الشارع المخصص لمرور السيارات، مبيناً أن إزالة التعديات جرت بالتعاون مع شرطة البلديات ولم تقع أي حوادث تذكر وتمت بتعاون كبير من قبل المواطنين وأصحاب المحلات التجارية، حسب تعبيره.
ودعا أبو شاويش أصحاب المحلات التجارية إلى الالتزام بالنظام والقانون وعدم وضع بضائعهم على الأرصفة والتي تعيق حركة مرور المواطنين، لافتاً إلى أن البلدية ستستكمل خلال الأيام القادمة إزالة التعديات من باقي مناطق شارع عمر المختار وكافة مناطق وأسواق وشوارع المدينة ضمن جهودها لتسهيل حركة المرور ومنع وقوع حوادث سير.

المساهمون