اشتداد القبضة الحديدية بين النقابات والحكومة الجزائرية

26 أكتوبر 2016
النقابات تقول إن المشاركة غير مسبوقة (فاروق باتيتشي/فرانس برس)
+ الخط -
شلّت النقابات المستقلة في الجزائر سبعة قطاعات، بعد شنها الإضراب الثاني في ظرف أسبوعٍ، يومي الإثنين والثلاثاء، رفضا لتعديل قانون التقاعد الذي ألغت منه الحكومة "التقاعد المسبق".
ويعطي نظام التقاعد، المُطبق حالياً في الجزائر، لأي شخص عمل في المجموع 32 عاماً، حق التقاعد من دون انتظار السن القانونية لذلك، والمحدد بستين عاماً.
وحسب التكتل النقابي الذي يضم 17 نقابة تمثل سبعة قطاعات خدمية ومنتجة، فإن الإضراب الثاني الذي انتهى أمس الثلاثاء يعتبر ناجحاً، على غرار الإضراب الأول الذي نُظم يومي 17 و18 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وبلغت نسبة الاستجابة حسب التكتل النقابي 75% في قطاع التعليم والتربية، ونفس النسبة في قطاع الصحة و74% عند الممرضين والمخدرين، في حين استجاب البيطريون بقوة بعدما بلغت نسبة المشاركين في الإضراب قرابة 85%، و75% بالنسبة لموظفي البلديات و35% في الجامعات والمعاهد العليا، و52% في التكوين والتعليم المهني.
وجدد التكتل النقابي، في بيان وصلت إلى "العربي الجديد" نسخة منه، تمسكه بمطالبه التي رفعها إلى الحكومة الجزائرية، التي دعاها التكتل إلى "التراجع عن القرار المتخذ في اجتماع الثلاثية والمصادق عليه في مجلس الوزراء والمتعلق بإلغاء التقاعد النسبي والتقاعد دون شرط السن".
ويطالب التكتل العمالي بإشراك النقابات المستقلة في إعداد مشروع قانون العمل الجديد، بالإضافة إلى حماية القدرة الشرائية لكل العمال والموظفين، خاصة الفئات ذات الدخل الضعيف، محذرا من الانعكاسات السلبية لمشروع قانون المالية للعام المقبل 2017.
ويعتبر رئيس نقابة ممارسي الصحة العمومية، إلياس مرابط، أن "الإضراب الثاني الذي دعا إليه التكتل النقابي الرافض لتعديل نظام التقاعد يُعتبر ناجحا بكل المقاييس، بعد أن بلغت الاستجابة فيه مستوى غير مسبوق.
وقال مرابط لـ "العربي الجديد": "ما يحمله قانون العمل الجديد كمشروع أخطر بكثير على مكتسبات المواطن العامل أو الموظف، وتبقى حكاية التقاعد هي الشجرة التي تغطي الغابة، والملف الذي تريد من ورائه الحكومة وشركاؤها جس نبض الحركة النقابية للوقوف على مدى قدرة تعبئتها لمواجهة الحرب المعلنة ضد المكاسب والحقوق الاجتماعية".
وأرجع رئيس النقابة الوطنية لأساتذة التعليم الثانوي والتقني، مزيان مريان، تمسك التكتل النقابي بمطلب تجميد قرار إلغاء التقاعد النسبي، إلى موقف الحكومة التي فضلت تمرير تعديل قانون التقاعد الجديد في إطار سياسة الأمر الواقع دون استشارة النقابات بصفتها شريكاً اجتماعياً، وفق تعبيره.

وقال مريان لـ "العربي الجديد": "لا يمكن أن يُحال مشروع قانون بهذا الحجم على البرلمان دون عرضه على الرأي العام للاطلاع عليه"، مضيفا أن التكتل سيجتمع لوضع خارطة طريق جديدة، لا تستبعد الذهاب إلى إضراب وطني مفتوح.
وفي أول رد فعل رسمي من الحكومة حول الإضراب الوطني الثاني، دعت وزيرة التربية الجزائرية، نورية بن غبريت، مصالحها إلى خصم أيام الإضراب من رواتب عمال القطاع المُضربين، فيما هاجم وزير العمل والتشغيل، محمد الغازي، النقابات المستقلة، ونفى وجود أية نية في فتح باب الحوار معها على اعتبار أنه لا يوجد قانون يلزمه بذلك.
وذكر وزير العمل الجزائري، في ندوة صحافية نظمها مساء أول من أمس، أن إصلاحات قانون التقاعد النسبي وميزة "دون شرط السن" التي كان معمولاً بها، كان صندوق النقد الدولي قد أملاها على الجزائر، وكانت مفروضة في مرحلة معينة.
وقال الوزير: "الآن جاء الوقت لتصحيح الوضع والرجوع إلى الأصل، أي التقاعد في سن الستين، حفاظا على توازنات صناديق الضمان الاجتماعي، خاصة صندوق التقاعد".
وفي رده على سؤال حول تخوفات محتملة لدى الحكومة من "ثورة" قد يتسبب فيها الإعلان عن قائمة المهن الشاقة، التي سيتم استثناؤها من التعديلات الجديدة على نظام التقاعد، رد الغازي بأن الحديث عن هذه القائمة سابق لأوانه، والأولوية الآن لإقرار قانون التقاعد.
كما لم يفوت وزير العمل الجزائري الفرصة لكي يتهم أحزاباً سياسية بممارسة "الفتنة" من خلال ترويج "مغالطات"، للتشويش على مساعي الحكومة لإنقاذ صناديق التأمينات الاجتماعية من الإفلاس.
ويقول مراقبون إن سهام وزير العمل والتشغيل كانت موجهة لأحزاب المعارضة في البرلمان، وفي مقدمتها حركة مجتمع السلم، وجبهة العدالة والتنمية الإسلاميتان، وحزب العمال اليساري، التي استقبلت النقابات المستقلة ووعدتها بتبني مطالبها واقتراحاتها يوم التصويت على مشروع قانون التقاعد المقرر بداية الشهر المقبل.
وتقترح الحكومة تعديلا سيدخل حيز التنفيذ، في يناير/كانون الثاني 2017، يشترط بلوغ العامل سن 60 سنة بالنسبة للرجال و55 سنة للمرأة على الأقل، لكي يستفيد من التقاعد، في حين يمكن للعامل أن يضيف 5 سنوات أخرى بموافقة صاحب العمل.
وأرجعت الحكومة إقرار تعديلات في قانون التقاعد إلى ضرورة إقامة "عدالة اجتماعية" بين الأجيال، في وقت يتزايد فيه عدد طلبات الذهاب إلى التقاعد بمختلف أنواعه، وسط مخاوف من إفلاس المؤسسات بعد اشتداد الأزمة التي تعصف بالاقتصاد.

المساهمون