أداء السياسة النقدية لمصر بعهد هشام رامز

01 نوفمبر 2015
محافظ البنك المركزي المصري المستقيل، هشام رامز (أرشيف/ْGetty)
+ الخط -
قرابة عامين ونصف قضاها هشام رامز محافظًا للبنك المركزي المصري، انتهت باستقالته من منصبه، وسط أجواء اقتصادية شديدة السلبية، ولا يعني ذلك أن السياسة النقدية هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن أزمة الاقتصاد المصري، فالحقيقة أننا نتعامل مع أعراض لمرض عضال يعاني منه الاقتصاد المصري، وهو هشاشة الناتج المحلي الإجمالي، الذي يعتمد على الاستهلاك بنحو 95%، فضلًا عن زيادة التبعية والاعتماد على الخارج.

وبالتالي فما نراه من تراجع في المؤشرات العامة للاقتصاد المصري هو نتيجة فشل في مختلف مكونات السياسة الاقتصادية (النقدية، والمالية، والتجارية، والاستثمار، والعمالة والتشغيل). ومع رحيل رامز أحسب أنه من الضروري الوقوف على أداء السياسة النقدية خلال الفترة التي تولى فيها صناعة السياسة النقدية بحكم منصبه كمحافظ للبنك المركزي المصري، منذ فبراير 2013 وحتى أكتوبر الحالي، بعد قبول استقالته، وتعيين طارق عامر بديلًا له.

قدر هشام رامز أن أدواته التي يعمل فيها، وهي أدوات السياسة النقدية، شديدة وسريعة التأثير في واقع الحياة الاقتصادية، لذلك كان الرجل في مرمى النيران، من قبل الجميع، ولا يعني ذلك أنه لم تكن له أخطاؤه الشخصية، والممارسات الفردية التي رأى ألا يشاركه فيها أحد.

ومما وضع رامز في دائرة الضوء من قبل وسائل الإعلام والشركاء الاقتصاديين، أنه كان كثير الظهور في وسائل الإعلام، ونذكر تلك الوعود التي قطعها على نفسه بالقضاء على السوق السوداء للعملة، أو تحذيره للمدخرين حائزي الدولار، بخطورة احتفاظهم بالودائع الدولارية أكثر من أسبوعين، ثم أثبت الواقع أن تهديدات محافظ البنك المركزي وتحذيراته لم يكن لها نصيب من الواقع.

وفيما يلي نتناول آليات السياسة النقدية وتطورها خلال فترة تولي هشام رامز منصب محافظ للبنك المركزي المصري.

أولًا: تراجع قيمة الجنيه المصري

حسب بيانات النشرة الاقتصادية للبنك المركزي المصري بلغ سعر الدولار في فبراير 2013 نحو 6.68 جنيهات، بينما تراجعت قيمة الجنيه في أكتوبر 2015 ليصل سعر الدولار إلى 8.03 جنيهات، وبذلك تكون قيمة التراجع في قيمة الجنيه أمام الدولار خلال فترة المقارنة بلغت 1.35 جنيه، وبنسبة تراجع تبلغ 20.2%.

بلا شك أن تراجع قيمة الجنيه له أسباب متعددة، إلا أن ما يخص السياسة النقدية يتركز في خطورة استمرار سياسة حماية سعر الصرف، مما كبد الاحتياطي النقدي والبنك المركزي الكثير، فضلًا عن بعض الإجراءات التي اعتمدها رامز أدت إلى إشعال أزمة الدولار بالاقتصاد المصري، مثل تحديد سقف التحويلات، وغاب عن رامز أن الأبواب الخلفية في مصر كفيلة بإفشال أية نظام.

ومما يحسب على السياسة النقدية من أداء سلبي في إدارة أزمة سعر الصرف، أنها حفزت السوق السوداء، ودفعت المستثمرين والمستوردين إلى اللجوء للأبواب الخلفية، مثل التحويلات غير الرسمية عبر الخارج، ليتم الدفع في مصر بالعملة المحلية، ولكن بأسعار مبالغ فيها.

كذلك أدت إجراءات رامز إلى قيام صغار المدخرين بالاحتفاظ بالدولار بدون داع بغية الاستفادة من ارتفاع سعره مستقبلًا، كما خلقت طلبًا غير حقيقي على الدولار من قبل المضاربين.

ثانيًا: انخفاض احتياطي النقد

بلغ احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي في فبراير 2013 مع بداية قيام رامز بمهمته 13.5 مليار دولار، مما أدى إلى لجوء حكومة هشام قنديل إلى قطر وتركيا وليبيا للحصول على ودائع لدعم الاحتياطي بأموال بلغت قيمتها نحو 9 مليارات دولار، إلا أن نزيف الواردات والتحويلات الرسمية وغير الرسمية، ظلت ضاغطة على صانع السياسة النقدية، وبخاصة لتلبية احتياجات البلاد من الوقود والسلع الأساسية، فضلًا عن استغلال هذه الورقة من قبل الثورة المضادة لإفشال أول رئيس مدني منتخب، فتم تجفيف السوق من النقد الأجنبي عبر آليات مختلفة.

وبعد عزل الرئيس محمد مرسي، استمر رامز في أداء منصبه، وكانت ودائع دول الخليج الداعمة للانقلاب العسكري بمصر، جاهزة لدعم احتياطي النقد الأجنبي للبلاد، فأتت على دفعات، منها 4.5 مليارات دولار في يوليو 2013، من قبل كل من الإمارات والسعودية، ثم 2 مليار فيما بعد من الكويت، ثم 6.8 مليارات دولار في أبريل 2015. ثم حصول مصر على 1.5 مليار دولار عبر الاقتراض من سوق السندات الدولية في يوليو 2015.

اقرأ أيضاً: هل ينجح محافظ المركزي المصري الجديد بحل أزمة الجنيه؟

وعلى الرغم من ضخ هذه الأموال لدعم احتياطي النقد من قبل دول الخليج وغيرها من المصادر، إلا أن عوامل عدة أدت إلى انهيار احتياطي النقد الأجنبي، ليصل إلى 16.3 مليار دولار في نهاية سبتمبر 2015، ليضع الأمر هشام رامز في مواجهة مع المستثمرين والمستوردين، وشكاوى الشركات الأجنبية وتهديدها بالخروج من السوق المصري بسبب أزمة عدم توفير الدولار.

ثالثًا: طباعة النقود

من أخطر الأدوات التي تمارسها البنوك المركزية، هي طباعة النقود دون وجود غطاء من نقد أجنبي أو ذهب أو وجود سلع وخدمات بما يعادل ما طُبع من نقود، ويلاحظ أنه بعد ثورة 25 يناير اتجه البنك المركزي لطباعة النقود بشكل ملحوظ.  

وفي فبراير 2013 بلغت قيمة النقد المصدر نحو 231.2 مليار جنيه مصري، في حين ارتفع في يوليو 2015 لنحو 328 مليار جنيه، لتصل قيمة النقد المطبوع خلال ولاية هشام رامز 97 مليار جنيه، وهو الأمر الذي ظهرت نتائجه السلبية في ارتفاع قيمة التضخم.

وفي شهر يوليو 2015 فقط، قام البنك المركزي بطباعة نحو 13 مليار جنيه، وهو ما يعد دلالة على شدة تدهور الأوضاع النقدية والاقتصادية لمصر.

رابعًا: ارتفاع معدلات التضخم

استهداف معدلات التضخم من أهم وظائف البنك المركزي، لما يترتب على ارتفاع معدلات التضخم من انخفاض القيم الحقيقية للنقود، وارتفاع تكاليف المعيشة على الأفراد والأسر.

ويتوفر للبنك المركزي عدة آليات لمواجهة التضخم أبرزها سعر الفائدة، عندما يكون التضخم ناتجًا عن جانب الزيادة في عرض النقود.

وحسب بيانات البنك المركزي فالتضخم بلغ على أساس سنوي في فبراير 2013 نسبة 8.3%، ثم شهد ارتفاعات متتالية ليصل إلى ما يزيد عن 12% خلال عام 2014، ثم بدأ في الانخفاض ليكون بحدود 10% خلال عام 2015، إلا أن تقديرات الاقتصاديين تذهب إلى أن المعدلات الواقعية للتضخم ترتفع كثيرًا عن تلك المعلنة من قبل البنك المركزي.

وفي ظل أزمة الدولار التي تفاقمت حدتها خلال ولاية رامز كمحافظ للبنك المركزي، ساهم التضخم المستورد بشكل كبير في ارتفاع معدلات التضخم الخاصة بالمستهلكين، لأن فاتورة قيمة الواردات ارتفعت بسبب انخفاض قيمة الجنيه، وعدم توفر الدولار.

خامسًا: انخفاض سعر الفائدة

من أبرز الأليات التي تم استخدامها بشكل شديد السلبية في عهد رامز، سعر الفائدة، حيث تم تخفيض سعر الفائدة من أجل خفض تكلفة التمويل للديون الحكومية، فعقب الانقلاب العسكري وتحديدًا في أغسطس وأكتوبر 2013، تم تخفيض سعر الفائدة على أذون وسندات الدين الحكومي بنحو 2.5%، ليكون سعر الفائدة على هذه الأدوات دون نسبة 10%. وهو ما أثر على تحديد سعر الفائدة بالبنوك على عمليات الإيداع والإقراض لتستقر عند نحو 8.75% للإيداع و9.75% للإقراض.

ومن هنا اتهم الاقتصاديون رامز بأنه ضحى بمصالح المودعين من أجل مجاملة الحكومة التي لا تتوقف عن الاستدانة لتمويل عجز الموازنة، في حين كان تخفيض سعر الفائدة وارتفاع معدلات التضخم تصيب مدخرات المودعين في مقتل.

وشجعت سياسة البنك المركزي في تخفيض سعر الفائدة الحكومة في التوسع في الدين العام المحلي، ليرتفع لما يزيد عن 2 تريليون جنيه، وبلغت الزيادة في الدين العام خلال فترة رامز لنحو 600 مليار جنيه. وإن كان المسؤول عن إدارة الدين العام هنا هي وزارة المالية، إلا أن صدى الدين العام وتداعياته السلبية تمس الجهاز المصرفي بشكل كبير، لذلك تعتبر هذه القضية من أهم القضايا التي يجب أن يتم فيها التنسيق بين صانعي السياستين المالية والنقدية، دون التأثير على استقلالية البنك المركزي.

وفي ظل استمرار سياسة البنك المركزي في تخفيض سعر الفائدة، اتجهت شرائح من المودعين إلى المضاربة في مجالات مختلفة مثل العقارات والعملات الأجنبية والبورصة، إلا أن الملفت للنظر هو انتشار ظاهرة توظيف الأموال التي يجرمها القانون في حق الأفراد، حيث قصر القانون مهمة تلقي المدخرات لتوظيفها على البنوك فقط.

وللأسف شملت الظاهرة قطاعات جغرافية عدة في مصر في الوجه البحري والقبلي، ولا تخلو وسائل الإعلام أسبوعيًا عن الإعلان عن القبض على أحد مرتكبي جريمة توظيف الأموال.

ولابد من الإشارة إلى أن تجربة رامز كمحافظ للبنك المركزي كانت محفوفة بالمخاطر، سواء من حيث الظروف السياسية أو الاقتصادية التي عمل فيها، وأن تجربة من أتى بعده ستثبت أن الداء في ضعف القاعدة الإنتاجية لمصر.

اقرأ أيضًا: الخلافات مع الحكومة ورجال الأعمال تطيح بمحافظ المركزي المصري

المساهمون