لا تعتبر نبتة الحشيش في لبنان بعيدة عن ثقافة شعبه.
مساحات واسعة من مناطق البقاع (شمال شرق لبنان) تنتج مئات الأطنان من الحشيش سنوياً.
آلاف العائلات البقاعية التي لا تصلها خدمات الدولة، ولا تدخل ضمن اهتمامات السياسات الاجتماعية، تعتاش من زراعة هذه النبتة. إذ إن الإنتاج -في غالبيته- يُصدر بطرق غير مشروعة إلى دول العالم أجمع.
هي زراعة ممنوعة - مسموحة، ممنوعة قانونا، ولكنها موجودة ومعروف أين موقعها.
كل سنة تقريباً، تقوم القوى الأمنية بإتلاف آلاف الأطنان من الحشيش. إلا أن هذه العمليات تعطي مفعولاً عكسياً، فهي بحسب مزارعي الحشيش ترفع سعر هذه السلعة أكثر فأكثر، ليستفيد من ذلك قلة من التجار.
وبعد كل عملية إتلاف، يتحدث المزارعون عن تورط سياسيين وزعماء في الاتجار بالحشيش ويطالبون بالتوقف عن إتلافها، بالصوت أحياناً وبالاشتباك المسلح أحياناً أخرى.
وفي كل عام تقريباً، ترتفع فجأة أصوات مطالبة بتقنين زراعة الحشيش في لبنان لكي تستفيد الدولة من الضرائب على صادراتها، خصوصاً أن عدداً كبيراً من البلدان يسمح باستيرادها ويقدمها في المقاهي كأي سلعة أخرى. إلا أن الأصوات، كما ترتفع فجأة، تختفي فجأة أيضاً، من دون معرفة سبب الصمت الذي يستمر إلى حين الحملة اللاحقة التي تطالب بشرعنة زراعة هذه النبتة.
منذ أيام، تحولت قضية شرعنة زراعة الحشيش في لبنان إلى قضية رأي عام.
انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي آلاف الـ "هاشتاجات" تحت عنوان: "شرّعوها". إلا أن هذه الحملة عادت وارتدت رداء الهزلية، فخمدت الأصوات من جديد. فما هو واقع هذه الزراعة في لبنان؟
الحشيش بالأرقام
تشير أرقام مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، إلى أن عدد الذين يستخدمون الحشيش في العالم يصل إلى 180.6 مليون نسمة بما يوازي 3.9 في المئة من السكان في العالم ما بين 15 و64 عاماً.
ويقول موقع "هافوجسكوب" الذي يقيس الأعمال غير المشروعة دوليا، أن تجارة الحشيش العالمية تقدر بحوالى 141 ملياراً و80 مليون دولار سنوياً.
وتقول أرقام مكتب الأمم المتحدة أن لبنان كان ينتج خلال الحرب الأهلية حوالى ألف طن من الحشيش سنوياً. وتلفت إلى أن تهريب الحشيش إلى بلدان عديدة، خصوصاً أوروبا وأميركا الشمالية، كان يؤمن مردوداً بملايين الدولارات.
وتحدد بعض الأبحاث أن حجم المردود في لبنان كان يصل سنوياً الى حوالى نصف مليار دولار. في حين يحدد "هافوجسكوب" أن كل جرام حشيشة من إنتاج لبنان يباع بـ 15 دولاراً خارجه، وأن كل دونم (ألف متر مربع) مزروع بالحشيش ينتج حوالى 10 آلاف إلى 15 ألف دولار. وتتراوح تحديدات حجم المساحة المزروعة بالحشيش في لبنان بين 10 آلاف و30 ألف دونم.
وتقوم الدولة اللبنانية منذ انتهاء الحرب الأهلية بمشاريع لتأمين زراعات بديلة لسكان البقاع. إلا أن هذه المشاريع لم تصل يوماً إلى خواتيمها المجدية.
أما السبب فهو عدم التزام الأمم المتحدة بالأموال التي كانت قد وعدت بها للسير في هذه المشاريع (قدمت 17 مليون دولار من أصل وعد بدفع 300 مليون دولار)، بالإضافة الى عدم قيام الدولة اللبنانية بواجبها الرعائي تجاه سكان المنطقة، من جهة تأمين البنى التحتية والخدمات اللازمة لتحسين الحياة والزارعة في آن.
في المقابل، يحدد التقرير الأخير "المخدرات في أوروبا تحليل استراتيجي" أن أسواق الحشيش المنتجة في لبنان موزعة على عدد كبير من الدول، وخصوصاً الدول الأوروبية وأميركا الشمالية والجنوبية.
ويتم زرع الحشيش في مناطق تعتبر من الأفقر في لبنان. إذ إن منطقة البقاع وخصوصاً الهرمل، هي عبارة عن منطقة مهمشة من قبل الدولة اللبنانية منذ عشرات السنين.
وتغيب عن هذه المناطق مرافق حيوية وخدمات اجتماعية بديهية، فعدد المستشفيات والمدارس في المنطقة قليل جداً، في حين أن إمدادت الكهرباء والمياه والصرف الصحي لا تزال في مراحلها البدائية.
ويعتاش من زراعة الحشيش بين 25 و50 ألف عائلة، وفق مواسم الزراعة والحملات الأمنية التي تحاول إتلاف المزروعات.
حملة سياسية مؤيدة
وأعلن عدد من السياسيين تأييده لزراعة الحشيش في لبنان أخيراً.
أبرز هؤلاء رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي قال في حديث تلفزيوني إنه "لا خوف من تشريع الحشيش وتنظيمها لأسباب طبية، وهي لا تشكل خطراً على الصحة ما لم تصبح إدماناً".
وشدد على أن "إيرادات الحشيش في البقاع كانت تفعّل الدورة الاقتصادية في لبنان".
واستنكر كيف أن الدولة عرضت على أبناء البقاع في لبنان زراعات بديلة منها زراعة الزعفران، مشيراً إلى أن زراعة الحشيش "زراعة هينة، لكنها تحتاج إلى خبرة وتزرع في إيران وتحتاج إلى يد عاملة متخصصة".
وسأل: "أليس الأفضل العودة إلى الحشيش التي لا تؤثر على الصحة بدل الدخول إلى مواد كيميائية مدمرة مثل الكبتاجون؟".
بدوره، طالب وزير السياحة السابق فادي عبود، في حديث تلفزيوني أيضا "بقوننة زراعة الحشيش وتشريع استعماله الطبي وتصديره"، لافتاً إلى أن "هناك عدة بلدان منها أميركا أصبح فيها استعمال الحشيش قانونيا مئة في المئة"، موضحا أنه "يتكلم عن التصدير وليس الاستهلاك المحلي".
ويشرح عبود في حديث مع "العربي الجديد" أن قوننة زراعة الحشيش سترفد الخزينة اللبنانية بإيرادات مهمة.
ولفت إلى إمكان تصدير الحشيش إلى الدول التي تسمح باستعمالها، كما يمكن تخصيص الحشيش للصناعات الطبية وتنمية مصانع الأدوية في لبنان.
ويلفت النظر إلى أن سعر سيجارة الحشيش الواحدة في مقاهي هولندا تصل إلى عشرة دولارات. ويشدد على أن هولندا فيها كميات كبيرة من الحشيش اللبنانية المهرب، وفي حال تمت قوننة تصدير الحشيش يمكن أن تحصل الدولة على ملايين الدولارات من الاقتطاعات الضريبية على صادرات الحشيش.
ويقول عبود إن عدداً كبيراً من الدول يسمح بحيازة الحشيش للاستخدام الشخصي والطبي، ومادام لبنان يصدر هذه السلعة بطريقة غير مشروعة، يمكن شرعنة التصدير لخلق إيرادات إضافية للخزينة العامة.
ويلفت وزير السياحة السابق إلى أنه طرح موضوع قوننة تصدير الحشيش واستخدامها طبياً منذ أربع سنوات، ويكرر اقتراحه في كل مرة يتم فيها إعداد موازنة لبنان.
وعن معارضة وزراء حزب الله لهذه الزراعة انطلاقاً من أسباب دينية، يرد عبود: "المخدر موجود في دواء السعال، ويستخدم في العمليات الجراحية، فهل الاستخدام الطبي للحشيش مخالف للدين؟".
مخاوف من غياب الدولة
إلا أن هذا التوجه المتفائل يسقط في واقع الضعف الرقابي والتنظيمي والإصلاحي في لبنان.
إذ يشير الخبير الاقتصادي ورئيس مركز البحوث والاستشارات كمال حمدان، في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن مشكلة زراعة الحشيش في لبنان لا يمكن أن تُحل إلا بشكل تدريجي، وبالتزامن مع توفير كل أسس التنمية المحلية الزراعية من متطلبات الإنتاج والتسويق وتنظيم الأسواق، وصولاً إلى الري والإقراض الميسّر.
ويلفت حمدان الانتباه إلى محاولات وكالات الأمم المتحدة لاقتراح زراعات بديلة. إلا أن هذه المحاولات فشلت، بحيث لم يتم الوفاء بدفع الأموال التي وعد بها لبنان لتنفيذ المشروعات، وصُرف ما تم الحصول عليه من مساعدات لدفع أجور العاملين في المشروع.
ويشرح حمدان أن ما يتم الحديث عنه حالياً عن قوننة زراعة الحشيش، لا ينجح في ظل غياب الدولة وضعفها في لبنان.
ويعتبر أن لبنان فشل خلال عشرين عاماً في إصلاح قطاع الكهرباء، وبالتالي هناك مخاوف جدية من قدرة دولة كهذه على قوننة زراعة الحشيش ضمن معايير محددة ووفق غايات صناعية وغير صناعية، يمكن أن تؤمن مداخيل إضافية للدولة.
ولا يتوقف ضعف الإيمان بقدرة الدولة على تنظيم زراعة الحشيش على تصدير هذه المادة واستخدامها طبياً، بل يمتد إلى زراعة القنب الصناعي.
فقد أشار رئيس المجلس الوطني للبحوث العلمية معين حمزة إلى أنه في العام 2006، أعد المجلس تقريراً عن زراعة القنب الصناعي في مناطق البقاع الشمالي.
وقد طلب وزير الداخلية السابق زياد بارود قراءة التقرير الذي لقي تقديره، وانتهى الموضوع عند هذا الحد.
ويقول معد التقرير الأستاذ في الجامعة الأميركية محمد فران، في حديث مع "العربي الجديد" إن القنب الصناعي لا يوجد فيه مواد مخدرة ويستخدم لاستخراج الألياف لاستخدامها في صناعات الأقمشة والثياب والحبال وغيرها.
إلا أن فران يؤكد أن القنب الصناعي ليس زراعة بديلة عن الحشيش، فمردود الحشيش مرتفع جداً بالمقارنة مع أي زراعة أخرى.
ويشرح فران أنه تم إجراء تجارب لزراعة القنب الصناعي في عدد من المناطق اللبنانية، وتبين أن البقاع الشمالي هو الأكثر ملائمة لهذه الزراعة. إلا أن مشروعا كهذا يحتاج إلى استثمارات من الدولة أو القطاع الخاص، خاصة في شراء الآلات اللازمة للزراعة واستخراج الألياف. ويعتبر فران أن هذا المشروع لن يتحقق في ظل استمرار تهميش مناطق الأطراف، وعدم وجود مسؤولين حريصين على تحقيق التنمية المتكاملة.
ويضيف "يطلبون من المزارع الخضوع للقانون، وفي الوقت ذاته لا يقدمون له أي شيء في المقابل".
بين المنع والإباحة
تعتبر زراعة الحشيش (القنب) واستخدامها أمراً مشروعاً في عدد من الدول، وممنوعاً في دول أخرى. وقد أباح عدد من البلدان حيازة كميات من الحشيش، وفق "هافنتون بوست"، "ذا غارديان" و "واشنطن بوست"، في أميركا الجنوبية والشمالية وفي أوروبا، خصوصاً في هولندا، وفي ولاية كولورادو الأميركية وواشنطن.
وفي 10 ديسمبر/كانون الأول من العام 2013، أصبحت أوروغواي أول بلد في العالم يقنن بيع وزراعة وتوزيع الحشيش. ويقوم عدد من البلدان على تسخير زراعة الحشيش لاستخدامات طبية، خصوصاً كندا وجمهورية التشيك وإسرائيل.
وحالياً يمكن تقسيم الدول إلى فريقين: بنغلاديش وكوريا الشمالية و جمهورية التشيك والبرتغال وأوروغواي وهولندا، والولايات المتحدة (واشنطن وكولورادو ) لديها القوانين الأقل تقييدا في ما يتعلق باستخدام الحشيش. في حين أن الصين وإندونيسيا واليابان والسويد وتركيا وفرنسا وسنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية والإمارات العربية المتحدة، لديها قوانين صارمة في هذا الإطار.
ويعتبر الحشيش الدواء الأكثر شعبية والأكثر جدلية في كل أنحاء العالم.
لعل أبرز تجربة في هذا الإطار هي تجربة كولورادو، التي استطاعت تأمين حوالى 60 مليون دولار، مع توقع مضاعفة هذا الرقم في العام 2017.
الاستخدامات الطبية والصناعية
وفق أكثر من دراسة أجنبية، فقد استخدم القنب أو الحشيش في بلدان إفريقية منذ القرن الخامس عشر على الأقل. واستُخدمت هذه النبتة لمعالجة لدغة الثعبان، ولتسهيل الولادة، والملاريا والحمى وتسمم الدم والجمرة الخبيثة والربو والزحار.
وفي الكاميرون، يُسمح لمرضى الإيدز ومرضى السرطان باستخدام العقاقير التي تتضمن الحشيش لعلاج أعراض أمراضهم.
ويستخدم القنب في أستراليا في العمليات الطبية، بحيث يُسمح للمريض بأن يحمل 15 غراماً من الحشيش وفق وصفة طبية. إضافة الى استخدام القنب الصناعي في صناعة الملابس والورق والألياف.
واعتباراً من 8 يونيو/ حزيران 2013، أصبحت مشتقات القنب تستخدم في فرنسا لتصنيع المنتجات الطبية...
يضاف إلى هذه الدول عدد كبير من الدول الأخرى التي جعلت من الحشيش مادة طبية أساسية تدخل ضمن مكونات الأدوية أو تستخدم كمادة مخدرة للأمراض المرهقة والمستعصية.
أما القنب الصناعي فينتج في العديد من البلدان في أنحاء العالم، ويستخدم في صناعة الحبال والأقمشة. والمنتجون الرئيسيون هم كندا، فرنسا، والصين.