ركزت برامج غالبية المرشحين للانتخابات التشريعية العراقية المقرر أن تجرى، الأحد، على الوعود الاقتصادية التقليدية، من محاربة البطالة والفقر ودعم المساكن وغيرها، فيما ذهب عدد من المرشحين نحو طرح الملفات المعيشية والاقتصادية الطارئة من ضمنها سعر صرف الدينار والاستفادة من صعود أسعار النفط الدولية.
إلا أن الوعود الاقتصادية جاءت بما يشبه الحشو في برامج ابتعدت غالبيتها عن الدخول المفصّل في الملف الأخطر على العراقيين، حيث ندرت الخطط الاقتصادية والمعيشية الجدية والعملية التي يمكن أن تقنع الناخب بأهميتها. كما أن غالبية المرشحين الذين ذكروا الملف الاقتصادي في برامجهم فضلوا السير في ركب المبالغات حين طرح آليات المعالجة من دون الاعتماد على أي نسق علمي يشكل مفتاحاً أو اقتراحاً جدياً قد يخرج العراق من أزماته.
وبحسب دراسة أجراها "عدد من المراقبين في الشأن الاقتصادي العراقي"، وفقاً للصحافي أحمد حسين وهو منسق الدراسة، فإن 43 من 250 مرشحاً شملتهم الدراسة أطلقوا وعوداً صريحة قابلة للتطبيق.
وأشار حسين إلى أن الوعود المتعلقة بتحسين الاقتصاد وتوفير الخدمات كانت من ضمن أولويات المرشحين، مبينا في تصريح صحافي أنهم ركزوا ايضاً في دعاياتهم على الأمن والوعود الفئوية والانتماءات السياسية والعلاقات الدولية.
في المقابل أكد برلمانيون أن بعض الوعود تتطلب تشريع قوانين خاصة لتنفيذها، بينما تصنف وعود أخرى على أنها خارج إطار مهام البرلمان المتمثلة بالتشريع والرقابة.
من البطالة إلى الاستثمار
تضمنت برامج اغلب المرشحين وعوداً بتوفير فرص العمل للقضاء على البطالة، الا أنها خلت، كما الحملات الانتخابية في التجارب السابقة، من اقتراح آليات واضحة لكيفية توفير الوظائف، في ظل تأكيدات الحكومة المتكررة على وجود تضخم في عدد موظفي الدولة، ما يعني أن التوظيف أصبح أمر صعب جداً.
وتظهر البيانات الرسمية، تجاوز نسبة البطالة 20%، بينما تؤكد تقارير مستقلة تخطيها بكثير الأرقام الحكومية، خاصة في المدن الشمالية والغربية التي ما زالت تعاني من آثار الحرب الأخيرة على تنظيم "داعش".
وقد تضمنت الحملات الانتخابية تعهدات وتصريحات إعلامية لتثبيت أصحاب العقود في الوزارات التي يعملون بها، فضلا عن إجراء تعيينات جديدة، بينما تصطدم تلك الوعود بالواقع المالي للبلاد، إذ تؤكد البيانات الحكومية عدم وجود مخصصات مالية لتوفير المزيد من فرص العمل في الجهات الرسمية.
كما تضمنت دعايات الكثير من المرشحين وعوداً بتحسين أوضاع الطبقات الفقيرة وفئة ذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال تشريع قوانين خاصة بهذا الشأن.
تنمية قطاع الإسكان
بعض المرشحين من رجال الأعمال قطعوا وعوداً بتنمية قطاع الإسكان، من خلال استقدام شركات عالمية لديها الخبرة في هذا المجال لحل أزمة السكن، كما وعدوا باستئناف مشاريع الإسكان التي بدأت في عهد الحكومات السابقة الا أنها لم تستكمل.
مرشحو المحافظات الشمالية والغربية ركزوا في دعاياتهم الانتخابية على وعود إعمار المناطق التي خربتها الحرب على يد تنظيم "داعش"، كما تعهدوا بالضغط في البرلمان بعد فوزهم لضمان إطلاق التعويضات الخاصة بالمتضررين في هذه المناطق.
مرشحون آخرون سلطوا الأضواء على عدم وجود بيئة آمنة للاستثمار في العراق، خصوصاً في المحافظات الجنوبية ومحافظة الأنبار غربي البلاد التي توجد فيها موارد مثل النفط والغاز يمكن أن تشجع المستثمرين، ووعدوا بحل جزء من الأزمات الاقتصادية عن طريق تنشيط الاستثمار.
مرشحون آخرون أطلقوا وعوداً بإعادة تشغيل المصانع العراقية المهمة التي توقفت بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، والتي كان بعضها مختص بالصناعات العسكرية. ومن شأن ذلك بحسب الوعود تنشيط الاقتصاد العراقي وتنمية المناطق التي توجد فيها هذه المصانع.
وحاول بعض المرشحين توظيف خفض الحكومة قيمة الدينار في دعاياتهم الانتخابية، من خلال إطلاق وعود بتخفيض سعر الدولار وإعادته إلى ما كان عليه العام الماضي، كما وعدوا بالاستفادة من الأموال الناتجة من الزيادة في سعر النفط وتدوير جزء منها إلى الطبقات الفقيرة على شكل منح مالية.
وبلغ حجم موازنة العام الحالي التي جرى اعتماد أسعار النفط فيها على أساس 45 دولاراً، نحو 129 تريليون دينار (حوالي 88 مليار دولار)، لكن برلمانيين يتوقعون أن تصل موازنة العام المقبل إلى 150 تريليون دينار تقريباً في حال اعتمد سعر البرميل في ضوء التغييرات الحالية على الأسعار عند عتبة 70 دولاراً.
رفع سقف الوعود
عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار في البرلمان انتصار الجبوري قالت في حديث مع "العربي الجديد" إن وعود التعيينات الوظيفية، سواء كانت مدنية أم عسكرية، مرتبطة بقانون الموازنة، موضحة أن الحكومة سبق أن أكدت عدم وجود وظائف شاغرة في الوقت الحالي.
ولفتت إلى "وجود وعود أطلقها مرشحون مثل نقل موظفين من وزارة إلى أخرى للحصول على زيادة في المرتبات"، فيما بعض المرشحين أطلقوا سقوف وعود عالية يصعب تحقيقها.
وبينت أن تخفيض سعر الدولار متعلق بسياسات البنك المركزي ولا علاقة له بوعود المرشحين، موضحة أن الحل يمكن بدعم القطاع الخاص الذي يمكن أن يوفر فرص العمل للعاطلين.
وتابعت: "وفيما يتعلق بدفع مبالغ للناخبين، فإنها مخالفات صريحة ويمكن للناخبين أن يتقدموا بشكاوى في حال عرضت عليهم إغراءات مالية مقابل أصواتهم".
بدوره، أشار عضو منظمة الرافدين المعنية بمراقبة الانتخابات علي الموسوي، إلى أن نظام الدوائر المتوسطة كشف ظهور العديد من القوى والمرشحين السابقين في هذه الانتخابات، إلا أن تخلفهم عن وعود اقتصادية سابقة قطعوها في انتخابات 2014 و2018، ستتسبب هذه المرة بإعاقة تصدرهم المشهد مرة أخرى.
وأضاف الموسوي أنه في محافظة مثل المثنى جنوبي العراق، يتوقع تعثر صعود 5 أعضاء برلمان ووزير سابق وحالي، بسبب اتساع رقعة الفقر والبطالة بين الشباب وتردي الواقع الاقتصادي. والأمر يتكرر في الأنبار أو نينوى، "إذ أن قوى سياسية ستسقطهم المشاكل الاقتصادية والمالية، لذا فإن الاقتصاد والخدمات للشارع العراقي في هذه الانتخابات، أهم من العامل الطائفي والديني والناس تبحث عمن يغير الحاضر، لا أن يعرض لهم خططاً للمستقبل أو يذكرهم بتاريخ"، وفق قوله.
خداع الناخبين
وبدا واضحاً تصدر الشعارات الانتخابية التي تحمل وعوداً انتخابية بالإعمار والخدمات وفرص العمل داخل المدن المدمرة والفقيرة في مختلف مدن البلاد، وبشأن ذلك قال عضو التيار المدني العراقي أحمد حقي إنها "ضحك على المواطنين وكان يجب على الحكومة منع التلاعب بمشاعر الناس".
وأضاف حقي أن غالبية المرشحين قدموا وعوداً الحكومة نفسها غير قادرة على تلبيتها، مثل توفير فرص العمل والقضاء على البطالة، وإنشاء خدمات ومحطات تحلية مياه كما في البصرة، وبناء مستشفيات ودور رعاية ودفع تعويضات للمواطنين وغيرها، والجميع يعلم أنها غير منطقية. ولفت إلى أنه "حتى لو صدقت فعلاً تلك النوايا، لا توجد قدرة مالية وإمكانات للدولة العراقية على تنفيذها وإن ارتفع سعر برميل النفط إلى 150 دولاراً، فالبلاد مقيدة بالديون والفساد والأزمات الثقيلة التي لا تكفي ولو 4 دورات انتخابية لحلها"، مشيراً إلى "استمرار خداع المواطنين بشعارات معيشية غير صحيحة".
أما عضو البرلمان أحمد المشهداني، فشرح لـ "العربي الجديد" أن مهمة عضو البرلمان تقتصر على التشريع والرقابة، مبيناً أن الوعود الاقتصادية والخدمات وتبليط الطرق يمكن أن يتم توفيرها من خلال الحكومات المحلية في المحافظات.
ودعا المرشحين إلى عدم إطلاق وعود لا يمكن تنفيذها، مشيراً إلى أن ذلك يمكن أن يدخل ضمن إطار "خداع الناخبين".
ولفت إلى أن البرلماني يمكن أن يساهم في تمرير قوانين تحمل فائدة اقتصادية، مستدركاً "إلا أن تنفيذ هذه القوانين من مهام الحكومة المركزية والحكومات الاتحادية".