ألغى وزير المالية البريطاني جيرمي هانت إجراءات ضريبية يعتمد تمويلها على الديون، على أمل تهدئة الأسواق، في تراجع حكومي كبير يترك موقع ليز تراس كرئيسة للوزراء في وضع هش. كذلك، أعلن عن خطة تمويل أسواق الطاقة، عبر فرض حد أقصى للأسعار، ما يساعد في دعم شركات الطاقة في المملكة المتحدة وحمايتها من التقلب غير المسبوق الناجم عن الغزو الروسي لأوكرانيا.
وقدّر هانت، اليوم الإثنين، بأن التعديلات المرتبطة بالضرائب ستساهم في جمع حوالى 32 مليار جنيه إسترليني (36 مليار دولار) سنويا، بعدما قدّر خبراء اقتصاد بأن الحكومة ستواجه فجوة في التمويل العام بمبلغ قدره 60 مليار جنيه إسترليني. كما حذر من إمكانية خفض النفقات.
وشدد وزير المال، الذي تولى المنصب بشكل مفاجئ الجمعة ليحل مكان كواسي كوارتنغ بعد إقالة الأخير، أن على أي حكومة ألا تسيطر على الأسواق، لكنه شدد على أن تحرّكه سيلعب دورا مطمئنا حيال صحة الأموال العامة.
وأفاد هانت، في بيان متلفز: "سنلغي تقريبا جميع الإجراءات المرتبطة بالضرائب التي أعلنت قبل ثلاثة أسابيع"، بينما أقر بأن الميزانية التي أعلنها سلفه الشهر الماضي أضرت بالوضع المالي العام. وأضاف "الهدف الأهم لبلدنا حاليا هو تحقيق الاستقرار".
تراجع بشأن الضرائب
وتراجع هانت عن خطط لإلغاء المعدل الأقل للضريبة على الدخل ووضع حدا لخطة الحكومة الأبرز القاضية بتجميد أسعار الطاقة، لتنتهي في نيسان/أبريل بدلا من أواخر العام 2024. وقال إن الحكومة "ستراجع" بعد نيسان/أبريل حزمة دعم أسعار الطاقة.
كما تم التخلي عن مقترح بخفض ضرائب أرباح المساهمين، فضلا عن خطة لتوفير تجربة تسوّق من دون ضرائب للسياح وتجميد الرسوم على المشروبات الكحولية.
ويأتي الإعلان في ظل تراجع كبير لحزب تراس المحافظ في استطلاعات الرأي على وقع أزمة تكاليف المعيشة المتفاقمة في بريطانيا.
وأقالت رئيسة الوزراء صديقها المقرّب كوراتنغ الجمعة، بعدما أحدثت موازنتهما الأخيرة القائمة على خفض الضرائب حالة فوضى في الأسواق، ما أثار تساؤلات عديدة بشأن مستقبلها السياسي بعد شهر من توليها السلطة.
وقال هانت الاثنين: "لا يمكن لأي حكومة السيطرة على الأسواق، لكن يمكن لكل حكومة تقديم تطمينات بشأن استدامة الأموال العامة".
ومن المقرر بأن يلقي وزير للمال في بريطانيا خطابا أمام النواب بشأن خططه عند الساعة 14,30 بتوقيت غرينتش.
وأدى إعلان هانت إلى ارتفاع قيمة الجنيه الإسترليني لمدة قصيرة إلى 1,1331 دولار، بينما تراجعت عائدات السندات. وأدت موازنة الشهر الماضي المثيرة للجدل إلى ارتفاع عائدات السندات وانهيار قيمة الجنيه الإسترليني إلى سعر قياسي مقابل الدولار في ظل المخاوف المرتبطة بازدياد ديون المملكة المتحدة.
"قرارات صعبة"
واعتُبر خفض الضرائب محور خطة الموازنة الفاشلة، لكن كان من المقرر أن يموّل من خلال ديون ضخمة. وتراجعت تراس مرّتين عن إجراءات منصوص عليها في الموازنة، فألغت خفض الضرائب للأشخاص الأعلى دخلا وعلى أرباح الشركات.
ومباشرة بعد تعيينه، لم يتردد هانت السبت في توجيه تحذير من زيادة مرتقبة للضرائب متراجعا تماما عن برنامج تراس المتشدد للإصلاح الاقتصادي.
وقال الاثنين: "ستكون هناك المزيد من القرارات الصعبة، بشأن الضرائب والإنفاق، في وقت نطبّق التزامنا خفض الديون.. على الأمد المتوسط". وأضاف "سيتعيّن على جميع الدوائر (الحكومية) مضاعفة جهودها من أجل التوفير، وسيكون من الضروري خفض النفقات في بعض المجالات".
وسبق لهانت أن حذّر بأنه لن يستبعد أي خطوة، وسط تكهنات من إمكانية فرضه خفضا كبيرا للنفقات في قطاعات حيوية، مثل الدفاع والمستشفيات والمدارس. والتقى الوزير نهاية الأسبوع مع حاكم بنك إنكلترا أندرو بايلي مدير مكتب إدارة الديون لمناقشة الخطط.
وغداة اضطراب الأسواق، اضطر بنك إنكلترا للتدخل عبر شراء سندات بشكل طارئ حتى يوم الجمعة. وذكرت تقارير بأن الاستياء المرتبط بالموازنة تمخّض عن خطة للإطاحة بتراس.
وأفادت تقارير بأن عددا من كبار النواب المحافظين يخططون للإطاحة برئيسة الوزراء، على خلفية امتعاضهم من أداء الحزب منذ خلفت بوريس جونسون في السادس من سبتمبر/ أيلول. وقال وليام هيغ، الذي يعد بين أبرز شخصيات الحزب، إن منصب تراس "معلّق بخيط" منذ إقالة كوارتنغ.
خطة تمويل الطاقة
وأعلن وزير المالية الجديد عن خطة تمويل أسواق الطاقة، عبر فرض حد أقصى للأسعار، ما يساعد في دعم شركات الطاقة في المملكة المتحدة وحمايتها من التقلب غير المسبوق الناجم عن الغزو الروسي لأوكرانيا.
وقال في بيان صباحي: "لن تكون الشركات المملوكة للدولة وشركات الطاقة المملوكة للمؤسسات المالية وبيوت تجارة السلع مؤهلة للاستفادة من هذا النظام". ولفت إلى أن "الشركات لديها ثلاثة أشهر للتقدم للحصول على الدعم، وبعد الموافقة عليه، ستكون قادرة على الاستفادة من ضمان لمدة 12 شهرًا. وبعد عملية الموافقة الصارمة، سيتم إصدار ضمان بنسبة 100% للبنوك التجارية على الإقراض الإضافي للشركات المعتمدة".
وشرح أن الشركات يجب أن تكون عاملة في سوق الطاقة في المملكة المتحدة، ويجب أن تكون مرخصة من قبل OFGEM، شركة تنظيم الطاقة في بريطانيا، مشيراً إلى أنه سيُفتح البرنامج أمام الشركات ذات الجودة الائتمانية الجيدة التي تلعب دورًا مهمًا في أسواق الطاقة في المملكة المتحدة، من المنتجين وشركات الشحن والموردين.
واعتبر أن "خطة الدعم هذه ستساعد الشركات في مواجهة مشكلات التمويل المؤقتة قصيرة الأجل، ولن تتحمل الحكومة المسؤولية إلا في حالة تخلّف الشركة عن السداد. وستكون هذه الشركات قادرة على التقدم للحصول على ضمانات مدعومة من الحكومة لتأمين التمويل التجاري وتلبية طلبات تغطية الهوامش الكبيرة من تقلب أسعار الطاقة".
ونقلت "ذا غارديان" البريطانية عن هانت أن ضمان أسعار الطاقة سيستمر في شكله الحالي فقط حتى إبريل/ نيسان. وقال إن رئيسة الحكومة ليز تراس وافقت على أنه سيكون من الخطأ الالتزام بالإنفاق طويل الأجل، عندما يكون من غير الواضح ما الذي سيحدث لأسعار الطاقة في المستقبل. ولفت إلى أنه ستكون هناك بعد ذلك مراجعة، لوضع نظام أكثر نجاعة.
ويحاول هانت تضييق الفجوة في المالية العامة التي ذكرت صحيفة "صنداي تايمز" أن حجمها يصل إلى 72 مليار جنيه، بما في ذلك 45 مليار جنيه من التخفيضات الضريبية التي خططت لها تراس في الأصل، والتي تم عكس حوالي 20 مليار جنيه فقط منها حتى الآن، بحسب "فرانس برس".
وخفض بنك غولدمان ساكس، اليوم الإثنين، التوقعات الاقتصادية لبريطانيا، وحذر من ركود أعمق العام المقبل بعد أن أقالت رئيسة الوزراء ليز تراس الأسبوع الماضي كواسي كوارتينغ من منصب وزير المالية، وألغت أجزاء من رزمته الاقتصادية التي لا تحظى بشعبية.
وقام البنك بتعديل توقعاته للناتج الاقتصادي في المملكة المتحدة لعام 2023 إلى انكماش بنسبة 1% من توقعات سابقة لهبوط الناتج بنسبة 0.4%، مع توقع التضخم الأساسي عند 3.1% في نهاية عام 2023، انخفاضًا من 3.3% سابقًا.
وقال محللو غولدمان بقيادة سفين غاري ستيهن، في مذكرة مؤرخة يوم الأحد: "مع تراجع زخم النمو الأضعف، والظروف المالية الأكثر تشددًا، وزيادة ضريبة الشركات اعتبارًا من أبريل المقبل، فإننا نخفض توقعاتنا للنمو في المملكة المتحدة بشكل أكبر، ونتوقع الآن ركودًا أكثر أهمية".
وكتب محللو غولدمان أن "استمرار التضخم الأساسي يشير إلى أن بنك إنكلترا لا يزال بحاجة إلى نقل السياسة النقدية إلى منطقة انكماشية بشكل كبير".
(فرانس برس، رويترز، العربي الجديد)